منذ تفشيه لا يزال فيروس كورونا يعيث في الاقتصاد العالمي دماراً حتى أصابه بالشلل، فقد عرقل الإنتاج والإمداد والنقل الجوي عبر العالم، وأضعف الطلب العالمي، وعزل دولاً ووضعها تحت الحجر الصحي، وأخرى تحت حظر التجوال، وأصاب قطاعات المال والطيران والنقل والسياحة بخسائر فادحة، كما انعكس انتشار الفيروس على النمو الاقتصادي والطلب العالمي على النفط، بل أن انتشار هذا الوباء أثر بالسلب على معنويات المستثمرين، وهو ما دفع الكثيرين منهم إلى التوجه نحو الأصول الآمنة على غرار الذهب، والتي ينظر إليها كملاذ آمن للتحوط في أوقات الأزمات.
ألقى كورونا بظلاله على الاقتصاد الدولي بعد الإجراءات التي فرضتها معظم الدول، وتوقّف النشاط التجاري إلى حد كبير في معظم أنحاء العالم، إلى حد تنبّأت فيه الكثير من الجهات الدولية بحدوث كساد عالمي، وركود اقتصادي نرى معالمه اليوم، وهو الأسوأ منذ الأزمة الاقتصادية العالمية عام 2008 أو حتى الركود العظيم عام 1929، ونهايته وآثاره لا تبدو واضحة المعالم. من قبل أن تبدأ الإجراءات التي اتخذها العالم للتصدي لجائحة تفشي فيروس كورونا وملامح الانكماش الاقتصادي تخيم على العالم لتأتي هذه الإجراءات لتفاقم من أزمة الاقتصاد العالمي وتقضي على بعض بوادر التعافي من أزمات سابقة لتضع العالم في أزمة غير مسبوقة تراجعت خلالها مؤشرات جميع القطاعات الاقتصادية، ما يضع العالم أمام تحدي إعادة بناء الاقتصاد بعد الإعادة الجزئية أو الكلية للأنشطة الاقتصادية.
يستند تقرير صادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي بالشراكة مع مجموعة "شركات مارش وماكلينان" و"مجموعة زيورخ للتأمين"، وجهات نظر وآراء حوالي 350 مختصاً وخبيراً في هذا المجال قاموا بدراسة توقعية للأشهر الـ 18 المقبلة وتحديد أبرز المخاوف وفقاً لاحتمالية حدوثها وأثرها على العالم واقتصاداته، ويوضح التقرير أن التداعيات الاقتصادية الفورية لجائحة كوفيد-19 تهيمن على توقعات الشركات في ما يتعلق بالمخاطر المستقبلية، ويتراوح ذلك بدءاً من ركود اقتصادي طويل المدى وصولاً إلى ضعف المكانة المالية للعديد من الاقتصادات الكبرى وقيود أشد على سلاسل الاستيراد والتوريد وحركة الأفراد عبر الحدود وانهيار لأسواق ناشئة رئيسية.
هذا العام نتحدث عن خسائر تقدر بنحو 2 تريليون دولار للاقتصاد العالمي، وفي دول مثل كندا والمكسيك وأمريكا الوسطى، ودول مثل شرق وجنوب آسيا والاتحاد الأوروبي، فإنها سوف تشهد تباطؤاً في النمو بين 0.7 في المائة و0.9 في المائة. ولن تكون الدول النامية التي تعتمد على تصدير المواد الأولية بعيدة عن الأزمة بسبب الديون وضعف العوائد التصديرية بسبب الدولار القوي، والارتفاع شبه المؤكد في أسعار السلع مع تباطؤ الاقتصاد العالمي، كل ذلك يعني أن مصدّري السلع الأساسية معرضون للخطر بشكل خاص. وحتى بعد البدء في استعادة الأنشطة تشير التوقعات إلى تحديات كبيرة تواجهها الشركات التي ستخرج من الأزمة بتراجع في السيولة لتبدأ العمل في ظل تراجع الطلب على منتجاتها وخدماتها مع استمرار التزاماتها من مصروفات تشغيل وغيره مع ضغوطات على سوق العمل جراء كم الوظائف التي تم شطبها خلال فترة الإجراءات الاحترازية.
ومن الدروس المستفادة من أزمة كورونا حسب الباحثين زيادة مرونة جميع الاقتصادات والكيانات، العامّة والخاصة، والتحضير المسبق لما نعيشه الآن، أي التوقّف المفاجئ لجزء من الإنتاج والطلب في العديد من اقتصادات العالِم فلا يجب أن نعتمد على مصدر واحد فقط لأي خدمة أو سلعة لمجرّد خفض التكاليف فأساس المرحلة المقبلة، ستكون فكرة إدارة المخاطر، وتنوّع المخاطر، على مستوى الكوكب، جزءاً رئيساً من مفاهيم العالم القادمة. ومع التدقيق في أوجه الترابط بين المخاطر، يدعو التقرير قادة العالم لاتخاذ إجراءات من شأنها التصدي للتحديات المستقبلية الكثيرة بما في ذلك أزمة المناخ والاضطرابات الجيوسياسية والارتفاع في معدلات عدم المساواة والضغوط على الصحة النفسية للمجتمع والفجوات في حوكمة استخدام التكنولوجيا والنظم الصحية القابعة تحت وطأة ضغط مستمر.
وسيكون لهذه المخاطر طويلة المدى آثار خطيرة على المجتمعات والبيئة ونظم حوكمة التكنولوجيا الحديثة، الأمر الذي يؤكد على الدعوات التي أطلقها تقرير المخاطر العالمية، الصادر في كانون الثاني 2020. والأهم من كل ذلك يجب ألا ننسى أن الإنسان في أي مكان يجب أن يبقى المسؤول الأول عن تجنّب الإصابة بالفيروس عبر التزامه بالإجراءات المعمول بها عالمياً، لجهة النظافة الشخصية، وأيضاً يجب ألّا يبعدنا التباعد المكاني عن العلاقات الإنسانية التي تبقى هي الأساس في حياتنا اليومية.