منذ اللحظات الأولى لنشأة الجماعة، وهي مثار للجدل الواسع ليس فقط بين أروقة وجنبات الدولة المصرية، ولكن أيضاً على مستوى العالم أجمع . فقد اتسمت الجماعة بالمراوغة والغموض في أهدافها وهيكلها المؤسسي، الذي لا يعلمه إلا عدد قليل من داخلها، وقد ترجمت هذه المراوغة في طبيعة التحالفات التي أقامتها منذ نشأتها حتى وصولها إلى سدة الحكم في مصر عبر ما يزيد على ثمانين عاماً من الزمان، فقد تحالفت مع الإنجليز تارة، ومع الملك تارة أخرى ومع السادات تارة ثالثة، وعقدت صفقة مع نظام الرئيس مبارك أحيانا ودخلت معه في صدام أحيانا أخرى . حتى إذا ما وصلت إلى الحكم تعاملت بمنطق (الصفقة أو التصادم) فكان الإخفاق أشد وطأة ليس على الجماعة فقط ولكن على الدولة الوطنية المصرية، والتي هددت في أركانها الثابتة لأول مرة في تاريخها الحديث، وهو ما لم يحدث في عهد الاحتلال البريطاني والفرنسي لمصر، حيث انقسم المجتمع، للمرة الأولى في تاريخه، على الأساس الديني والمذهبي، وتم استغلال الدين للتنكيل بالمعارضة أو من يختلف معهم في الرأي، وقامت الجماعة بالتحالف مع الجماعات الأكثر تشدداً وعنفاً قبل وبعد تركها للسلطة للتنكيل بالمعارضة، فانتشر الإرهاب في عموم الدولة المصرية، ولم تجد الدولة بديلاً سوى وضع الجماعة على قوائم الحركات الإرهابية تحت ضغط شعبي كبير .
قال القيادي السابق في تنظيم الإخوان، مختار نوح، إن جماعة حسن البنا انتهت إلى غير رجعة، حينما حدث صدام بين الإخوان وجمال عبدالناصر، واستطاع الأخير تفكيك التنظيم، ولم يتبق منه سوى 250 عضواً من التنظيم الخاص فقط، مشيراً إلى أن التلمساني أسس جماعة جديدة، ولكن لم يكتب لها الاستمرار مع قدوم مصطفى مشهور إلى منصب المرشد، حيث استجلب معه قيادات التنظيم الخاص والقطبيين من الخارج لتأسيس جماعة ثالثة جديدة، لا علاقة لها بجماعة حسن البنا .
وطالب كل القيادات الحالية التي تتصدر التنظيم بالخروج المشرف والاستقالة، وترك التنظيم يعيد ترتيب أوراقه من جديد، والبدء بمراجعات حقيقية يقبلها المجتمع وتقبلها الدولة .
وناشد نوح في حواره مع "الخليج" قطاعات الإخوان الشبابية الإصرار على إجراء انتخابات حقيقية، تسعى إلى إنتاج قيادات شبابية ذات رؤية حقيقية للنهضة بالتنظيم .

* في البداية نود توضيح ما إذا كان مشروع حسن البنا كان إصلاحياً أم مجرد مشروع سياسي شأنه شأن بقية المشروعات السياسية الأخرى؟
- في بادئ الأمر اعتبر المتابعون لحركة الإخوان أن مشروع الجماعة إصلاحي يسعى تعبيد الناس لله، وزرع القيم الأخلاقية في المجتمع، خاصة أن أي فكر إصلاحي يقابل بالترحاب من المجتمع في ظل غياب مشروع قومي تلتف الناس حوله، إضافة إلى غياب التنظيمات الاجتماعية الشرعية التي تلبي احتياجات المجتمع من العلم والفكر والأخلاق، ولكن مع قدوم جمال عبدالناصر رحب الناس بمشروعه القومي، والتف الناس حوله واصطدم الإخوان مع الدولة وأفل نجمهم حتى مجيء السادات، فغاب المشروع القومي الحقيقي، خاصة بعدما تم توقيع اتفاقية كامب ديفيد، حيث راج فكر الإخوان مرة أخرى، لأن الناس تحتاج إلى الفكر الإصلاحي بطبيعة الحال، ولم يكن الإخوان أصحاب فكر إصلاحي حقيقي، ولكن الناس عولت عليهم، وأملت أن يكون مشروعهم انطلاقة حقيقية نحو مجتمع متصالح، ولكن ذلك لم يحدث .

