من سوريا إلى العراق وصولا الى ليبيا، تواصل تركيا مد أذرعها التخريبية لتشعل أزمات وتدعم جماعات على حساب أخرى، حتى وإن كان هذا يعني انتشار الإرهاب والدمار. وبالرغم من زعمها محاربة الارهاب فان الهجوم التركي الأخير على شمال سوريا ينذر بإنعاش الجماعات الارهابية وسط مخاوف من نوايا أنقرة نقل هذه الجماعات وعلى رأسها عناصر "داعش" الى ليبيا.
ومنذ العام 2011، شهدت العديد من دول المنطقة، تدخلا تركيا سافرا، في شئونها وخاصة في سوريا والعراق وليبيا، وسط استغلال واضح من قبل أنقرة للأوضاع المتوترة في هذه البلاد. وآخر هذه التدخلات التركية كان العملية العسكرية التي أعلنتها أنقرة الأربعاء الماضي، على الشمال السوري، وسط محاولات للقضاء على التواجد الكردي في هذه المناطق.
وأعلن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في التاسع من تشرين الأول/أكتوبر الجاري، إطلاق عملية عسكرية في منطقة شمال سوريا، تحت اسم "نبع السلام". وادعت تركيا أن "العملية تهدف للقضاء على التهديدات التي يمثلها مقاتلو وحدات حماية الشعب الكردية السورية ومسلحو تنظيم "داعش"، وتمكين اللاجئين السوريين في تركيا من العودة إلى ديارهم بعد إقامة "منطقة آمنة".
لكن العملية العسكرية التركية التي استهدفت الاطفال والنساء والعجز دون تفرقة والتي تخللتها انتهاكات كبيرة في ظل تقارير اعلامية عن عمليات اعدام للمدنيين على يد القوات الموالية لأنقرة، حملت في طياتها مخاوف أخرى تجاوزت حدود سوريا لتصل الى ليبيا التي تعاني هي الأخرى من التدخلات التركية التي ساهمت في اراقة دماء الكثير من الليبيين حيث تسعى أنقرة لدعم المليشيات الموالية لها.
وتتوجه الأنظار نحو الآلاف من عناصر تنظيم "داعش" الموجودين في الأراضي السورية، حيث يتوقع الكثيرون أن يساهم الهجوم التركي على شمال سوريا في إعادة إنعاش التنظيم الإرهابي وذلك عبر نقل عناصره الى ليبيا حيث تسعى تركيا لممارسة دورها التخريبي في هذا البلد من خلال تفريخ الأزمات الواحدة تلو الأخرى.
يخشى الليبيون من أن يؤدي العدوان التركي على الشمال السوري، لإطلاق المئات من عناصر تنظيم داعش ونقلها إلى الشطر الغربي من بلادهم، حيث يواصل الجيش الوطني عملية طوفان الكرامة لتحرير العاصمة من الميليشيات المسلحة والجماعات الإرهابية التي تسيطر على المدينة منذ سنوات بدعم قطري وتركي.
مخاوف أكدها عضو مجلس النواب الليبي علي السعيدي القايدي، في مدينة طبرق، الذي أكد في تصريح لوكالة "سبوتنيك" الروسية، السبت إن "الهجوم التركي على سوريا هدفه الأول هو إخلاء مجموعات إرهابية موجودة هناك وهذه هي الأسباب" قائلاً :"الاجتياح التركي لسوريا من أجل إرسالهم إلى ليبيا لمحاربة الجيش الوطني الليبي".
وطالب عضو مجلس النواب الليبي من "الجيش الوطني الليبي أن يرصد تحركات هذه الجماعات"، مشيراً إلى أن "سبق وأن تم إرسال مجموعة إرهابية من إدلب السورية إلى ليبيا وأغلب هذه الجماعات قتلت والبعض الأخر موجود في ساحة القتال ومنهم مجموعات موجودة في الجنوب الليبي".
وكان الناطق باسم القيادة العامة للجيش الليبي، اللواء أحمد المسماري، قال إنّ تركيا تقوم بغزو في سوريا وتقتحم أراضي عربية، مشيراً إلى أنّ أعداداً كبيرة من الإرهابيين أطلق سراحهم من السجون وباتوا في أيدي الأتراك، محذراً من أنّ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، قد يعمل على إرسال الإرهابيين الموجودين في سوريا إلى ليبيا عبر موانئ ومطارات طرابلس ومصراتة وزوارة.
