قام رواد مواقع التواصل الاجتماعي بإعادة نشر فيديو مسرب لمكالمة بين رئيس إخوان تونس راشد الغنوشي والداعية بشير بن حسن المعروف بمواقفه المتشددة، وكشف الفيديو عن مشروع حركة النهضة الإسلامي ورغبتها في تطبيق الشريعة وتثبيت الدولة الإسلامية. وتأتي إعادة نشر الفيديو قبل الانتخابات تعبيرا عن رغبة حقيقية في طرح مسألة التحالفات التي يقيمها الغنوشي مع المتشددين.

ونشر الفيديو الذي يدور حول مسألة تطبيق الشريعة في تونس وإقامة الدولة الإسلامية، قرابة 2000 مواطن، وقد وصفه منتقدوه بـ”الفيديو الخطير”، لأنّ حديث الغنوشي للداعية بن حسن، يتناقض مع ما يُبديه في العلن وأمام وسائل الإعلام من التزام بالديمقراطية ودولة القانون والمؤسسات.

ويعود تسريب الفيديو، لأوّل مرّة، إلى عام 2012 وتحديدا عند اتخاذ رئيس حركة النهضة قراره بالتخلّي عن مبدأ اعتبار الشريعة مصدرا أساسيا للقانون وتضمين ذلك في الدستور، بسبب الضغوط الداخلية والخارجيّة التي مورست عليه في هذا الصدد عند انكشاف ازدواجية خطابه.

وفسّر مراقبون إعادة تداول المكالمة المسرّبة بين الغنوشي والداعية بشير بن حسن بأن هناك تخوّفا حقيقيّا لدى التونسيين من مواصلة الغنوشي تحالفاته مع المتشدّدين الرافضين للديمقراطية ومدنية الدولة، فضلا عن توظيفه للدين في المعارك السياسية التي يخوضها، خاصة مع اقتراب مواعيد الانتخابات الرئاسية والتشريعية.

وأكّد خبراء أن زعيم إخوان تونس من خلال مضمون الفيديو وجّه رسالة واضحة إلى أبناء الصف الإسلامي على اختلاف تصنيفاتهم، مفادها أن الغلبة في البرلمان والسلطة لحركة النهضة وأن ذلك سيمكنها من فرض القوانين الإسلامية بالتدريج ودون تسرع، حتى لا تؤلّب ضدها الرأي العام المحلي والدولي، خصوصا وأن بعض الدول الغربية الكبرى لا تساند المشروع الإخواني في تونس بعد الثورة.

من جانبه، أكد الداعية بشير بن حسن، في مكالمته مع الغنوشي، أن إسلاميّي تونس جميعهم “جسد واحد وفي خندق واحد”، وقد عبّر عن استيائه من عدم التنصيص على الشريعة في الدستور، لكن الغنوشي أوعز التخلي عن ذلك بأن المجتمع التونسي غير عارف بمقاصد الشريعة الإسلامية لأنه “غير ناضج دينيا”.

وبعث الغنوشي برسالة طمأنة إلى محدّثه حيث قال “من الناحية العملية الذي يصنع القانون ليس الدستور وإنما ميزان القوى” في إشارة إلى تمكّن حركته من دواليب الحكم، معتبرا أن مريدي الإسلام السياسي لا يمثلون قوة حقيقة في تونس لأنهم لم يقدروا على تفعيل المبدأ الأول في الدستور والذي يقرّ بأن تونس “دولة إسلامية” باعتبار أن دينها الإسلام وبالتالي تطبيق جميع القوانين التي تستلهم وجودها من الشريعة مثل قانون منع بيع الخمر للمسلمين.

وأفاد بن حسن أن مجلة الأحوال الشخصية، التي تعدّ مكسبا للمرأة التونسية، مخالفة للشرع وقد أيده الغنوشي في ذلك قائلا "تونس دولة إسلامية وليست علمانية ورغم أن اليساريين يعتبرون مجلة الأحوال مكسبا إلا أن القانون يفسره القوي ولن نُبقي عليها سنقصي أشياء منها، ونترك منها أخرى، المهم هو أن نثبّت الوجود الإسلامي في تونس"، وهو ما يتناقض كليا مع تصريحات سابقة له اعتبر فيها مجلة الأحوال الشخصية مكسبا لا مساومة عليه.  

والمعلوم أن الداعية التونسي بشير بن حسن اشتهر بمواقفه المتشددة حيث اعتبر في وقت سابق، أن “كلّ من يقف في وجه الحكومة الشرعية يعادي الإسلام وأهله”، وأن المعارضين للشرعية هم في حقيقة الأمر “يصدون عن سبيل الله ويعادون أولياء الله” في إشارة إلى حركة النهضة.

كما توجه بخطاب إلى رئيس حزب العمال التونسي حمة الهمامي قائلا “من لا يصلي لا يحق له أن يتحدث عن المساجد والإسلام.. أهل تونس رافضون للشيوعية ومبادئها لأنها تدعو إلى الإلحاد، أنت وأمثالك تسعون إلى تخريب تونس وسنكون لكم بالمرصاد”.

وحسب صحيفة العرب، تتهم أحزاب المعارضة، حكومة حركة النهضة الإخوانية بالتواطؤ مع السلفيين، وذلك بالتساهل معهم وعدم التعامل بجدية مع خطابهم الدينيّ المتشدد والتكفيري و”الغريب” عن المجتمع التونسي، وتتهم السلفيين بالتحريض ضد الدولة وتجنيد الشباب للجهاد في سوريا والعراق وتوظيف المنابر للدعاية الحزبية.

وبالعودة إلى تصريحات سابقة لزعيم حركة النهضة، نجد أنّه قد اعترف ولو ضمنيّا بأنّه يؤسّس بالتّدريج لمشروع مجتمعيّ على النّهج الإسلاميّ رغم نفيه الدائم لهذه المزاعم، فقد كان يشدّد على أنّ تونس دولة إسلاميّة بالأساس غير أنّ حكّامها حاولوا تغريبها وتحديثها بفصل الدّولة عن الدّين، لكنّهم حسب اعتقاده لم ينجحوا في ذلك لأنّ القوانين والمراسيم تستند إلى الشّريعة.

وإثر إعلان النهضة أنّه سيتمّ الحفاظ على الفصل الأوّل من الدستور والذّي يحدّد دين الدولة التونسية، لم يتوان الغنوشي عن التذكير بأنّ هذا الفصل وحده كاف للقيام بأي تعديل وتحوير قانوني من أجل إدراج القوانين الإسلاميّة. وأكّد أنّ النهضة لا تسعى إلى إنشاء دولة إسلاميّة، لأنّها، في تونس، موجودة بالأساس وقد عبّر عن ذلك بقوله “نحن لا نفتح الأبواب المفتوحة”.