أسباب الفشل

* لماذا فشل الإخوان في تصدير المنهج الإصلاحي إلى المجتمع؟
- ظهور التيار القطبي داخل التنظيم، وعمله على وأد أي محاولات لنهضة الجماعة، أدى في النهاية إلى انحسار قيمة التنظيم ومشروعها السياسي، وانفصال الحركة عن الشارع المصري بتكويناته السياسية والاجتماعية والاقتصادية . وبالتالي غياب الجماعة عن الواقع السياسي بالكامل، على الرغم من بقائها كتنظيم يعيش لأصحابه وبأصحابه فقط بعيداً عن أي تأثير في المجتمع .
* معني كلامك أن مشروع الإخوان كان فارغ المضمون؟
- المشروع كان يحمل شعارات فقط من دون أي مضامين حقيقية، ولم تكن إصلاحية البتة، وحينما جاء التطبيق على أرض الواقع كانت الأزمة الحقيقية، اكتشف الناس أنه لا يوجد أصلاً مشروع سياسي للإخوان بغض النظر عن ملامح هذا المشروع، لذلك فقد المصداقية، لأنه لم ينجح في تنفيذ الشعارات التي رفعها طيلة الأعوام الثمانين الماضية .

إغراءات فكرية

* هل يمكن القول إن الإخوان أصحاب مشروع حقيقي، وما دلالة انتشاره في عشرات الدول في العالم العربي والغربي . .كيف ترى ذلك؟

- الإسلام قيمة جاذبة للجميع، حينما ترفع الإسلام كغاية ومشروع يأتي إليك الجميع . وهذا ما فعله الإخوان طيلة السنوات الماضية . فالعاطفة تجمع ولا تفرق وهو ما نجح فيه البنا . هناك فرق بين أن تمنح أحداً عطايا مادية وبين الإغراءات المعنوية، فأصحاب الأفكار المادية يعتمدون في نجاحهم على مدى القدرة على الإقناع . أما أصحاب الأفكار المتعلقة بالإسلام فينجحون سريعا نتيجة الإغراءات المعنوية، التي يتم تقديمها للاتباع . كافة الحركات الإسلامية انتشرت في العالم العربي طيلة السنوات الماضية وليس الإخوان فقط، انتشرت السلفية وانتشر أنصار السنة المحمدية، وكذلك الأفكار المادية في العالم العربي بقوة، حيث انتشرت الأفكار الشيوعية .

* هل كان على الإخوان اتخاذ الإطار القانوني في عملهم الدعوي للنجاح في مشروعهم الإصلاحي؟
- كان الإخوان يمارسون العمل الدعوي، ولا غضاضة في ذلك ولا حاجة للإخوان إلى شكل قانوني لممارسة الدعوة، ولكن بعد اقتحام السياسة بكل تفاصيلها كان لزاما عليهم اتخاذ شكل قانوني، خاصة بعدما ظهرت أطماعهم في السلطة، ولكن الإخوان كانوا يتخيلون أنهم دولة فوق الدولة وحاولوا ابتلاع الدولة في داخلهم، وهو ما أدى في النهاية إلى هذا الوضع الحالي .

مشروع الإخوان انتهى

* كيف ترى قدرة الإخوان على الخروج مرة أخرى بمشروع سياسي حقيقي ينافسون به التيارات الأخرى؟

