أعاد انعقاد جلسة محاكمة أعوان النظام الليبي السابق، الجدل في أحقية ليبيا بمحاكمة سيف الإسلام القذافي داخل البلاد من عدمها، بعد أيام قليلة من إعلان المحكمة الجنائية الدولية رفضها الطعن الليبي في قرار نقل المتهم إلى لاهاي.

ويبدو أن قضية محاكمة نجل القذافي ستشهد تجاذبًا طويلاً لحين التوصل إلى قرار نهائي والفصل بين القضاءين الليبي والدولي في أحقية أي من الطرفين بمحاكمة نجل القذافي.
أحمد الجهاني ممثل ليبيا لدى المحكمة الجنائية الدولية، يؤكد، أن "قرار الجنائية الدولية ليس نهائيًّا والفريق القانوني سيتقدم بطعن جديد لأن ثلاثة من أصل خمسة قضاة فقط رفضوا الطعن الأخير، ما يعني اعتقادهم بقدرة ليبيا على تنظيم محاكمة عادلة لسيف الإسلام".

ويتابع: "يجب على السلطة الليبية اتخاذ خطوات ملموسة، تتمثل في نقل سيف الإسلام إلى طرابلس، وهو أمر إذا تحقق سيقنع الجنائية بأن ليبيا قادرة على تنظيم محاكمة عادلة له، في حقيقة الأمر الجنائية محرجة، لأنها أقرت على أحقية محاكمة ليبيا لعبدالله السنوسي ولم تقر محاكمة سيف القذافي، وهو ما يثير استغرابًا لدى قضاة الدولية المنقسمين على القرار".

وطعنت ليبيا للمرة الثانية في قرار المحكمة الجنائية الدولية الذي أصدرته في مايو 2013، والقاضي بتسليم سيف الإسلام القذافي إلى لاهاي لمحاكمته بتهم الإبادة الجماعية في الثورة العام 2011، معللة ذلك بعدم قدرة القضاء الليبي على توفير ظروف محاكمة عادلة له.

ورفضت الجنائية الدولية، الأربعاء، الطعن الليبي في القرار، بعدما أعلن القاضي أركي كورولا في جلسة علنية، تأكيد غرفة الاستئناف القرار ورفض الاستئناف.

رئيس قسم التحقيقات بمكتب النائب العام الصديق الصور، يرى أن عدم قدرة ليبيا على تنظيم محاكمة عادلة هو أمرٌ غير صحيح، ويضيف -في هذا الصدد- أن "الجنائية الدولية ترى أن وجود سيف الإسلام في الزنتان وعدم جلبه إلى طرابلس يعني أنه غير خاضع لسلطات الدولة وقضائها، وهو أمرٌ غير صحيح لأن المتهم حضر وتم ربط حضوره عبر الدائرة المغلقة في أكثر من جلسة، وصراحة لا يمكن نقله إلى طرابلس لأن في ذلك خطرًا عليه ومنه".

وينوه الصور، إلى أن "النائب العام أصدر مذكرات الجلب بشأن سيف من الزنتان، لكن مسؤولية التنفيذ تقع على وزارة العدل ممثلة بشرطتها القضائية، وهو أمرٌ لسنا معنيين بتنفيذه فهو من اختصاصات الحكومة".

وعن محاكمته عبر دائرة تلفزيونية مغلقة، يعلق الصور: "هذا الإجراء هو الأنسب نظرًا للمخاطر التي تحيط بنقل سيف إلى طرابلس، وللتذكير فإن محاكمة صدام حسين العام 2006 والتي كانت برعاية أميركية، تمت بطريقة فيها كثيرٌ من المخالفات القانونية؛ حيث لم يتم الاستماع إلى شهود النفي، وتم تغيير الأصوات الطبيعية للشهود، وهو يعد مخالفة في القانون الجنائي ولم يعترض عليه أحد".

وتابع: "وعندما تم ربط سيف الإسلام من الزنتان بقاعة المحكمة في طرابلس، عبر دائرة تلفزيونية مغلقة، شككت الجنائية الدولية وقالت إن الأمر غير قانوني، أعتقد أن مخاوفهم ليست مقنعة بالنسبة للقضاء الليبي".

