تهديد، خطف، قتل، اغتصاب... جرائم كانت مهمة الدفاع عنها من أولويات المحامي. أما اليوم وفي غياب الأمن أصبحت كل هذه الجرائم والانتهاكات تلاحق مجموعة من المحامين في ليبيا. تارة سماع بخطف محامية في ظروف غامضة ولا أخبار عنها، وأخرى اختطفت ولم يُعثر عليها إلا جثة هامدة، والأخرى خُطفت من منزلها وعندما وجدت كانت في حالة يرثى لها. أكثر من 200 محامية قرّرن ترك المهنة والعمل موظفات، وكل ذلك نتيجة ما يتعرضن له من تهديدات وعنف... «لها» سلطت الضوء على هذه الانتهاكات التي كانت بالأمس الشغل الشاغل للمحامي واليوم صارت عقبة تحول دون ممارسته عمله.

الموكّل عدوّ!

المحامية عزة عليوة تقول: مشاكل المحامين في تزايد نتيجة لغياب الأمن، فالموكل صار يطالب بحكم البراءة بأي شكل من الأشكال، دون اكتراث لنوع القضية ولا لنتائجها، مما جعلنا نتعرض للتهديد بالأسلحة الثقيلة والمساومة حتى من قبل الموكل والمدّعى عليه الذي يطالب بنجاح قضيته، وإن «لم تنجح أيها المحامي فأعد لي أموالي، ولا تستحق فلسا ولو لصالح أتعابك...» وهنا يصبح الموكل عدواً لك. 
وتتحدث عليوة عن ظاهرة خطف المحاميات في ليبيا، بقولها: «المرأة أصبحت الآن لا تقل شأنا عن الرجل. ولكن للأسف يواجهها السلاح والتهديد والتحرش وكل أنواع العنف حتى داخل مكان عملها... أحاول قدر الإمكان أن أكون على حياد مع موكلي والمجني عليه حتى لا يرتكب جرماً بحقي، وهذا الأمر لا يستبعد القضاة أيضاً، فالقضايا الجنائية أصبحت تؤجل على خلفية ما يتعرض له القضاة والمستشارون من عنف».

تهديدات وشتائم يومية

تصف محامية لا تود الإفصاح عن اسمها المحاماة التي تزاولها منذ 18  عاماً بأنها مهنة الأخطار. تقول: «تعرضت للعنف من أشخاص كنت بالأمس أدافع عنهم، فغريب أن نسمع أن الموكل هو من يقوم بتهديدك. ذات مرة جاء رجل إلى مكان عملي، وهددني أمام زملائي قائلاً لي: «انتظري يومين وسيحدث لك شيء لم يكن في الحسبان». لم افهم سبب تهديده لي. وفي أحد الأيام أنهيت عملي وخرجت فوجدت أضراراً في سيارتي. إضافة إلى التهديدات والشتائم اليومية التي تصلني عبر هاتفي الشخصي. لذلك قررنا أنا وزملاء لي ترك هذه المهنة لغياب الحماية والأمان. وانتقلت من عملي محامية إلى العمل موظفة في إحدى المحاكم».

«إن لم تتركي القضية سأقتلك»

وأكدت إحدى المحاميات أنها تعرضت للضرب على يد مطلّقة موكلها التي جاءت إلى المحكمة وصفعتها على وجهها وتهجمت عليها، مما استوجب تدخل الحاضرين للمساعدة، وقبل مغادرتها المكان قالت لها:«إن لم تتركي القضية سأقتلك». وما كان من المحامية سوى ترك القضية تجنباً لأي أذى يلحق بزملائها المحامين.
أما المحامية سويلمة ب. فاختارت الدفاع في قضايا الأحوال الشخصية والابتعاد عن «القضايا الجنائية التي تتطلب إحالة المتهم على مركز الشرطة، ثم على النيابة ومن النيابة إلى السجن ليتم تمديده، وهنا تبدأ المعاناة خاصة لدى المرأة المحامية».
وأضافت: «رأينا معظم القضايا الجنائية تمدد أشهراً، فغياب الأمان يجعل القضاة يؤجلون موعد الحكم على المتهم نظراً إلى وجود السلاح المنتشر خارج سيطرة الدولة. وهناك الكثير من المحتجزين لديهم أمر بالإفراج عنهم ولم يحصل ذلك. كما أن النيابة تطالب بجلب المتهم ولا يتم جلبه خوفاً».

