وهي تغلق قوس المرحلة الانتقالية، يتساءل البعض: هل أن تونس وضعت بالفعل فوق سكك الديمقراطية؟ إن حالة المدون التونسي ياسين العياري تضع هذ الرهان على المحك، فقد حكم عيله في وقت سابق بـ 3 سنوات سجن من قبل محكمة عسكرية في شهر نوفمبر الفارط بسبب تصريحات أطلقها على موقع التواصل الاجتماعي فايسبوك اعتبرت مسا بالجيش.

ياسين العياري المقيم بين فرنسا وتونس تم ايقافه يوم 25 ديسمبر 2014 في مطار تونس قرطاج منذ أن حل من باريس. يتكأ الحكم الصادر ضد ياسين العياري على الفصل 91 من قانون الاجراءات العسكرية الذي يتيح في تونس محاكمة مواطن مدني في محكمة عسكرية، وهو أمر يرفضه مناضلو حقوق الانسان. يصرح لنا سليم خراط أن "هذه الممارسة لا تتلاءم مع معايير الديمقراطية التي تريد تونس اتباعها".

ياسين العياري هو نجل عقيد في الجيش التونسي كان قد اغتيل في ماي 2011 بعد مواجهة مع جماعة جهادية. وكان ياسين العياري ناشطا منذ سنوات حكم الرئيس بن علي، وكان موضوعه الأثير هو القمع البوليسي الذي يرى انه استمر حتى بعد فرار بن علي في 2011.

يبدو ياسين العياري مقربا من حزب المؤتمر من أجل الجمهورية، حزب الرئيس التونسي المتخلي محمد منصف المرزوقي. في الشهور الأخيرة، انتقد كثيرا حزب نداء تونس وزعيمه الباجي قائد السبسي الذي انتخب رئيسا. اشتهر العياري بخطابه اللاذع، ويعتبر بعض الملاحظين أن في خطابه منسوب كبير من الافتراءات. وهنا يشير سليم خراط أن "وسائل الاعلام الالكترونية في تونس غير مؤطرة بالمرة، وهي بالفعل مجال لكثير من الفوضى" كما تؤكد آمنة قلالي، ممثلة هيومن رايتس ووتش : "رغم أنه ارتكب ما يمكن أن نؤاخذه عليه الا أنه يجب أن يقف امام محكمة مدنية لا عسكرية".

صحيح أن السلطات الجديدة المنبثقة من الانتخابات الأخيرة لا يمكن أن تؤاخذ في عملية انطلقت زمن الحكومة الانتقالية، لكن "هذه القضية ينبغي أن تكون محل نظر في البرلمان الجديد لأن فيها ما يخالف روح الدستور الجديد الذي تبنته تونس" يشير سليم خراط. ومن جهتها تقول آمنة قلالي أن محاكمته عسكريا "لا تنافي مبادئ الدستور الجديد فحسب وانما أيضا المعايير الدولية لحقوق الانسان". هذا ما دعا سليم خراط أن يقول "صحيح ان حرية التعبير مضمونة في ترسانة القوانين الجديدة، غير أن الأمر لازال نظريا".

عديدة هي الحالات التي تم فيها محاكمة مدنيين في محكمة عسكرية منذ 2011، لعل حالة النقابي الأمني صحبي الجويني واحدة من ابرزها، وهو الذي حوكم بـسنتين سجنا في نفس اليوم الذي صدر فيه الحكم الاولي لياسين العياري، وكان ذلك بسبب تصريح الجويني أن الجيش التونسي كان على علم مسبقا بعملية للجهاديين ضد الجنود دون أن يأخذ أي اجراءات لتفادي المأساة التي راح ضحيتها 16 جنديا تونسيا. وأكد صحبي الجويني أنه لم يتلق دعوة لحضور محاكمته. وجاء في تقرير لمنظمة هيومن رايت ووتش حول هذه القضية أن "السلطات التونسية تحاول خنق الجدل الذي يدور في الرأي العام حول قدرات وتصرفات وزارة الدفاع".

نقطة خلافية أخرى، هي أن الحكم الصادر غيابيا ضد ياسين العياري لم يتم اعلامه به، واتضح ان الاستدعاء قد ارسل الى عنوان قديم لياسين العياري كما صرح بذلك شقيقه مطيع عياري الذي قال أيضا "أن المحكمة العسكرية راسلتنا في مناسبات عديدة بعد وفاة والدنا على عنواننا الجديد" وذلك في تصريح لموقع "وابدو" التونسي. علما أن القانون التونسي يضمن اعلام المتهم بالحكم كما يضمن له لسان دفاع في حالة غيابه.

يرى سليم خراط أن الحكم الذي سيصدر على ياسين العياري يمثل "مؤشرا على حقيقة إرادة الاصلاح والتغيير في سبيل جودة المسار الديمقراطي الذي اختارته تونس، كما يمثل فرصة كي نعرف هل أن ثمة مؤسسات ستظل فوق كل انتقاد أو احتجاج".