اعتبر محللون سياسيون التصريحات المنسوبة للرئيس السوداني، عمر البشير، والتي تحدث خلالها عن تلقيه طلبات من قوى خارجية بإعادة دولة جنوب السودان إلى أحضان بلاده من جديد بعد انفصالها في العام 2011، "أحلامًا واستهلاكًا سياسيًا لكسب الوقت ومد عمر نظامه".

ونقلت وكالة الأنباء الرسمية السودانية ومواقع إلكترونية وصحف محلية سودانية تصريحات للبشير، خلال أعمال الملتقى الرابع لأمناء الزراع والرعاة بالمؤتمر الوطني (الحزب الحاكم) الجمعة الماضي، كشف فيها "عن تلقي السودان اعتذارات من قوى دولية (لم يسمها) عملت من أجل فصل الجنوب بغية تدمير الشمال إذا بها تطالب الآن بإعادة النظر في انفصال الجنوب والعمل على إعادة الوحدة بين السودان وجنوب السودان، مضيفًا: "الأمر حتى ولو تم قبوله يتطلب استفتاء أهل السودان ليقرروا فيه".

من جانبه، قال المحلل السياسي السوداني والكاتب بصحيفة "التغيير" السودانية الخاصة، علاء الدين محمود: "حديث البشير للاستهلاك السياسي لكسب الوقت ومد عمر نظامه، ويعتمد في ذلك على إلقاء فقاعات كبيرة مثل الحوار السياسي مع القوى السياسية؛ لأنه يعلم جيدًا أن نظامه لم يعد مرغوبًا فيه".

 وأضاف: "هو يرمي بورقة إعادة الوحدة لدغدغة العواطف الشعبية وتوظيف ذلك سياسيًا، والواقع أن حكومة البشير وسياساتها الإقصائية واستخدام الدين هي التي أسهمت في فصل الجنوب، وهو يعلم جيدًا أن شعب الجنوب قد اختار دولته بعيدًا عن نظام البشير الإسلامي".

ولفت إلى أنه "من الصعب على الأقل في ظل وجود حكومة البشير الإسلامية إعادة الوحدة، كما أن الحديث نفسه فيه عدم احترام لرغبة شعب الجنوب".

وأوضح أن "البشير يستخدم كل الأوراق لاستمرار نظامه، ولا أستبعد أن يكون حديثه هذا بالتنسيق مع أحد طرفي الصراع في الجنوب والذي يريد الاستفادة هو الآخر من الدعم الشمالي في الصراع الجنوبي الجنوبي".

 ويتفق الأمين العام لحزب الجبهة الديمقراطية المتحدة (حزب معارض بجنوب السودان)، ديفيد وليم، مع ما ذهب إليه "محمود" بقوله إن تصريحات البشير لا تخرج عن كونها "حديثًا للاستهلاك السياسي" في هذا التوقيت بالضبط، مؤكدًا أن دولة السودان تعاني من مشكلات داخلية متعددة أبرزها قضايا إصلاح الحكم في السودان.

وأشار ديفيد إلى أن الدعوة للوحدة لا يطالب بها السياسيون وإنما الشعب هو صاحب الحق في ذلك.  

بدوره، استبعد المتحدث باسم الحركة الشعبية لتحرير السودان (الحزب الحاكم في جنوب السودان)، رمضان محمد عبدالله، ما جاء على لسان الرئيس السوداني عمر البشير بخصوص المطالب الخارجية التي تطالبه باسترجاع دولة جنوب السودان للوحدة من جديد مع السودان.

 وأشار،  إلى "عدم توفّق الرئيس السوداني في مراميه السياسية".

وأضاف: "الجنوبيون السودانيون اختاروا الانفصال بعد تجربة مريرة مع الحكومات السودانية ولم يشعروا أنهم مواطنون في السودان لأكثر من خمسين عامًا من النضال، لذا اختاروا الاستقلال بنسبة تفوق الـ 90% وهي غالبية كبيرة".

 واعتبر السكرتير الصحفي لرئيس جنوب السودان، أتينج ويك، في حديثه للأناضول، أن "ما يقوله البشير لا يخرج عن كونه أمنيات فهو يتمنى العودة، ونحن لا نرغب في الوحدة مجددًا".

 وأضاف: "جنوب السودان دولة سيادية وستظل ذات سيادة".     

وقال الصحفي بصحيفة المصير (مستقلة في جنوب السودان)، أنطوني جوزيف، إن دعوة البشير قصد منها "الاصطياد في المياه العكرة، في هذه الأجواء الصعبة التي يمر بها جنوب السودان، ولصرف النظر عن الممارسات التي يقوم بها السودان في تغذية الصراع في البلاد عبر دعم المتمردين".

ومضى قائلاً: "ربما هنالك وعود رخيصة من المتمردين للحكومة السودانية في هذا الجانب مقابل دعمهم في هذه المرحلة، ولكن في كل الأحوال هذه مجرد أحلام لا يمكن أن تجد لها في الواقع مساحة، لأن استقلال جنوب السودان تم عبر إرادة شعبية وليست إرادة هؤلاء الساسة الذين يتقاتلون ويقتلون الشعب، فالشعب ليس جزءًا من هذا الصراع وبالتالي لا توجد أي وحدة ممكنة مع السودان مجددًا".

  ويرى مراقبون أن الظروف السياسية والأمنية المتدهورة في جنوب السودان ربما تكون هي الدافع الحقيقي لما أعلنه الرئيس السوداني عمر البشير عن الطلب الجنوبي للوحدة.

ويواجه نظام البشير أزمة اقتصادية طاحنة منذ انفصال جنوب السودان في 2011 وفقدانه لغالبية حقول النفط، يفاقمها الكلفة العسكرية الباهظة للحرب مع المتمردين، والتي يقدرها خبراء بنحو 65 % من الميزانية العامة.

وفي سبتمبر الماضي، اندلعت احتجاجات شعبية بسبب خطة تقشف حكومية؛ مما خلف عشرات القتلى، في أقوى احتجاجات واجهها البشير منذ وصوله للسلطة عبر انقلاب عسكري، مدعوما من الإسلاميين، العام 1989، علاوة على عجز الحكومة عن إيجاد معالجات للأزمة الاقتصادية بالبلاد.

ووفي مطلع أبريل الجاري، أعلن البشير أن حكومته ستسمح لكل القوى السياسية بممارسة نشاطها السياسي بحرية في كل ولايات البلاد، خلال اجتماعه مع زعماء أحزاب معارضة للتشاور بشأن تشكيل آلية لإدارة الحوار الذي دعا إليه في يناير الماضي، ضمن خطة إصلاحية، وتسببت في انقسام أحزاب المعارضة ما بين مؤيد ومعارض.

  وتشهد دولة جنوب السودان معارك منذ منتصف ديسمبر الماضي بين القوات الحكومية وقوات رياك مشار النائب المقال للرئيس والذي يتهمه الرئيس الجنوبي سلفا كير ميارديت محاولة قلب نظام الحكم في جوبا.