على قدم وساق، تتواصل المساعي على أكثر من جبهة للبحث في حلول للأزمة في ليبيا،التي تعاني منذ العام 2011،من تردي الأوضاع الأمنية وغياب سلطة موحدة وتواصل الإنقسامات والصراعات بين الفصائل السياسية والجماعات المسلحة،ما أدخل البلاد في مشهد مأساوي مكرر.
وبات الملف الليبي،حاضرا بشكل كبير في أروقة السياسة العالمية نظرا لأهميته وتأثيره على الأوضاع الإقليمية والدولية.حيث تسعى عدة أطراف لإيجاد حل سريع للمأزق الليبي وإخراج البلاد من مربع الإنقسامات والعمل على توحيد الصف الليبي بما يخدم مصلحة البلاد عموما.
حملة أممية
إلى ذلك،أطلقت نائبة الممثل الخاص بالشؤون السياسية في ليبيا ستيفاني ويليامز، حملة لتعزيز المصالحة بين الأفرقاء الليبيين. وانطلقت الحملة بدعم من البعثة، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في ليبيا، والمانحين الدوليين إضافة إلى شركة ليبيا سبايس.وتهدف الحملة إلى التركيز على اتفاقيات المصالحة والتماسك الاجتماعي في ليبيا، فضلاً عن التركيز على أهمية الحوار كوسيلة لتحقيق ذلك.
ودعت ويليامز التي أعلنت،الإثنين، بدء حملة "الصلح خير"، إلى مساندة من قبل وسائل الإعلام للعب "دور حيوي في الحد من التحريض والانقسام، وتعزيز الهوية الوطنية والقيم الديمقراطية، ونشر ثقافة المصالحة، والتفاهم واحترام التنوع للنساء والشباب والأقليات والفئات المهمشة".
ونوهت وليامز، إلى هذه الحملة ستساهم على المدى البعيد في رفع مستوى الوعي لدى الليبيين وأهمية التصدي للانتهاكات السابقة، وبالتالي تنفيذ الطريق أمام تطبيق آليات العدالة الانتقالية في المستقبل.وأشارت إلى أن هذه الحملة تهدف أيضا إلى التركيز على أهمية الحوار، واتفاقيات المصالحة المحلية والتماسك الاجتماعي في ليبيا، مؤكدة أن هذه الحملة أمر أساسي لنجاح مشروع المصالحة، إذ من الضروري في عملية المصالحة في ليبيا أن تتجاوز الأبيات الرسمية للتصدي للشواغل الاجتماعية والمجتمعية وتلك المتعلقة بالحرية.
وأعرب مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في ليبيا سلطان حاجيف، عن سعادته كونه جزءًا من الحملة الإعلامية لـ"الصلح خير" حول التوافق الوطني، مع نائبة المبعوث الأممي للشؤون السياسية ستيفاني ويليامز.وأضاف في تغريدة على حسابه الرسمي بموقع "تويتر"، أنه يرجو أن تصل الحملة إلى نسبة كبيرة من الليبيين، فليبيا بحاجة للسلام، وبناء السلام سيحتاج شجاعة، والشعب الليبي شجاع للغاية.
وتمثل مسألة إقرار المصالحة بين الليبيين اهتماماً كبيراً في أجندة عمل البعثة الأممية،التي تبذل جهود كبيرة لتقريب وجهات النظر بين الفرقاء الليبيين للتوصل إلى نقاط اتفاق مشتركة ونزع فتيل الأزمة بين القوى والأطراف السياسية، فى محاولة للدفع نحو تفعيل الحل السياسى للأزمة الليبية بعيدا عن الصراعات الراهنة بين كافة الأجسام الليبية.