وأضاف المسماري، إنّ تركيا سبق لها نقل إرهابيين لدعم الميليشيات المرتبطة بغرف العمليات التركية، وإنها لن تتردد في التخلص من إرهابيي داعش بعد إخراجهم من سجون قوات سوريا الديمقراطية عبر إرسالهم إلى الغرب الليبي لمساندة حلفائها في محاور القتال.ورجّح المسماري أن تتولى تركيا إطلاق آلاف الإرهابيين، ما يمثل خطراً على الأمن والسلام في المنطقة، ولا سيما في ظل وجود عائلات إرهابية ليبية تسكن في تركيا ستساهم في نقل الإرهابيين من سوريا إلى الغرب الليبي، وأبرزها عائلة علي الصلابي، عضو التنظيم الدولي للإخوان.
وبدوره، أوضح الناطق الرسمي باسم غرفة عمليات الكرامة العميد خالد المحجوب، أنّ الجيش الليبي يضع في اعتباره إمكانية نقل إرهابيي داعش من شمالي سوريا إلى غربي ليبيا لمساندة الميليشيات، ومستعد للقضاء عليهم وإحباط كل المؤامرات التي تستهدف الأمن الوطني والاستقرار الليبي. وأضاف المحجوب لصحيفة "البيان"، إنّ هناك اتجاهاً واضحاً من قبل تركيا لاستعمال آلاف الإرهابيين من تنظيم داعش ممن كانوا تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية، في تنفيذ أجنداته في دول أخرى ومنها ليبيا.
وأوضح أنّه تمّ تسجيل وصول مئات الإرهابيين التابعين لجبهة النصرة من سوريا إلى ليبيا عبر تركيا للقتال في صفوف الميليشيات خلال الأشهر الماضية، وأنّ هناك غرفة عمليات يديرها أتراك وقيادات إرهابية ليبية مقيمة في تركيا، لاستقطاب الإرهابيين ونقلهم إلى ليبيا ضمن المخطط التركي لعرقلة تقدم الجيش الوطني في محاور القتال.
وكشفت تقارير ليبية وعربية، خلال الاشهر القليلة الماضية؛ أنّ السلطات التركية كثفت من عمليات تجميع العناصر الإرهابية الفارة من المعارك في سوريا، خاصة أفراد تنظيمي "جبهة النصرة" و"داعش"؛ حيث شرعت في نقلهم جواً إلى الأراضي الليبية لدعم الميليشيات المسلحة المنتشرة في العاصمة طرابلس. وتحدثت لجنة الدفاع والأمن القومي في يوليو الماضي عن وصول إرهابيين من مدينة إدلب السورية للقتال إلى جانب "ميليشيات طرابلس" متهمة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بنقل مقاتلين أجانب من سوريا إلى ليبيا وفقا لبيان صادر عن اللجنة.
وقال وزير الخارجية للحكومة الليبية المؤقتة عبدالهادي الحويج حينها في تصريح لصحيفة "العرب" اللندنية: "لدينا معطيات كاملة وأدلة موثقة عن نقل إرهابيين من إدلب إلى غربي ليبيا، وسنستظهر بهذه الأدلة في الوقت المناسب"، لافتاً إلى أنّ تسفير مقاتلي جبهة النصرة من الشمال السوري إلى الأراضي الليبية، ليس بالأمر الجديد وتمّ التطرق له سابقاً.
ووفق الحويج، فإن القوات المسلحة الليبية بقيادة المشير خليفة حفتر، تقوم حربها ضد الإرهاب، نيابة عن العالم، بينما يعد الإرهابيون أنّ معركتهم في ليبيا هي التي ستحدد مصيرهم في المنطقة والعالم، وتمثل معركة وجود لهم، لذلك يجدون الدعم الكامل من محور التطرّف.
تصريحات دعمها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي أشار في يوليو الماضي، في مؤتمر صحفي في روما بعد أن أجرى محادثات مع رئيس الوزراء الإيطالي جوسيبي كونتي، الى أنه قلق من تدفق المتشددين على ليبيا من محافظة إدلب السورية، وحذر من أن الوضع في ليبيا يتدهور. وتابع بوتين أن موسكو تأمل أن توافق الأطراف المتحاربة في ليبيا على وقف إطلاق النار، وإجراء محادثات والدخول في عملية سياسية لحل مشكلات البلاد.
