شهد أفراد الأقلية المسلمة في إيطاليا كغيرهم تسجيل العديد من الوفيات في صفوفهم جراء «كورونا» الذي ضرب البلد المتوسطي بشدّة.
لكن ألمهم تضاعف جرّاء عدم توافر مساحة تكفي لدفن موتاهم.
ويدعو الأئمة وقادة الجالية المسلمة حالياً لإقامة المزيد من المقابر الإسلامية أو تخصيص مساحة إضافية لهم في مقابر البلاد إذ يوصي عدد متزايد منهم بدفنهم في إيطاليا.
وقال إمام مسجد «ميلانو سيستو» عبدالله تشينا «اختبرنا الألم (الناجم عن الوباء)، لكنه تعمّق أحياناً عندما لم تجد بعض العائلات مكاناً تدفن فيه موتاها لعدم وجود أقسام مخصصة للمسلمين في مقابر المدن».
ولم يكن بالإمكان إعادة المسلمين الذين توفّوا بكورونا أو غيره من الأسباب إلى بلدانهم الأصلية، كما كان الحال في الماضي. وتسبب ذلك بارتفاع عدد طلبات الدفن وبالتالي اكتشاف أن لا مكان لهم في مقابر إيطاليا.
يبلغ عدد المسلمين في إيطاليا نحو 2,6 مليون أي ما يعادل 4,3 في المئة من سكان البلاد. ولا توجد إحصاءات رسمية بشأن عدد المسلمين، سواء الإيطاليين أو الأجانب، الذين توفوا خلال فترة تفشي الوباء.
وفي مقبرة بروزانو في ضواحي ميلانو، يحدّق مصطفى مولاي (في الخمسينيات من عمره) في قبر ترابي في القسم المخصص للمسلمين ضمن المقبرة الكاثوليكية.
ويتحدث عن وفاة زوجته (55 عاماً) في السابع من أبريل قائلاً «إنها مشيئة الله».
ويقول مولاي المولود في المغرب والذي يعيش في إيطاليا منذ 32 عاما إن زوجته أصيبت بالفيروس في مستشفى بميلانو أدخلت إليه قبل شهر على ذلك لإجراء عملية صغيرة في ساقها.
ولا يوجد شاهد على القبر الذي وضعت حصوات على شكل مستطيل حوله لتحديده.
وتبدو القبور الأحدث أفقر بشكل لافت مقارنة بتلك التي دفن فيها من توفوا قبل الفيروس والتي تبدو دائمة بوجود حدود من الإسمنت ولوح رخامي في بعض الأحيان حفر عليه هلال.
لكن العديد من مسلمي إيطاليا اضطروا لقطع مسافات كبيرة لدفن موتاهم أو ترك الجثث لأيام في المشارح أو حتى في المنازل بحثاً عن مكان لدفنها.
وكانت قضية حراء إبراهيم، المرأة المقدونية في بيزونيه قرب مدينة بريشا شمالاً والتي توفيت والدتها بالفيروس، بين أكثر الحالات صعوبة في هذا الصدد.
وبحسب صحيفة «لا ريبوبليكا»، اضطرت هذه المرأة لإبقاء جثة والدتها في المنزل لأكثر من عشرة أيام لعدم وجود مقبرة للمسلمين في منطقتها.
وذكرت الصحيفة أن أعداداً لا تحصى من العائلات المسلمة وجدت نفسها في مأزق مأساوي مشابه خلال الأزمة.
وقال الإمام تشينا إن المشكلة مستمرة حتى بعد انحسار موجات الوفيات الأكبر بالفيروس.
وأوضح أنه تم نقل جثة مسلم توفي في ميلانو الأسبوع الماضي إلى منطقة على بعد نحو 50 كلم لدفنها.
وشكر تشينا رؤساء المجالس البلدية الذين «فتحوا مقابرهم (الكاثوليكية) خلال الأزمة لضمان (حصول الموتى المسلمين) على دفن لائق».
وقال رئيس المركز الإسلامي في ميلانو أبوبكر قدودة إن بعض العائلات في بريشا وبيرغامو (المنطقتان الأكثر تأثّرا بالفيروس في البلاد) اضطرّت للانتظار «لوقت طويل للغاية» لدفن موتاها.
وأضاف «لم نفكّر في المسافة. توجّهنا إلى أول بلدة وافقت على استقبال الجثث.
كان همّنا الأول قبل أي شيء العثور على مكان» لدفنهم.
ويعدّد اتحاد الجالية الإسلامية في إيطاليا 76 مقبرة في البلد الذي يضم نحو 8 آلاف بلدية.
وبُنيت أقدم هذه المقابر عام 1856 في مدينة ترييستي في شمال شرقي البلاد بينما تعود تلك المقامة في روما إلى العام 1974.
وبموجب القانون الإيطالي، بإمكان المقابر أن تخصص «أقساماً خاصة ومنفصلة» لغير الكاثوليك لكنها غير مجبرة على ذلك.
وأقر قدودة بأن الحكومة كانت متعاونة في هذا الصدد، لكنه دعا إلى المزيد من «الإرادة السياسية» لإتاحة مساحات إضافية لدفن المسلمين.
وأفاد «بعد الوباء، ردت 150 بلدية بشكل إيجابي على طلباتنا» توفير قسم للمسلمين في مقابرها.
وقال «كان لدينا صندوق للدفع لإعادة الجثث إلى بلدان أصحابها الأصلية، لكن الوضع تغيّر».
وأضاف «لا يزال بعض كبار السن يرغبون بأن يتم دفنهم في بلدانهم الأصلية.
لكن لدى العديد منهم أبناء وأحفاد في إيطاليا وباتوا يفضلون أن يدفنوا هنا».
وتابع أن المسلمين الأصغر سناً بدورهم «يريدون بأن يتم دفنهم في إيطاليا لأنهم إيطاليون».