في الوقت الذي ينتظر فيه الليبيون توجه بلادهم نحو طريق يقود للسلام والأستقرار،عبر الانتخابات التي يجمع الكثيرون على كونها السبيل الامثل للخروج من نفق الأزمة المظلم،تلقي الأوضاع الأمنية المتردية بظلالها على هذا البلد الممزق بالصراعات مهددة بإفشال الاستحقاق الانتخابي القادم الذي يعتبر الأبرز والأخير لانهاء حالة الفوضى في ليبيا.

مثل توافق الاطراف الليبية مؤخرا على اجراء الانتخابات المزمع عقدها في 24 ديسمبر كانون الأول القادم،مؤشرا ايجابيا في المشهد الليبي خاصة مع الدعم الدولي الكبير الذي جاء في أعقاب مؤتمر باريس الذي دعا إلى التزام لا لبس فيه لكل الأطراف الليبية بإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية في موعدها المقرر، ودعم جهود مفوضية الانتخابات لإنجاح هذا الاستحقاق، وهدد بفرض عقوبات على من يعرقل الانتخابات.

لكن الأوضاع على الأرض تبدو أكثر صعوبة لانجاح الاستحقاق الانتخابي خاصة مع استمرار الصعوبات الأمنية في بلد شهد سنوات من الفوضى وانتشار الجماعات المسلحة.فمنذ أيام تتجه الأنظار الى مدينة سبها التي تشهد تطورات خطيرة تهدد العملية الانتخابية مع تأجيل النظر في طعن سيف الإسلام القذافي ضد مفوضية الانتخابات الليبية لأكثر من مرة بسبب الظروف الأمنية.

وتشهد مدينة سبها منذ أيام،تطورات متسارعة حيث تظاهر عدد من أهالي المدينة أمام مجمع المحاكم رافعين شعارات تطالب بإستقلالية القضاء وعدم التدخل في شؤونه،وذلك على خلفية منع دخول القضاة بعد تقديم فريق الدفاع أوراق الطعن ضد قرار المفوضية العليا للانتخابات، استبعاد سيف الإسلام القذافي من السباق الانتخابي.

وأكد سيف الإسلام عبر حسابه بموقع "تويتر"،الاثنين، قيام قوة عسكرية بتطويق مبنى محكمة سبها الابتدائية ومنع القضاة والموظفين من الدخول، مما تتسبب في تأجيل النظر في الطعن المقدم من محامي سيف الإسلام ضد قرار المفوضية العليا للانتخابات، لليوم الثاني على التوالي.وكان من المقرر أن تحسم المحكمة في جلستها،الأحد، قانونية ترشح سيف الإسلام من عدمه، لكن تم تأجيل النظر في الملف إلى يوم الإثنين.

وقال خالد الزايدي محامي سيف الإسلام القذافي في تسجيل صوتي إنه تم إغلاق جميع الطرق المؤدية لمحكمة سبها الابتدائية بسيارات عسكرية وتم منع سيارات المواطنين من المرور عبر الطرق المؤدية للمحكمة.وأكد الزايدي أن مرحلة الطعون التي تعد من أهم المراحل الانتخابية تتعرض للتعطيل وتساءل إذا كان هذا هو حال القضاء في مرحلة الطعون فما بالك في المراحل القادمة المتعلقة بالتصويت والعد والفرز واعتبر أن ما حدث رسالة بأن الانتخابات ستكون مهددة.

ومنذ ايام هاجمت قوة مسلحة هاجمت، محكمة الاستئناف في مدينة سبها، بعد تقديم فريق الدفاع أوراق الطعن ضد قرار المفوضية العليا للانتخابات، استبعاد سيف الإسلام القذافي من السباق الانتخابيوقالت حكومة الوحدة الوطنية الليبية في بيان صادر عنها إنها "ترفض ما حدث بمحكمة سبها الإبتدائية من اعتداء طال العاملين، نفذته مجموعة تجاوزت القانون"، دون أي تفاصيل حول هوية المهاجمين.