تحركات دول الجوار
وتتزامن التحركات الأممية مع أخرى لدول الجوار التي تتحرك دبلوماسيتها في محاولة لإنهاء الأزمة في ليبيا.إلى ذلك بحث وزير الشؤون الخارجية التونسي، خميس الجهيناوي، ووزير الشؤون الخارجية الفرنسي جان إيف لوديان "تطورات الأوضاع في ليبيا، ومدى التقدم المسجل في المسار السياسي، الهادف إلى تهيئة الظروف الملائمة لإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية التي اتفقت مختلف الأطراف الليبية خلال اجتماع باريس المنعقد في مايو/أيار الماضي على إجرائها قبل نهاية السنة الحالية".
وبحسب وزارة الخارجية التونسية، جدد وزير الشؤون الخارجية تأكيد أهمية مواصلة التشاور والتنسيق بين مختلف الدول ذات العلاقة بالملف الليبي، بما يمكن من تجاوز حالة الجمود التي يعرفها المسار السياسي حاليا، ويساعد على بالتعجيل بالتوصل إلى حل سياسي ليبي ليبي تحت رعاية منظمة الأمم المتحدة.
وبدورها،تبدي مصر إهتماما متزايدا بالملف الليبي،وهو ما أكده اللقاء جمع الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي،الأحد،بوزير الخارجية الإيطالي، إينزو ميلانيزي، بحضور نظيره المصري، سامح شكري، ومدير المخابرات المصري، عباس كامل، فضلاً عن السفير الإيطالي بالقاهرة والسكرتيرة العامة لوزارة الخارجية الإيطالية.
وبحسب بيان للرئاسة المصرية،فقد شهد اللقاء التباحث حول عدد من القضايا الإقليمية، خاصة الأزمة الليبية، حيث تم التأكيد على أهمية الاستمرار في دعم جهود التسوية السياسية وكسر الجمود الراهن في الأزمة، فضلاً عن دعم مساعي المبعوث الأممي في هذا الإطار، وأهمية الإعداد الجيد للانتخابات الليبية القادمة وإنجاحها بما يساهم في التعبير عن الإرادة الحقيقية للشعب الليبي واستعادة الاستقرار.
وأشاد وزير الخارجية الإيطالي في هذا الصدد، بحسب البيان المصري، بالجهود التي تبذلها مصر لتوحيد المؤسسة العسكرية الليبية، مؤكداً أهمية تلك الخطوة في تدعيم قدرات الدولة الليبية ومؤسساتها الأمنية وعودة الأمن والاستقرار إلى أراضيها.فيما شدد السيسي على موقف مصر الواضح والثابت تجاه الأزمة الليبية الرامي إلى التمسك بوحدة الأراضي الليبية واحترام إرادة الشعب التي ستنعكس في الانتخابات، ودعم الجيش الوطني النظامي، وهي المبادئ الأساسية التي تشكل الموقف المصري بصفة عامة تجاه مختلف قضايا المنطقة الحالية.
كما أجرى سامح شكري وزير الخارجية المصري مشاورات مكثفة مع ميلانيزي وعقدا مؤتمرا صحافيا مشتركا،أكد خلاله الوزير المصري،أن دور مصر في ليبيا داعم لمسار العملية السياسية وخطة المبعوث الأممي.وأضاف شكري، أن مصر تدعم الجيش الليبي للسيطرة على الأراضي الليبية، وتوحيد المؤسسة العسكرية الليبية للحفاظ على وحدة التراب الليبي وتوفير الأمن والاستقرار في البلاد.
وأشار إلى أن مصر على تواصل مع جميع الأطراف للوصول إلى حل ليبي ليبي بدعم من الأمم المتحدة، مضيفا أن بلاده تدعم الانتخابات في ليبيا للحفاظ على شرعية مؤسسات الدولة، وفق قوله.وفيما يتعلق بالاجتماع الذي تستضيفه إيطاليا بشأن ليبيا قال إن مصر تدعم أي جهود تدعم الأزمة الليبية.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية السفير أحمد أبو زيد، في بيان له،أن اللقاء تناول تطورات الأوضاع في ليبيا نظراً للاهتمام المشترك الذي يوليه الجانبان للشأن الليبي، حيث استعرض الوزير شكري رؤية مصر تجاه الأزمة الليبية والجهود التي تبذلها لتحقيق الاستقرار.وأشار إلى أن صيغة التعاون مع إيطاليا تعيد بناء مؤسسات الدولة الليبية، وتعالج الخلل القائم في توزيع الموارد بين المناطق الليبية المختلفة، وتتيح إجراء الانتخابات النيابية والرئاسية في أقرب فرصة.
