لا شك أن النظام التركي بات يمثل أحد أبرز الأطراف المؤججة للصراعات والحروب في ليبيا وذلك في مسعى منه لاطالة أمد الفوضى في البلد الغني بالموارد النفطية ما يسهل عليه عمليات نهب هذه الثروات بالاعتماد على حلفائه وخاصة من تيار الاسلام السياسي وعلى رأسه جماعة "الاخوان" التي تسيطر على مقاليد السلطة في طرابلس.

ولذلك يصر أردوغان على الدفع بالمزيد من المرتزقة الى الأراضي الليبية حيث أعلن المرصد السوري لحقوق الإنسان،الخميس الماضي، أن الحكومة التركية نقلت دفعة جديدة من المرتزقة، يبلغ تعدادها نحو 300 مقاتل من فصائل "السلطان مراد وفرقة الحمزة والسلطان سليمان شاه".وذلك يأتي في إطار استمرار عملية نقل "المرتزقة" التي تقوم بها أنقرة من سوريا إلى ليبيا للقتال إلى جانب حكومة الوفاق.

ويسعى النظام التركي منذ أشهر للتحشيد لمعركة سرت والجفرة في محاولة للسيطرة على المدينتين اللتين تمثلان أهمية بالغة في مخطط أنقرة للاستيلاء على الحقول النفطية ونهب الثروات الليبية.ولا يعير النظام التركي أهمية للمخاطر التي يمثلها نقل الآلاف من المقاتلين الى ليبيا خدمة لأطماعه وطموحاته التوسعية.

مخاطر أمنية

يشكل وجود المرتزقة في غرب البلاد الى جانب المليشيات المسلحة خطرا مضاعفا على السكان حيث بات الصدام بين المسلحين أكثر عنفا وشراسة،على غرار الاشتباكات التي شهدتها العاصمة الليبية طرابلس،الشهر الماضي،بين المرتزقة السوريين بسبب خلافات حول عدم دفع رواتبهم، ما خلّف عددا من القتلى والجرحى في صفوفهم،وأكد حينها عضو شعبة الإعلام الحربي التابعة للجيش الليبي عقيلة الصابر، في تدوينة على صفحته الرسمية في"فيسبوك"،سقوط 4 قتلى سوريين في اشتباكات بطرابلس بسبب التأخر في دفع مرتباتهم من قبل حكومة السراج.

ويثير انتشار المرتزقة في طرابلس مخاوف كبيرة مع تزايد وتيرة الجرائم والانتهاكات بحق المدنيين الليبيين.وقد وثقت العديد من الصور والفيديوهات خلال الأشهر الماضية جرائم ارتكبها المرتزقة الموالون لتركيا في مدن الغرب الليبي الى جانب المليشيات شملت الخطف والسرقة وتخريب معالم المدينة الأثرية والتعدي على المال الخاص والعام، وإعدامات ميدانية ضد عناصر الأمن ما يعد وفقا للقوانين الدولية جرائم حرب.

لكن الأخطر من ذلك،هو تصاعد التحذيرات من عودة تنظيم "داعش" الى ليبيا بعد أن نقلت تركيا العديد من الارهابيين اليها.فقد أكد العميد خالد المحجوب، مدير إدارة التوجيه المعنوي بالجيش،في تصريح لقناة "العربية" إن "تنظيم داعش أعاد التقاط أنفاسه في ليبيا وبدأ يستعيد نشاطا لافتا في مدينة صبراتة غربي البلاد".

وأضاف المحجوب،إن "تركيا نقلت حوالي 3000 مرتزق إلى ليبيا من جنسيات مختلفة وخاصة الجنسية التونسية أغلبهم عناصر متطرفة ينتمون لتنظيم داعش، تجمّعوا بعد نهاية الحرب في مدينة صبراتة واستقروا داخلها، وبدأوا نشاطهم".مشيرا إلى أن "استيلاء هذه المجموعات على المدينة يهدد ليبيا كما تونس التي تبعد عن مدينة صبراتة مسافة 100 كم وكذلك أوروبا".

وتأتي تحذيرات المحجوب بالتزامن مع صدور تقرير فرنسي يكشف عن عودة تنظيم "داعش" الإرهابي في مدينة صبراتة غربي ليبيا تحت غطاء ميليشيات طرابلس.وأكد تقرير لإذاعة "آر إف أي" الفرنسية من خلال شهادات نقلها عن السكان، أن التنظيم بدأ في السيطرة على المدينة، مشددا على أن هناك علاقة بين نقل تركيا للمرتزقة السوريين إلى ليبيا وعودة ظهور التنظيم في هذه المناطق.

وسبق أن كشف المرصد السوري لحقوق الإنسان، أن ألاف الحاملين للجنسية التونسية دفعت بهم المخابرات التركية ضمن جحافل العناصر الإرهابية والمرتزقة الذين تدججهم تركيا للقتال في ليبيا.وقال المرصد أن المخابرات التركية عمدت إلى نقل مجموعات جهادية وعناصر في تنظيم "الدولة الإسلامية" من جنسيات أجنبية، من الأراضي السورية نحو الأراضي الليبية على مدار الأشهر القليلة الفائتة.

