أعلنت بعثة الأمم المتحدة في ليبيا فشل المحادثات التي ترعاها في جنيف بهدف التمهيد لإجراء انتخابات بالبلاد أواخر العام الجاري. وكان من المقرر أن يضع اجتماع منتدى الحوار السياسي الليبي الذي عقد قرب جنيف، بحلول الأول من يوليو/ تموز، الأساس الدستوري لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية.

وأربك فشل المحادثات للتوصل إلى توافقات في شأن الانتخابات الليبية المشهد  السياسي الذي انحرف مجدداً نحو دائرة التصعيد، ومثل انقلاباً على خارطة طريق الحل السياسي، وسط تبادل الاتهامات بين الفرقاء الليبيين، بالمسؤولية وراء عدم حصول اتفاق، وصل إلى حد التلويح بالعودة إلى الحرب.

وكان  الأمين العام المساعد، منسق بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، رايزدون زينينغا، أعلن، الجمعة، انتهاء جلسات ملتقى الحوار السياسي، التي عقدت في مدينة جنيف، من دون التوصل إلى توافق حول القاعدة الدستورية التي ستجرى الانتخابات بمقتضاها، معتبراً أن ذلك "لا يبشر بخير".

 وقال: "أتينا إلى هذه الاجتماعات بأجندة واضحة، وجدول زمني واضح، وكانت لدينا أربعة أيام كاملة للمناقشات، قدمت ثلاثة مقترحات حول القاعدة الدستورية بعضها كان متسقاً مع خارطة الطريق، والبعض الآخر لم يكن كذلك، فيما سعى  بعضها إلى وضع شروط مسبقة للوصول إلى موعد الانتخابات في 24 كانون الأول (ديسمبر)، والمشاركون في الملتقى لم يتوصلوا إلى أرضية مشتركة حول آلية إجراء الانتخابات". واعتبر  أن الحل لتجاوز الانسداد هو "العودة إلى روح خارطة الطريق للتوصل إلى حل وسط، يضمن الإمكانية السياسية والعملية لإجراء الانتخابات في كانون الأول المقبل"، داعياً أعضاء ملتقى الحوار السياسي إلى "مواصلة التشاور في ما بينكم للتوصل إلى الحل، وتعزيز ما يوحدكم، وسنعمل معكم على خيارات عدة لبناء أرضية مشتركة".

من جانبه،دعا رئيس حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا عبد الحميد الدبيبة كافة الأطراف الوطنية إلى تغليب المصلحة العامة، والتوافق حول صيغة لإجراء الانتخابات المقررة في الـ24 من ديسمبر 2021.

وكتب الدبيبة في تغريدة له على تويتر: "نحث كافة الأطراف الوطنية والبعثة الأممية للاضطلاع بمسؤولياتها وتغليب المصلحة العامة والتوافق حول صيغة كفيلة بإجراء الانتخابات في موعدها وتمكين الشعب الليبي من ممارسة حقه في الانتخاب".

من ناحية أخرى،اتهم المبعوث الأمريكي الخاص إلى ليبيا، ريتشارد نورلاند، السبت 3 تموز/يوليو، بعض أعضاء الحوار الليبي في جنيف، بمحاولة عرقلة إجراء الانتخابات في البلاد في ديسمبر المقبل، وقال نورلاند في بيان نشرته السفارة الأمريكية لدى ليبيا "لقد تابعنا عن كثب اجتماعات الملتقى في جنيف هذا الأسبوع، بما في ذلك العديد من الأعضاء الذين يبدو أنهم يحاولون إدخال "حبوب سامة" تضمن عدم إجراء الانتخابات - إما عن طريق إطالة العملية الدستورية أو من خلال خلق شروط جديدة يجب تلبيتها لإجراء الانتخابات".

وفاقم حدة التوتر تلويح محسوبين على جماعة "الإخوان"، ومجموعات في الغرب الليبي بالعودة إلى الحرب. وقال رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري: "تعثر ملتقى الحوار في الوصول إلى ارضية مشتركة، وعرقلة لآمال الليبيين في اختيار ممثليهم، بسبب تعنت بعض الأطراف ومحاولة فرض انتخابات من دون شروط محددة للترشح، كمنع ترشح العسكريين ومن يحملون جنسيات أجنبية". واضاف: "انزع البدلة العسكرية وتخلّ عن الجنسية الأجنبية وسوِّ وضعك القانوني مع جرائم الحرب، لكنك ستُهزم بصناديق الاقتراع كما هُزمت بصناديق الذخيرة".

إلى ذلك، دخل وزير الداخلية السابق فتحي باشاغا، الذي يرجح على نطاق واسع ترشحه على رئاسة ليبيا، على خط الأزمة، وأكد رفضه محاولات البعض تأجيل الانتخابات، داعيا من يرفضون خارطة الطريق إلى "الاستقالة من ملتقى الحوار السياسي". وحض على "الالتزام التام لتنفيذ خارطة الطريق، وتقديم التنازلات اللازمة لأجل الاتفاق على ما تبقى من تدابير وإجراءات تنفيذية لاستكمال الاستحقاقات المقررة، والانتقال بالبلد إلى واقع جديد ونظام سياسي يستند إلى إرادة الشعب"، محذراً من "مخاطر تهدد وحدة البلاد وأمنها، وتزيد من فرصة بقاء المرتزقة على أراضيها، واستمرار تردي الأوضاع الإنسانية والمعيشية".

ويبدو الليبيون في حالة من الترقب، في ظل الأنباء عن فشل الحوار، في وقت مايزال شبح الفوضى، ماثلا في أذهانهم، منذ الأحداث التي أطاحت بحكم الزعيم الليبي الراحل، معمر القذافي عام 2011، ودعمها حلف شمال الأطلسي، في وقت تعول فيه القوى الدولية كثيرا، على إجراء الانتخابات في موعدها منه أجل إعادة الاستقرار للبلاد.

من ذلك، يرى مراقبون أن عملية التشويش حول محادثات جنيف ما أدى إلى فشلها و هو ما يهدّد مسار تنظيم الإنتخابات آخر هذه السنة جاءت بهدف العصف بالمسار السياسي الذي سيؤدي حتما إلى إرساء مؤسسات ديمقراطية مستقرّة و هو ما يتعارض مع أجندات بعض التنظيمات السياسية المسنودة بالمجموعات المسلحة التي تتغذى من مناخات الفوضى و الدمار.