وقال إن "مصر تتعامل مع قضية اللاجئين في المنطقة من منظور إنساني و ترفض أي حلول قائمة على إيداع المهاجرين واللاجئين في معسكرات أو مراكز تجميع وعزلهم عن المجتمع".وكان الوزير الإيطالي أعلن قبل أيام أنه سينظم مؤتمرًا لبحث سُبل تحقيق الاستقرار في ليبيا، التي تعد مركزًا رئيسيًا للهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، عبر البحر المتوسط.
أزمة الهجرة
يأتي ذلك،في وقت أظهرت فيه إحصاءات أعلنتها "المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون للاجئين" زيادة معدلات إنقاذ المهاجرين قبالة السواحل الليبية.وقالت المفوضية إن "عدد المهاجرين الذي ينقذهم خفر السواحل الليبي قبالة سواحل ليبيا شهد زيادة بنسبة 42.7 خلال العام الحالي مقارنة بالعام 2017.
وأشارت إلى أن خفر السواحل "انتشل جثث 100 مهاجر كانوا في طريقهم إلى أوروبا خلال العام الحالي، مقارنة بنحو 400 خلال الفترة نفسها العام الماضي، فيما اعترضت القوات نفسها أو أنقذت 12633 مهاجراً في البحر المتوسط قبالة السواحل الليبية منذ بداية 2018 وحتى أواخر يوليو (تموز) الماضي.
وأفادت المنظمة بأن "الجنسيات الأكثر حضوراً بين من يتم إنقاذهم خلال عمليات الهجرة، تعود لأشخاص من نيجيريا والسودان وإريتريا ومالي وكوت ديفوار وغينيا والصومال والسنغال وغانا والكاميرون".
وفي تطور جديد،أعلنت عمليات البحث والإنقاذ بسفينة الإنقاذ "أكواريوس"، أنّ السفينة ستضطلع بمهام الإنقاذ دون المثول لأوامر خفر السواحل الليبي، ولن تعيد أشخاصا إلى ليبيا.وقال رئيس عمليات البحث والإنقاذ،نيك رومانيوك لشبكة "يورو نيوز" الإخبارية، إنهم ملتزمون بالقانون البحري الدولي، وسيتولون "إنقاذ السفن التي نعتقد أنها في محنة، خصوصاً مع وجود احتمال شديد لوفاة بعض الركاب".
وأكد رومانيوك أن عمليات الإنقاذ في "أكورايوس" لن تتولى "إعادة مهاجرين إلى ليبيا لأنها مكان غير آمن".وسبق وأن انتظرت سفينة أكواريوس أوامر من السلطات المسؤولة قبل المضي قدما في إنقاذ المهاجرين الذين يرغبون في الوصول إلى إيطاليا عبر البوابة الليبية، لكن إيطاليا شددت موقفها منذ تولي الحكومة الجديدة، التي تضم حزب الرابطة المناهض للمهاجرين، السلطة في وقت سابق من هذه السنة.
ويأتي الجدل المصاحب لعمليات الإنقاذ للمهاجرين، مواكباً لبدء مجلس النواب الإيطالي، أمس، التصويت على "المرسوم الحكومي الخاص بمنح زوارق دوريات بحرية إلى ليبيا للتحكم في تدفقات المهاجرين أمام سواحلها، وذلك بعد أن حظي بموافقة مجلس الشيوخ في وقت سابق وبأغلبية كبيرة".