وأكد البيان أنه على إثر الحادثة صدرت تعليمات لوزارتي الداخلية والعدل للتحقيق فورا في ملابسات الواقعة، ومضاعفة تأمين كافة المقرات للمحاكم المعنية بالنظر في الطعون المتعلقة بالعملية الانتخابية في شقيها الرئاسي والتشريعي.ودعت الحكومة في بيانها "كافة الأطراف إلى احترام القوانين ورغبة الليبيين في تبني المسار السلمي للعملية السياسية".

ومن جانبه اعتبر رئيس لجنة الشؤون الداخلية بمجلس النواب، سليمان الحراري ،أن الاعتداء على محكمة سبها ،يعرض العملية الانتخابية بأكملها للخطر.و دعا الحراري ضرورة محاسبة الفاعلين واحترام مؤسسات الدولة وعلى رأسها المؤسسة القضائية،مطالبا وزارة الداخلية بالقيام بمهامها في تأمين المؤسسات التي تتولى حمايتها، وبذل كل الجهود اللازمة في سبيل ذلك. 

وأعربت بعثة الأمم المتحدة في ليبيا، عن انزعاجها من الهجوم المسلح على محكمة سبها، ونددت بما أسمته "استعمال أي شكل من أشكال العنف".وقالت البعثة الأممية في بيان لها، إنها ترفض "العنف المرتبط بالانتخابات الليبية".وحذرت من أن "كل من يمارس العنف ستتم مساءلته بقرار مجلس الأمن رقم 2570، ومخرجات مؤتمر باريس، والبيان الرئاسي لمجلس الأمن، وكل الاتفاقات التي تمنع الأعمال التي تعرقل الانتخابات".

وفي السياق ذاته،أكدت السفارة البريطانية لدى ليبيا في تغريدة لها بموقع "تويتر،ضرورة السماح للسلطة القضائية بأداء واجباتها دون أي ترهيب،معربة عن قلقها بشأن الوضع في سبها، حيث تشير التقارير أن الجماعات المسلحة تمنع جلسات الاستماع القضائية بشأن أهلية المرشحينمؤكدة أنه "يجب السماح للسلطة القضائية بأداء واجباتها دون أي ترهيب".

ولوّح مجلس الأمن الدولي، الأربعاء 24 نوفمبر 2021، بفرض عقوبات على الأفراد أو الكيانات الذين يهددون السلام أو الاستقرار أو الأمن في ليبيا أو يعرقلون أويقوضون استكمال عملية الانتقال السياسي كعرقلة الانتخابات أو تقويضها.وأكد على أهميّة تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار المبرم في 23 أكتوبر 2020، وما تضمنه من انسحاب جميع القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا دون تأخير.

وتهدد الخلافات بشأن قواعد الانتخابات، وتردي الاوضاع الأمنية، بإخراج العملية الانتخابية عن مسارها ما قد يعيد البلاد الى مربع الصراعات مجددا.وحذر وسيط الأمم المتحدة بشأن ليبيا المنتهية ولايته، يان كوبيش من أن عدم إجراء انتخابات في البلاد قد يؤدي إلى تدهور الوضع بشدة ويقود إلى مزيد من الانقسام والصراع.

وتطرح التطورات على الساحة الليبية مخاوف حول سلامة المرشحين والناخبين ومراكز الاقتراع ولجان الانتخابات،خاصة مع ظهور بوادر العنف ومحاولات الاقصاء في ظل استمرار الفوضى الامنية وانتشار الجماعات المسلحة والخلايا الإرهابية النائمة التي سبق لها أن شنت هجمات على المحاكم ومفوضية الانتخابات في ليبيا.

ولا شك أن إجراء انتخابات حرة نزيهة لم يعد مطلبا داخليا فحسب، وإنما يدفع المجتمع الدولي الى ضرورة المضي نحو الاستحقاق الانتخابي لارساء نظام سياسي معترف به دوليا قادر على الحصول على المساعدات الاقتصادية والسياسية والأمنية، وذلك من خلال ضمان ممارسة العملية الانتخابية، واحترام إرادة الناخبين والقبول بالنتائج لاعادة الاستقرار والامن في البلاد بعد سنوات من الفوضى والعنف.