أحمد الجهاني ممثل ليبيا لدى المحكمة الجنائية الدولية، ينظر إلى الأمر على اعتبار أن "صراحة نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية المعتمد العام 1998 أجاز الاستماع إلى الشهود والضحايا عبر التلفزيون أو الدوائر المغلقة، والأمر لا ينطبق على المتهمين لأنه يتوجب عليهم الحضور إلى المحكمة شخصيًّا وبشكل واقعي تمامًا".

وأضاف: "لكن ظروف ليبيا والانفلات الأمني جعلنا نفكر بتعديل قانون الإجراءات الجنائية، حتى نتمكن من محاكمته وهو موجودٌ في الزنتان، وهو أمر أرى فيه كثيرًا من التقدير لحساسية الوضع في ليبيا".

هذا وكان المؤتمر الوطني العام قد وافق في نهاية مارس الماضي، على تعديل جزئي في المادتين 241 و243 من قانون الإجراءات الجنائية، لتمكين السلطات القضائية من محاكمة سيف الإسلام القذافي المحتجز في الزنتان عبر الدائرة المغلقة من خلال ربطه بطرابلس، بسبب عدم توافر الظروف الأمنية اللازمة لنقله إلى مقر المحكمة في العاصمة.
يعتقد رئيس قسم التحقيقات بمكتب النائب العام الصديق الصور، أن القرار النهائي لتحديد مكان محاكمة سيف الإسلام القذافي قضائي وسياسي، ويصف الأمر "إذا ما صدر قرار نهائي من قبل المحكمة الجنائية الدولية بتسليم سيف الإسلام إلى لاهاي، سيتم إحالة القرار إلى مجلس الأمن الدولي، وهنا يكمن دور السلطات الليبية للتدخل وإقناع المجتمع الدولي بضرورة بقاء سيف في ليبيا ومحاكمته فيها. من وجهة نظري هذا القرار قضائي وسياسي ومتشابك بشكل معقد، وفي النهاية ستحدد مصيره الدبلوماسية الليبية ومدى فشلها أو نجاحها في إقناع العالم، بجدوى محاكمته بين أروقة القضاء الوطني".

وطالبت فاتو بنسودة المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية الحكومة في مطلع مايو الماضي، ليبيا بتسليم سيف الإسلام إلى لاهاي، للمحاكمة بتهم ارتكاب جرائم ضد الإنسانية.

وأخطرت بنسودة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، أن عدم تسليم ليبيا سيف الإسلام القذافي فورًا إلى المحكمة الجنائية الدولية هو "مصدر قلق كبير"، على غرار حكم يقضي بضرورة محاكمته في مقر المحكمة بهولندا.

ويشير رئيس قسم التحقيقات بمكتب النائب العام، إلى أن أعضاء بالنيابة العامة سيقومون من خلال زيارة مقر الجنائية الدولية خلال الأيام المقبلة، بمحاولة إقناعهم بقدرة ليبيا على محاكمة سيف الإسلام داخل البلاد.

وأفادت بوابة الوسط، أن ممثل ليبيا لدى المحكمة الجنائية الدولية اكد أن "المحكمة الجنائية الدولية دورها قضائي مـُكمل وتتدخل في محاكمة المتهمين، حينما تبدي المحاكم الوطنية رغبتها في المساعدة أو عند عجزها على التحقيق والادعاء، فالمسؤولية الأولية تتجه إلى الدول نفسها وهي تقرر وضعها القضائي، وليبيا أثبتت قدرتها من خلال سير محاكمة أكثر من ثلاثين من رموز القذافي، وتوفير القضاء الوطني لديها جميع الظروف الملائمة لعقد مثل هذه المحاكمات الكبرى".

ويقبع سيف الإسلام الصادر في حقه مذكرة اعتقال من المحكمة الجنائية الدولية بتهم ارتكاب جرائم ضد الإنسانية في سجن سري تابع للثوار في مدينة الزنتان (180 جنوب غرب طرابلس) منذ اعتقاله جنوب البلاد في 19 من نوفمبر 2011.

ويحاكم سيف الإسلام في هذه الآونة، في ذات القضية رقم 630 للعام 2012 الخاصة بمحاكمة رموز نظام القذافي، المتهمين فيها بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية إبان ثورة 17 فبراير 2011، وتشكيل كتائب مسلحة لقمع المدنيين، إلى جانب دعم النظام بالأموال والفساد المالي والإداري.