اصدر الإعلامي   والمستشار الأول السابق برئاسة الجمهورية محمد مهدي حطاب كتابا حول ما رصده طيلة فترة عمله  التي امتدت على أكثر من عقد من الزمن مع الرئيس الأسبق لتونس الزعيم الحبيب بورقيبة عنونه ب " مع بورقيبة ذكريات صحفي في قصر قرطاج " وأراد من خلاله اطلاع القراء على أحداث ووقائع تبرز مواقف الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة من بعض المسائل والقضايا السياسية والاجتماعية والدينية والثقافية والإعلامية ، وهي مواقف غلب عليها جانب الطرافة وتجلت من خلال أحاديث وخواطر لبورقيبة في مناسبات خاصة استمع إليها الفريق الإعلامي بالقصر الرئاسي ورواها المؤلف ببساطتها وعفويتها مبتعدا عن كل ما هو رسمي وأكاديمي .

 

كان يبغض الإسلاميين وسعى الى القضاء عليهم

ويقول مهدي حطاب إن دوافع كتابة هذا الكتاب ونشر مواقف بورقيبة تأتي على خلفية " ما اتسمت به الكتابات الصادرة حول بورقيبة من مبالغة أحيانا في الإشادة بخصاله ومناقبه وتقديمه في صورة مشرقة للرجل الكامل دون أدنى عيب ،أو تلك التي قدمته في المقابل في صورة الرجل الظالم المستبد الحامل لراية القهر والتغريب دون أدنى حسنة ، علاوة على بعض الشهادات التي جانبت الحقيقة ، ومنها شهادة أحد الأطباء الذين رافقوا بورقيبة طوال فترة رئاسته لتونس الى يوم إزاحته عن الحكم بالادعاء أن بورقيبة لم يحقد يوما على الإسلاميين ولم يسع الى القضاء على زعمائهم ، وإنما هي كما قال ، مسرحية حبك فصولها الرئيس السابق زين العابدين بن علي ، والحال أن بورقيبة كان بالفعل يبغض ويمقت قادة الاتجاه الإسلامي ( النهضة اليوم ) ويعتبر حركتهم من أخطر ما يمكن أن يهدد أركان الدولة ويقضي على مستقبل البلاد والأمة ، لذلك سعى الى القضاء عليهم ورغب في إعدام أكبر عدد منهم "

 

مفهوم خاص للديمقراطية

يروي الكاتب أن بورقيبة كان يستهزئ بكلمة الديمقراطية ويرفضها خاصة عندما تكون في غير محلها رغم انه كان متشبعا بالثقافة والحضارة الغربيتين .

وكان بورقيبة يعتقد أن بناء الدولة الوطنية ما بعد الاستقلال يتطلب وقتا طويلا قبل الدخول في الديمقراطية ، وقد عبر عن هذا الموقف في خطاب شهير له  في يونيو 1973 أمام الدورة 58 للمؤتمر العالمي للشغل في جينيف حين قال :"الديمقراطية هي المرحلة النهائية لتطور أي مجتمع وهي لا تعطى في البداية بل تأتي بشكل طبيعي عندما تكوم كل الظروف المهيئة لذلك مجتمعة وهي دولة عصرية يحترمها سكانها وأمة تشكل مجموعة متجانسة ومتضامنة وشعب وصل درجة معينة من التعليم والمستوى بشكل يسمح له بتقبل الديمقراطية كضرورة ووسيلة عمل وتقدم ومظهر من مظاهر النضج وليس كترف لا يدري ماذا يفعل به "

 

بورقيبة واللغة العربية

وأورد المؤلف أن بورقيبة كان يجيد اللغة العربية ، ويحفظ الشعر العربي القديم ولا سيما شعر ابي فراس الحمداني و أبي الطيب المتنبي . وكان يستعمل عبارات جميلة وأمثلة عربية وآيات قرآنية لتنميق خطاباته الارتجالية وشد انتباه السامع مما جعل منه خطيبا له تأثيره على الجماهير الشعبية .