ويرى مراقبون، أن تركيا تراهن على عناصر "داعش" الفارة من سجون قوات قسد بعد استهدافها من قبل القوات التركية وبهدف نقلهم الى ليبيا نظرًا لاعتباره المكان الأكثر اشتعالًا في المنطقة، لاسيما المصالح التركية الكبيرة فيه. ويعلل هؤلاء ذلك بتدفق السلاح الذي ترسله أنقرة إلى الإرهابيين في ليبيا، ومدهم بطيارين للعمل إلى جانب الميليشيات.
ودفعت هذه المخاوف المتنامية البرلمان الليبي للتنديد بالهجوم التركي على سوريا واصفا إياه بـ"العدوان الغاشم على أرض دولة شقيقة وانتهاكا صارخا للقوانين والمواثيق والمعاهدات الدولية". وطالب مجلس النواب الذي يرأسه المستشار عقيلة صالح مجلس الأمن الدولي بتحرك عاجل لوقف العدوان التركي وحماية الشعب السوري من "الاعتداء السافر"، معتبرا في بيان أن هذا العدوان يأتي ضمن "أطماع نظام أردوغان وسعيه لنشر الإرهاب والتطرف في المنطقة ودعمه للمليشيات الإرهابية المتطرفة في ليبيا بالمال والسلاح ضد الجيش الوطني وخرق النظام التركي لقرارات مجلس الأمن الدولي بشأن ليبيا".
وفي المقابل، عكست تحركات حكومة الوفاق مدى ارتباطها بالأجندة التركية، حيث رفضت وزارة الخارجية بحكومة الوفاق، خفض التمثيل الدبلوماسي ووقف التعاون مع تركيا. وقالت الوزارة في بيان نشرته على موقعها الإلكتروني، السبت، إن "ليبيا ترفض خفض التمثيل الدبلوماسي ووقف التعاون مع الجمهورية التركية".
وجاء ذلك في أعقاب إصدار الجامعة العربية على مستوى وزراء الخارجية العرب بيانًا طالب الدول العربية بعدم التعاون مع الحكومة التركية وخفض التمثيل الدبلوماسي لدى تركيا. واعتبر مراقبون تصرف حكومة الوفاق مخالفة للإجماع العربي، ودليلا على مدى ارتباط هذه الحكومة التي يسيطر عليها تنظيم "الاخوان" بالأجندات التركية الساعية لنشر الفوضى في المنطقة.
وترتبط حكومة الوفاق بعلاقات واسعة مع تركيا، ويتبادل وزراؤها زيارات إلى أنقرة. كما كشفت معركة طرابلس مدى تدخل أنقرة في الشأن الليبي حيث انتقل أردوغان من التسليح السرّي للميليشيات المتطرفة إلى التسليح العلني منتهكا القرار الدولي بحظر السلاح على ليبيا بإرساله طائرات مسيرة وشحنات ذخيرة على أمل تغيير موازين القوى لصالح حكومة الوفاق.
ومثلت الأراضي الليبية مسرحا لتجريب تركيا لطائراتها المسيرة على غرار طائرات مقاتلة جديدة من نوع "بيرقدار تي بي 2"، التي كشف موقع أفريكا أنتلجنس -الوكالة المتخصصة في الأخبار السرية – مطلع يوليو الماضي، عن أن تركيا تستعد لمنح حكومة السراج ثماني منها، رغم استمرار الحظر على توريد السلاح إلى ليبيا الذي فرضه مجلس الأمن منذ 2011.
وتفاخر رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري، في تصريح لصحيفة الإندبندنت البريطانية، بأن "حكومة الوفاق الوطني المدعومة من الأمم المتحدة حصلت على طائرات بدون طيار وعدلتها لمواجهة التأثير المدمر لطائرات السيد حفتر الحربية والمراقبة الجوية". دون أن يشير الى أن هذه الطائرات تسفك دماء الليبيين.
كما لم يتردد رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق فائز السراج في الاعتراف بتلقي قواته أسلحة من تركيا. ونقلت وكالة "سبوتنيك" الروسية، عن السراج قوله: "نحن في وضع دفاع عن النفس، نتعاون مع الدول الصديقة، وفقاً لما نراه مناسباً لحماية أهلنا"، والدفاع عما سماه "الشرعية". في مشهد كشف مدى تواطئ حكومته في استجلاب التدخل الخارجي في بلاده.
