وضع صعب ومعقد تعيشه ليبيا رغم كل محاولات البحث عن توافقات سياسية بين الاطراف المتصارعة.مشهد الخلافات والصراعات مازال يطغى هو الحاكم بأمره، فيما تتواصل المحاولات الأممية لرأب الصدع عبر مبادرات جديدة، قد يكون مصيرها الفشل مثل سابقيها في ظل استمرار فشل المبعوثين في إحداث توازن بين الاطراف الليبية المختلفة، ما يخلق رفضا لأي مبادرة أممية.
بعد حوالي ستة أشهر من تعيينه، رئيسا لبعثة الأمم المتحدة للدعم، لقيادة جهود المنظمة الأممية، في مساعدة الليبيين لاستعادة الأمن والاستقرار وإنهاء سنوات من الصراعات والانقسامات التي أغرقت البلاد في أزمات طويلة، أعلن عبدالله باثيلي، عن مبادرة جديدة، خلال إحاطة قدمها أمام مجلس الأمن الدولي، لكن يبدو إنه لم ينجح في تجاوز أخطاء سابقيه.
مبادرة باثيلي
المبعوث الأممي إلى ليبيا عبدالله باثيلي، أعلن عزمه إطلاق مبادرة جديدة،لحلحلة الجمود السياسي وتعثر العملية السياسية التي لا زالت تراوح مكانها ولا تلبي رغبات الليبيين، وفق باثيلي. ولفت المبعوث إلى نفاد صبر الليبيين مشددا على ضرورة إنهاء المراحل الانتقالية؛ لأنها "تصب في صالح من يريدون بقاء الوضع كما هو عليه"، وفق تعبيره.
وتهدف مبادرة باثيلي، لإنشاء لجنة توجيه رفيعة المستوى في ليبيا، تجمع كل أصحاب المصلحة، والمؤسسات، والشخصيات، والقادة القبليين، والأطراف ذات المصلحة والنساء والشباب، وتكون مهمتها الوصول للانتخابات الرئاسية والبرلمانية، من خلال تيسير اعتماد الإطار القانوني وخارطة الطريق المحددة وفق جدول زمني لعقد الانتخابات في 2023.
ووفق المبعوث الأممي، فإن اللجنة المقترحة ستشكل كذلك منصة لتعزيز التوافق حول المسائل ذات الصلة، مثل "أمن الانتخابات واعتماد مدونة سلوك لجميع المرشحين".وأكد باثيلي أنه "أجرى مشاورات مع كافة الأطراف في ليبيا بما فيهم ممثلي المجتمع المدني والمكونات الثقافية والقادة القبليين وأهم المسؤولين في الحكومة وأعضاء مجلسي النواب والدولة، كما تلقى وراجع عددا من المقترحات المكتوبة والشفوية التي قدمها الليبيون حول طرق معالجة الأزمة السياسية الحالية".
وتصب مبادرة باثيلي الجديدة في إطار دعم جهود إجراء انتخابات في ليبيا، والتي سبق أن تعثرت منذ ديسمبر/كانون الأول من عام 2021 وحتى الآن، بالسبب "المعلن" .. عدم توافق الأطراف السياسية على الأساس الدستوري لهذه العملية الانتخابية، نتيجة خلافات حول شروط الترشح للرئاسة، إضافة إلى استمرار العديد من العراقيل ابرزها معظلة المليشيات المسلحة واستمرار وجود المرتزقة والقوات الأجنبية.
باثيلي وأخطاء سابقيه
يبدو أن المبعوث الأممي الجديد، قد وقع في أخطاء سابقيه فلم ينجح في تفادي الانتقادات التي طالته من عدة أطراف ليبية. وفي هذا السياق،اعتبرت هيئة رئاسة مجلس النواب،أن إحاطة باثيلي في مجلس الأمن تضمنت مغالطات وتناقضات "بشأن فشل مجلسي النواب والدولة في إقرار القاعدة الدستورية" ومناقضتها لفقرات في ذات الإحاطة تقر بصدور التعديل الدستوري الذي تم بالتشاور مع مجلس الدولة.
وعددت هيئة الرئاسة، جملة من المغالطات في كلمة باثيلي، منها عدم ذكره لتعطيل انعقاد جلسة مجلس الدولة من قبل ذات القوة القاهرة التي أفشلت الانتخابات عام 2021، وعدم تطرقه لمسألة عرقلة المصالحة وتعطيلها وكذلك الفساد وإهدار المال العام، التي تعتبر أهم العوامل لتعطيل العملية الانتخابية بالبلاد.