شكلت مدينة صبراتة التي تبعد 70 كم غرب العاصمة طرابلس، مركزا لتنظيم داعش عام 2016، ومعسكرا رئيسا لتدريب العناصر الإرهابية، قبل أن تتدخل الولايات المتحدة الأميركية بغارة جوية قضت من خلالها على 49 إرهابيا، وحالت من دون وقوع هجوم على تونس كان يعدّه التنظيم الإرهابي.

ومن المؤكد  أن إنتشار عناصر داعش في الغرب الليبي جاء لكون المنطقة تمثل بيئة مناسبة له فى ظل الفوضى الكبيرة التي تشهدها مع انتشار المليشيات والمرتزقة.ويؤكد مراقبون على أن إعادة إنتاج التنظيم الإرهابي فى غرب ليبيا يشكل خطراً كبيرا ليس على ليبيا وحدها، بل سيكون تهديداً إقليماً ودولياً.خاصة في ظل تقارير تتحدث عن انتقال هذه العناصر الى أوروبا عبر موجات الهجرة غير الشرعية.

مخاطر صحية

لا ينتهي خطر المرتزقة الذين ترسلهم تركيا إلى ليبيا بشكل دائم عند الجانب الأمني بل يتجاوزه الى الجانب الصحي في ظل تحذيرات من خطر انتشار وباء "كورونا" في البلاد بسبب هؤلاء المرتزقة.

الصحفية الأمريكية المتخصصة في تغطية الأزمات الإنسانية والصراعات، ليندسي سنيل،أكدت في تغريدة لها على موقع "تويتر" إن المرتزقة السوريين الذين جلبتهم تركيا إلى ليبيا للقتال إلى جانب حكومة الوفاق يساهمون في تفشي وباء كورونا في البلاد.

ونشرت سنيل، تسجيلا صوتيا لعنصر من فيلق "المجد" السوري التابع لتركيا، يتحدث فيه عن تحسن الأوضاع الحياتية بالنسبة لهم في مصراتة، مقارنة مما كانت عليه في عين زارة.وأوضحت سنيل، بأن مصراتة تعد بؤرة تفشي وباء كورونا في ليبيا، مرجحة إلى أن سبب ذلك هو تدفق المرتزقة من تركيا وهم يحملون الفيروس ويعملون على نقله وانتشاره بين الليبيين.

وشهدت ليبيا ارتفاعا مفاجئا في عدد الإصابات المسجلة بفيروس كورونا في يوم واحد، في بلد يعاني من تداعي قطاع الصحة نتيجة الحروب والصراعات المستمرة ما يشل قدرته على احتواء الوباء.وذكرت الإحصاءات الرسمية أن عدد الحالات المصابة بعموم البلاد تجاوز 5 آلاف حالة، بعد تسجيل 200 إصابة جديدة خلال يوم الجمعة الماضي.

وتصدرت مدينة مصراتة الليبية (غرب) قائمة المدن التي تفشى فيها وباء فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19).وقالت اللجنة العليا لإدارة الأزمة في مصراتة: إن المدينة سجلت منحنى تصاعديا خطيرا لانتشار الفيروس.وأضافت أن مصراتة سجلت الأسبوع الماضي 55 إصابة جديدة، بينها حالة واحدة لشخص غير ليبي.

وأكد الدكتور سعد عقوب، وزير الصحة بالحكومة الليبية،أن المرتزقة الذين دفعت بهم تركيا إلى العاصمة طرابلس،سبب في نشر وباء "كوفيد- 19" في البلاد. ونقلت صحيفة "الشرق الأوسط" عن عقوب قوله أن "أغلب المرتزقة الذين استقدمتهم أنقرة جاءوا من مناطق تعرف بكونها ذات تصنيف عالٍ من حيث الإصابات بـ(كورونا)"؛ مشيراً إلى أنه مع "الاحتكاك والتعامل مع الليبيين، انتقل الفيروس من هؤلاء إلى بعض أهل طرابلس ومصراتة الذين نقلوه بدورهم إلى آخرين بمدن أخرى".

وفي يونيو الماضي،عبر مسؤولو منظمة الصحة العالمية عن قلقهم بشأن انتشار سري لفيروس كورونا المستجد في ليبيا، عن طريق المرتزقة السوريين الذين نقلتهم تركيا الى ليبيا.ونقلت صحيفة "الاندبندنت" البريطانية، عن مصادر أممية أنه مع الاختبارات القليلة لكورونا في ليبيا، لا توجد طريقة لقياس الأضرار التي يمكن أن تحدث بدقة، وأشارت إلى أن الجهود المحلية للقضاء على المرض ستقوضها الحركة الدولية المستمرة للقوات العسكرية، ما يطيل ويعمق تفشي الوباء.

ويواجه القطاع الصحي في ليبيا أزمات خانقة، جراء الحرب الأهلية، والانقسام السياسي المتواصل، في البلاد منذ سنوات، حيث تعاني المستشفيات الليبية، من نقص حاد في الأطقم الطبية، والأدوية، والمستلزمات التشغيلية الأساسية، إضافة إلى أن عددا كبيرا من المرافق الصحية أغلقت أبوابها بشكل كامل، بعد تعرضها للاستهداف، أو لكونها تقع في مناطق تشهد معارك مسلحة بين أطراف الصراع الليبي. ويحذر مراقبون من أن هذه الأوضاع تنذر بكارثة إنسانية خطيرة في حالة تفشى الفيروس القاتل في البلاد.