ومن هذا المنطلق كان بورقيبة شديد المتابعة لمدى إتقان وزرائه للغة العربية كوسيلة اتصال بالجماهير ، ويورد الكاتب أن بورقيبة توجه مرة باللوم الى وزير الخارجية حسان بالخوجة لعدم قدرته على الخطابة بلغة عربية سليمة واستعماله للغة هجينة من العامية التونسية و الفرنسية قائلا له " انك الشخصية الثالثة في الدولة ولا تحسن الكلام باللغة العربية "

ويوضح المؤلف أن هذه الواقعة لا تدل على حب بورقيبة للغة العربية بل لتأكيد وظيفتها كوسيلة اتصال جماهيري ، مستدلا على رأيه بأن الرئيس الأسبق أقال وزيره الأول في الثمانينات محمد مزالي وقال له " أقلتك لأنك بالغت في التعريب حيث وصل بك الأمر الى حد تعريب السنوات الثلاث الأولى في التعليم الابتدائي دون استشارتي ، وهو ما لا يمكن أن أغفره لك "

 

الدفاع عن عقوبة الإعدام

أورد مهدي حطاب أن بورقيبة كان من اشد المدافعين هن عقوبة الإعدام ن وانه كلما تقدم إليه محام بطلب للعفو على منوب له محكوم بالإعدام إلا وأجابه بالرفض البات ويقوله " كيف تريدني أن أعفو عن شخص قتل شخصا آخر وقد يتمتع بعد سنوات بعفو وتضعه الصدف أمام ذوي المقتول فسوف أكون أنا محل لومهم و ليس القاتل "

وذكر الكاتب كيف أن بورقيبة رفض العفو عن المحكومين بالإعدام في قضية المجموعة المسلحة التي هاجمت مدينة قفصة والتي قدمت من ليبيا سنة 1980 رغم طلب الزعيم الراحل ياسر عرفات الذي حل عشية تنفيذ الحكم طالبا العفو عنهم لكن بورقيبة تمسك بموقفه وتم تنفيذ الإعدام بعد ساعات من لقاء عرفات

بورقيبة ، حسب المؤلف رفض العفو عن شاب من مدينة قابس ، جنوب شرق العاصمة ،تم الحكم بإعدامه بعد اغتصابه لسائحة بلجيكية رغم احتجاجات أهل المدينة ورغم تدخل وزير الداخلية وقتها زين العابدين بن علي لإنقاذ الشاب .

المرة الأولى التي أصدر فيها بورقيبة عفوا عن محكومين بالإعدام كانت عقب ثورة الخبز التي جدت في يناير 1984 ،  لما عفا عن عدد من الشبان الذين شاركوا في الثورة بعد استقباله لأمهاتهم في القصر بتنسيق من زوجته وسيلة بورقيبة .

 

القائد الشجاع

وروى الكاتب في فصل من كتابه شجاعة القائد وقال انه كان قائدا شجاعا لا يخشى التهديدات ويواجه المواقف الخطيرة بحكمة وثبات وعدم خذلان ، مستدلا على ذلك بأن بورقيبة كان أيام الاعتداء على مدينة قفصة سنة 1980 موجودا بفندق بمدينة نفطة ، جنوب غرب تونس ، وغير بعيد عن مسرح العملية ، وانه رفض طلب زوجته وسيلة بورقيبة وبعض المسؤولين لمغادرة المنطقة و العودة الى قصر قرطاج لكنه رفض ذلك قائلا انه لن يغادر المدينة الا بعد القضاء على الانتفاضة التي وصفها بالأعمال الإجرامية ، وهو ما تم فعلا .

 

بورقيبة وحبه لوسيلة

أفرد المؤلف فصلا كاملا عن حب بورقيبة لوسيلة بن عمار التي تزوجها بعد أن طلقها من زوجها الفلاح بعد أن أحبها من أول نظرة كما كان يقول .

وحسب الكاتب فقد " ظلت علاقة بورقيبة بوسيلة علاقة حب جارف حتى بعد 20 سنة من الزواج" و أورد المؤلف أن بورقيبة وكلما التقى زوجته وهو في طريقه الى مكتبه الرئاسي في القصر أو بعد انقضاء فترة قيلولته الا وبادرها بالتقبيل وقام بمداعبتها حتى أمام الحاشية الى درجة انه تمادى ذات مرة في مداعبتها ولمسها على مرأى ومسمع من الخدم والحجاب و الأعوان و الصحافيين ولما تحرجت وطالبته بالكف عن ذلك أجابها قائلا " إنهم أبنائي ولا حرج لي أمامهم .

وتحدث الكاتب عن الدور الذي لعبته ابنة شقيقته سعيدة ساسي لإبعاد وسيلة عنه بعد أن أفلحت في تأليبه عليها بالوشاية وغيرها الى أن طلقها سنة 1986 .

وكان الطلاق ، يقول الكاتب " آخر قصة حب جارف بين امرأة أمية استطاعت بجمالها وأناقتها وذكائها الحاد أن تأسر قلب رجل دولة استثنائي وتفتن زعيما وطنيا ارتقى بحكمته وعبقريته الى مصاف السياسيين العمالقة في التاريخ المعاصر.