وأشارت هيئة الرئاسة، إلى أن تحميل مجلس النواب وحده هذه المسؤولية أمر غير صحيح وينافي الواقع الليبي فالتدخل الخارجي وعدم اكتمال خارطة مخرجات جنيف في الآجال المحددة بالفعل وعدم استكمال أهم مسارين وهما المصالحة والأمن أهم العوائق أمام إنهاء الأزمة الليبية. واتهمت الهيئة المبعوث الأممي، بالكيل بمكيالين وعدم الحياد بين الأطراف الليبية.
من جانبها،انتقدت الحكومة الليبية المصادق عليها من البرلمان، برئاسة فتحي باشاغا،إحاطة المبعوث الأممي عبد الله باثيلي، بسبب عدم الإتيان على ذكرها. وأكدت الحكومة في بيان لها أن محاولة تجاوز الأجسام السياسية الرسمية لا يساعد على حلول ناجحة ومرضية وتضع البعثة في موقع غير محايد.معتبرة أن الاتفاق السياسي الموقع في الصخيرات العام 2015 هو الأساس الذي تستند عليه شرعية مجلسي والدولة والحكومة منبثقة عن مجلس النواب بالتوافق مع مجلس الدولة.
ردود الأفعال هذه تجاه إحاطة المبعوث الأممي تؤكد فشله في تحقيق التوازن المطلوب في التعامل مع الأطراف الليبية المتصارعة، وهو الأمر الذي فشل فيه سابقوه من المبعوثين وأدى إلى استقالتهم أو إبعادهم بسبب رفض الأطراف الليبية لوجودهم واتهامهم بعدم الحيادية. ويبدو أن باثيلي لم يستفد من أخطاء أسلافه ما ينذر بفشل جديد للبعثة الأممية.
القفز على الحلول المحلية
تأتي مبادرة باثيلي في وقت تتواصل فيه الجهود الليبية للتوصل إلى توافقات سياسية، ففي الفترة الأخيرة نجح مجلسا النواب والدولة في تحقيق تقدم ملموس بدأت تفاصيله في يناير الماضي، خلال اجتماعهما في القاهرة، حيث اتفق الطرفان، على إحالة الوثيقة الدستورية لإقرارها طبقًا لنظام كل مجلس، ووضع "خريطة طريق"، لاستكمال العملية الانتخابية، وتوحيد المؤسسات الليبية.
وبالرغم من التعثر الذي يواجهه إقرار القاعدة الدستورية، بسبب خلافات حول بعض البنود أهمها شروط الترشح للانتخابات الرئاسية، فإن المواقف السياسية في ليبيا، تؤكد الاتفاق على تنظيم الانتخابات البرلمانية والرئاسية، وتكشف التصريحات المتفائلة جدية الذهاب نحو توافقات حقيقية قادرة على إنهاء الازمة المستعصية في البلاد.
فخلال كلمته أمام المؤتمر الرابع والثلاثين لاتحاد البرلمان العربي، في العاصمة العراقية بغداد، أكد رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، أن تحقيق الأمن والاستقرار يستوجب إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية تحت رقابة دولية. وتتوافق تصريحات صالح مع تصريحات سابقة لرئيس المجلس الأعلى للدولة في ليبيا خالد المشري، أكد فيها أن هناك اتفاقا يلوح في الأفق حول آلية حل الخلاف السياسي وخارطة طريق مرتقبة للقوانين الانتخابية.
هذا التوافق الهام يمثل بداية الطريق نحو إنهاء الصراع في البلاد، فيما يعتبر طرح مبادرة أممية جديدة تشويشا على هذا التوافق الليبي وقفزا على الحلول المحلية، وهو ما أكده ،عضو مجلس النواب مصباح دومة، الذي طالب المبعوث الأممي عبدالله باثيلي أن يوضح ما هي آلية ومعايير اختيار عضوية اللجنة، مؤكدا إن المجتمع الدولي يرفض الحلول المحلية ويأبى إلا أن يتدخل في الأزمة الليبية وفق مصالح الدول المتداخلة في إرباك المشهد منذ 2011.
تؤكد الأطراف الليبية والعديد من الدول الأقليمية المهتمة بالشان الليبي على أن حل الأزمة الليبية يجب أن يكون ليبيا، لكن في كل مرة يتقدم فيها الحوار الليبي-الليبي، تطرح مبادرات خارجية تبعثر الأوراق وتعيد الخلافات إلى مربعها الاول. رغم فشل كل المؤتمرات والمبادرات التي قدمتها الأطراف الخارجية فانها مازالت تصر على لعب دور الوصي على ليبيا، ليظل البلد الأفريقي في دوامة صراع لا ينتهي.