«كنقابة لا نستطيع توفير حماية للمحامي»

ويقول نقيب محامي طرابلس عبد الرؤوف قمبيج: «مشكلة المحاماة الأساسية هي عدم وجود قانون ينظم هذه المهنة، ويجعل النقابة هي سيد الجدول، بحيث أنها تتحكم في قبول المحامين والشروط التي يتوجب أن يكون عليها المحامي. لكنه وبفضل الله صدر قانون من المؤتمر الوطني العام ينص على تنظيم عمل المحامين في كل ما يتعلق بمهنتهم، وبواسطته سيعود صوت المحامي قوياً بعد نشر القانون.
أما دور النقابة في ما يتعرض له المحامون من عنف، فهو ملاحقة الأشخاص الذين يقومون بهذه التهديدات والجرائم التي ترتكب ضدهم مع مكتب النائب العام. لكننا كنقابة لا نستطيع توفير حماية للمحامي، فدوره الحقوقي أن يناضل من أجل القضايا المقتنع بها، ونحن مقتنعون بأنه لا بد أن نتحمّل هذه النتيجة طالما أننا على اقتناع تام بالملفات التي نتسلّمها ونتولى الدفاع عنها».

محاميات يحتجن إلى من يدافع عنهن

  • في 2013 - 2014 ،  استقالت أكثر من 150 محامية في شهر واحد وتحوّلن إلى موظّفات.
  • المحامية منال اختطفت وما زال مصيرها مجهولاً.
  • المحامية ثريا ج. تقبع خلف القضبان بلا تهمة، كل ذنبها أنها أخت المواطن محمد ج. الذي تم القبض عليه وتعذيبه حتى الموت على أيدي جماعات مسلحة، انتقاماً لمقتل شخص. علما بأنه لم يتم التحقيق ولا فتح حتى محضر رسمي بالتهمة، إنما طبق قانون العصابات بوحشية في غياب الدولة والقانون. ووضعت لائحة بأسماء أفراد عائلة الضحية واحتُجز، إخوة الضحية وأزواج أخواته وأبناء خالته وأزواج بنات خالته، وكذلك خُطفت أخت الضحية وهي الآن خلف أسوار سجن عين زاره في طرابلس. المحامية ثريا تعرضت للتعذيب وأجهضت جنينها وغرقت في غيبوبة، وذلك بعد تعذيب أخيها غير المتهم أمام عينيها. وما أن استيقظت من الغيبوبة تم تحويلها من المستشفى و وضعها في أحد السجون الخارجة عن سيطرة الدولة، لتصبح حالتها النفسية يرثى لها، وما زالت قضيتها مستمرة خاصة بعد تعيين عدد من المحامين للدفاع عنها، وهذا ما رفضه الجماعة التي تحتجزها. وكالعادة تتم تأجيل جلسة محاكمتها.
  • دخول بعض المسلحين إلى مكاتب عدد من القضاة وتهديدهم بقوة السلاح من أجل الإفراج عن بعض المحكومين، وقد وصل الأمر إلى إقفال بعض المحاكم.
  • القضية التي شغلت الرأي العام ووسائل الإعلام الليبية هي قضية المحامية حميدة الأصفر التي عُثر عليها جثة هامدة في مدينة زليتن شرق العاصمة، وقد فقدت في منطقة جنزور غرب طرابلس، في ظروف غامضة، عند مراجعتها لإحدى القضايا في نيابة جنزور.
  • وبعد التحريات والتحقيقات قُبض على المتهمين اللذين اعترفا بقتلها في المنطقة، ونقل الجثة إلى مدينة زليتن لإخفاء جريمتهما.
  • تعرضت المحامية والناشطة الحقوقية حنان ووالدها الدكتور مصطفى، لاعتداء بالضرب أمام إحدى المحاكم في مصراتة، على يد أحد خصومها في إحدى الدعاوى القضائية التي تعمل عليها.
  • غادرت المحامية والناشطة الحقوقية أمال ب. ق. ليبيا أخيراً بعد تهديدها بالقتل.

 

مجلة لها