- مشروع الإخوان انتهى ورصيدهم في الانتخابات انتهى، ولن يقوموا سوى بالضغط على أعضائهم لمقاطعة التصويت في الانتخابات الرئاسية المقبلة، ومن ثم لن يكون لهم تأثير واضح في ظل تقاعس الأعداد وقلتها، وعزوف قيادات السبعينات والثمانينات عن المشاركة في نشاط الإخوان الحالي لإيمانهم بأن التنظيم انحرف عن مساره الحقيقي، وأن التنظيم بات ينتهج العنف، في المقابل سوف يخرج الملايين إلى الانتخابات الحالية، وأتوقع ألا يقل عدد الخروج في الانتخابات المقبلة عن 25 مليون نسمة، باحثين عن الاستقرار والنهضة الاقتصادية .
* كيف تعلل استمرار الإخوان وقدرتهم على مواجهة الدولة في كل لحظات الصدام معها، وهي جماعة لا تمتلك مشروعاً إصلاحياً سلمياً كما ترى؟
- اعتمد الإخوان في صراعهم مع الدولة الهدوء، وكانوا يعتمدون سياسة التغلغل السرطاني وسلمية الصراع من دون أي صوت عال يجلب نقمة الدولة عليهم .
وجاءت مشاركتهم في الثورة في أيامها الأخيرة، بعدما تيقن لهم أن الشعب كله عن بكرة أبيه نزل إلى الشارع، ولم يعد لهم أي عذر لعدم المشاركة في التظاهرات .

منطق الخديعة

* كيف ترى تقارب الإخوان مع الأنظمة الحاكمة في فترات وصدامها في فترات أخرى؟
- كان حسن البنا ومن بعده من قيادات الإرشاد يتعاملون مع الدولة بمنطق الخديعة، وانه يجوز مع الأعداء ممارسة خدعة الحرب، خاصة أنهم كانوا يرون أنهم التنظيم الذي يمثل الإسلام الحقيقي، ومن ثم فالتقارب مع الأنظمة في مراحل سياسية كان بمثابة خدع حرب لتحقيق مآرب سياسية لحظية، يتغير بعدها الموقف بتغير الظرف السياسي .
* مشروع البنا السياسي أين هو من جماعة الإخوان الآن ؟
- دعني أؤكد أن جماعة الإخوان التي أسسها حسن البنا انتهت إلى غير رجعة في خمسينات القرن الماضي في صراع التنظيم مع جمال عبدالناصر، حينما تفكك التنظيم وسجنت قياداته، وأعدم البعض، وهرب الباقون إلى ألمانيا وإنجلترا واليمن، ومن ثم جاء التلمساني لينشئ تنظيماً جديدا للإخوان كان قوامه العمل المدني المفتوح، لكن قيادات التنظيم الخاص والتيار القطبي قضوا على جماعة التلمساني وأسسوا جماعة ثالثة لا علاقة لها بالنموذجين السابقين من الإخوان، سواء نموذج جماعة البنا أو جماعة التلمساني .
* ما هي أوجه الخلاف بين جماعات البنا والتلمساني ومشهور؟
- جماعة البنا كانت منفصلة عن الواقع، وكذلك جماعة مصطفى مشهور، ولكن التلمساني لم يكن منفصلاً عن الواقع، التلمساني كان يخاطب المجتمع ورائدا للعمل المجتمعي المنفتح، في حين مشهور وقبله البنا كانا يعيشان على إطراف المجتمع . البنا فتح الباب للانضمام لكل الملتزمين المدنيين المؤمنين بالمدنية والعمل المفتوح للانضمام في الجماعة، ولكن مشهور القى بمفاتيح التنظيم في أيدي ثلة النظام الخاص .
وحينما جاء مشهور من الخارج وتولى إرشاد الإخوان استقدم كل قيادات النظام الخاص من أوروبا واليمن والخليج، لكي يبسطوا أياديهم على التنظيم والإطاحة بمدرسة التلمسانيين من التنظيم، وهو ما تم بالفعل حيث قام مشهور بتمكين الإخوان المحسوبين على التيار القطبي من إدارة التنظيم والتضحية بتفاصيل المدرسة السلمية المدنية، التي تؤمن بالعمل المجتمعي .