ويعد النظام التركي من أكبر الداعمين لتيار الاسلام السياسي وعلى رأسه "الاخوان"، إذ قدم لهم الدعم غير المحدود لبسط سيطرتهم على عدد من المناطق في ليبيا. وعلاوة على ذلك فقد اعتبرت تركيا بمثابة ملجأ لجهاديي ليبيا الذين ارتبطوا معها بعلاقات كبيرة، وخاصة قيادات الجماعة الليبية المقاتلة، كعبد الحكيم بلحاج وخالد الشريف، اللذين يملكان استثمارات مالية وعقارية كبيرة في تركيا، تقول تقارير ورسائل سربها موقع ويكيليكس إنهما قد نهباها من أموال مؤسسات الدولة الليبية في أعقاب سيطرتهما على العاصمة طرابلس.
ويشير مراقبون الى أن تركيا تسعى لتحويل ليبيا الى ملاذ جديد للتنظيمات الارهابية وخاصة "داعش" خدمة لأجنداتها التي تقوم على نشر الفوضى في المنطقة. وفقد التنظيم المتطرف مناطق سيطرته في الساحة الليبية ومنها معقله في مدينة سرت الساحلية، لكن تقارير دولية ومحلية متطابقة أكدت أن شقا من عناصره انصهر في وسط السكان، فيما توارى الشق الآخر في الجنوب الليبي مترامي الأطراف حيث تنتشر العصابات الإجرامية وعصابات التهريب.
وتصاعدت خلال الأشهر الأخيرة تحركات مقاتلي التنظيم الإرهابي الذين استغلوا الفراغ الأمني والعسكري نظرا لانشغال القوات الليبية المسلحة التابعة للجيش بمعارك مسلحة مع قوات حكومة الوفاق الوطني. وبدا واضحا أن التنظيم الإرهابي يسعى الى إعادة ترتيب صفوفه بعد الهزائم التي مني بها في عدة مدن ليبية والتي دفعته للتحصن بالصحراء الليبية الشاسعة.
وينفذ الطيران الأمريكي بدون طيار بين الحين والآخر ضربات جوية في المنطقة الممتدة من سرت وسط ليبيا وصولاً إلى أقصى جنوب البلاد، مستهدفاً فلول وقيادات تنظيمي الدولة والقاعدة. وكانت الضربة الجوية الأخيرة لطائرات "أفريكوم" في الفترة من 20 سبتمبر وحتى 27 سبتمبر الماضي حين نفذت طائرات أمريكية ضربات مكثفة، وقتلت العشرات من عناصر التنظيم بينهم قيادات بارزة.
وكشفت هذه الضربات مدى استعادة تنظيم الدولة جزء من قوته ولملمة صفوفه، كما عكست بوضوح مدى الخطورة التي باتت تشكلها فلول التنظيم الارهابي، وإمكانية بروزه مجددا وقدرته على ضرب أهداف في مختلف أنحاء ليبيا بشكل مباغت خاص وأن حالة الانقسامات والفوضى تمثل بيئة مناسبة للعناصر الارهابية للتحرك وتنفيذ مخططاتها في غياب سلطة الدولة.
وفي يوليو الماضي بث تنظيم "داعش" الإرهابي، إصدارا مرئيا، تحت عنوان "العاقبة للمتقين"، بثته الأذرع الإعلامية للتنظيم حيث أظهر عددًا من مقاتليه في بقعة صحراوية يرجح أنها في ليبيا. وتوعد التنظيم الارهابي في الفيديو بمواصلة ما أسماه الجهاد في ليبيا. وقبل ذلك ظهر زعيم تنظيم "داعش" الإرهابي، أبو بكر البغدادي، في شريط فيديو، في 29 إبريل/نيسان الماضي، موجّها تشجيعه لأنصاره في ليبيا وحثّهم على مضاعفة هجماتهم الإرهابية، لأول مرة منذ فقدان أثره في سورية، في فبراير/شباط الماضي، إثر هزيمة مقاتليه في بلدة الباغوز. وهو ما يشير الى الأهمية الكبيرة التي يوليها التنظيم الارهابي لليبيا التي يعتبرها الملاذ الجديد بعد نهاية خلافته المزعومة في سوريا والعراق.