رجال سيد قطب

* هل خروج جماعة مصطفى مشهور إلى النور بعد الإطاحة بمدرسة التلمسانيين استدعى معه تنظيرات حسن البنا الفكرية أم تم الاعتماد على تنظيرات سياسية وفكرية جديدة للتأصيل للتأسيس الجديد؟
- استدعى مصطفى مشهور ورفاق التنظيم الجديد المحسوبين على التيار القطبي تنظيرات سيد قطب التي كتبها في السجون، والتي تضمنت العزلة الشعورية التي تستوجب الابتعاد عن المجتمع والاستعلاء عليه، لانتشار الفجور والكفر والجاهلية به على غرار جاهلية قريش، ولذا كان التنظيم الجديد الذي بناه مشهور أقرب إلى فكر سيد قطب بالكامل، ونشأ التنظيم امتداداً لجماعة سيد قطب وفلسفة وأبجديات سيد قطب وأبو الأعلى المودودي وكل التنظيرات التي تصب في العزلة عن المجتمع .
* كثر الكلام عن مراجعات يجب على الإخوان أن تقوم بها من أجل القبول بها شريكاً سياسياً في المستقبل كيف ترى تلك المراجعات؟
- "الإخوان" لم تقم بمراجعات حقيقية في تاريخها حتى الآن، والحديث عن مراجعات فكرية أمر غير مقبول في ظل وجود القيادات القطبية الحالية على سدة قيادة التنظيم، خاصة أنها هي التي تدير دفة الصراع مع الدولة وترى أن الصراع عقائدي وليس سياسياً، ومن ثم إن جاز لنا الحديث عن جدوى المراجعات الفكرية والسياسية للإخوان، فإن ذلك يتطلب في المقام الأول ثورة فكرية داخل التنظيم تطيح كل القيادات الحالية التي تمثل الجناح القطبي، ثم يأتي بعدها تمكين للقيادات الشابة في الجماعة لتتمكن من إحداث مراجعات فكرية حقيقية تقبل بها الدولة للمشاركة في العمل السياسي .

الإخوان بلا مستقبل

* كيف ترى مستقبل "الإخوان" في حالة الصدام الحالية بينهم وبين الدولة، خاصة أنهم يرون أنه صدام عقائدي وأنهم منتصرون لا محالة؟
- الصراع سياسي بطبيعة الحال وليس عقائدياً، ولكن الإخوان يصورون لقواعدهم عقائدية الصراع من أجل لملمة شمل التنظيم حولهم، وكبح جماح الصدام بين القواعد والقيادات في ظل اتهامات متصاعدة للقيادات، بأنها هي التي أوردت التنظيم هذه النهاية المأساوية، لذلك ستجد أن القيادات تستدعي النصوص الدينية لتصوير الصراع باعتباره صراعاً دينياً بحتاً من أجل التغرير بأعضائها وإلقائهم في أتون حرب مع الدولة .
التنظيم لن يعود إلى الأفق مرة أخرى قوياً طالما بقيت النبرة الحالية مسيطرة عليه، ولابد على شباب الجماعة أن يقوموا بإزالة المشكلات كافة التي حدثت في السابق والنهضة من أجل بناء التنظيم من جديد وفقاً لرؤى شبابية وليست قطبية . 
* خروج جماعات منشقة من صلب الإخوان عقب الإطاحة بالرئيس المعزول محمد مرسي، هل يؤثر في تماسك التنظيم أم بداية لانهياره تماماً؟
- لا وجود حقيقياً لما يسمى ب"إخوان بلا عنف" أو "إخوان منشقون"، كلها حركات خرجت لملء الفراغ السياسي ليس أكثر، وليس لهم أي تأثير في المشهد الحالي على الإطلاق، فكلهم لا يتعدون العشرات، وهي جماعات شبابية لا قيمة لها من الناحية العملية، وليس لها جذور أو قواعد يتم الاعتماد عليها في بناء تنظيم مواز للإخوان خلال الفترة المقبلة .
* خرجت مبادرات تصحيحية داخل الإخوان من جانب الشباب لنقد الوضع الحالي داعية إلى تصحيح الأوضاع والانطلاق نحو التجديد، ما مستقبل تلك المبادرات؟
- لا مكان لأي مبادرات شبابية داخل التنظيم لإصلاح الوضع الحالي في ظل التفاصيل القائمة، خاصة أن مركزية التنظيم تمنع وصول مقترحات الشباب إلى القيادات، ولكن يتم التعويل على إصرار الشباب على الإطاحة بالقيادات الحالية، وإجراء انتخابات حقيقية شفافة بعيدا عن التوجيه، لاختيار قيادات حقيقية شبابية ذات رؤية وبصيرة تستطيع انتشال التنظيم من عثراته الحالية .