تتجه الأنظار نحو مدينة بوزنيقة جنوبي العاصمة المغربية الرباط،التي تحتضن مشاورات بين وفدي مجلس النواب الليبي والمجلس الأعلى للدولة، التي تأتي في اطار المساعي الحثيثة من أجل التوصل الى تسوية سياسية تنهي حالة التوتر والصراعات والانقسامات التي تشهدها الساحة الليبية منذ سنوات وتفتح الباب أمام إعادة بناء البلد النفطي واستعادة استقراره وأمنه.
وانطلقت المشاورات الليبية ،منذ الأحد، باشراف من المغرب على الحوار الذي يجمع ممثلين عن مجلس النواب الليبي والمجلس الأعلى للدولة، وقرر وفدا طرفا النزاع الليبي مساء الاثنين، تمديد جلسات الحوار، بمدينة بوزنيقة جنوبي العاصمة المغربية الرباط ليومين على أقصى تقدير وذلك بسبب تباين الرؤى حول الاتفاق السياسي المرتقب.
واختتمت مشاورات الإثنين بين الطرفين، دون الإعلان عن تفاصيل، لكن عبد السلام الصفراوي، رئيس وفد المجلس الأعلى للدولة،أكد في تصريح مقتضب أمام وسائل الإعلام، "إن مشاورات بوزنيقة جد إيجابية وتتسم بالهدوء". وأضاف الصفراوي أن "الفرقاء قد يتوصلون إلى تفاهمات جديّة"، مشيرا إلى أن جلسة الحوار الثانية والتي انعقدت طيلة يوم الإثنين ركزت بشكل كبير على الهيئات الرقابية في ليبيا، والأسماء المقترحة لقيادتها''.
وتسعى مشاورات بوزنيقة إلى التوصل إلى حلّ يرضي الأطراف كافة، انطلاقا من تثبيت وقف إطلاق النار وصولا إلى حل سياسي يقنع الفرقاء، وكسر حالة الجمود التي امتدت لشهور لتحقيق الاستقرار بليبيا. وبدت أجواء التفاؤل واضحة من خلال الترحيب المتواصل بهذا الاجتماع الأول الذي يضم مختلف الأطراف الليبية منذ عدة أشهر.
وأشادت منظمة الأمم المتحدة، ومعها جامعة الدول العربية، بالإضافة إلى دول عربية وأجنبية بالجهود المغربية الرامية لإيجاد حل سلمي للنزاع الليبي. وقال ستيفان دوجاريك، المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، إن المغرب برهن على التزامه الراسخ بإيجاد حل للأزمة الليبية إلى جانب الأمم المتحدة، وهو ما أكده سابقاً عبر اتفاق الصخيرات الموقع عام 2015
وأوضح المتحدث، في تصريح وزعته الأمم المتحدة، الإثنين،أن الرباط لعبت دوراً بناء منذ بداية الأزمة الليبية، كما ساهمت في الجهود الأممية الرامية إلى التوصل لحل سلمي للنزاع هناك. وعبر عن اقتناعه بالأثر الإيجابي للمبادرة المغربية الأخيرة، والمتمثلة في حوار بوزنيقة، وتأثيرها الإيجابي على تيسير الأمم المتحدة للحوار السياسي الذي يجريه ويقوده الليبيون.
ومن جانبها،ثمنت جامعة الدول العربية مسار حوار بوزنيقة، مؤكدة متابعتها له، وداعية في نفس الوقت طرفي المفاوضات إلى مواصلة الانخراط، وبحسن نية، في كافة هذه المجهودات للوصول إلى حل وطني ومتكامل للأزمة الليبية على مساراتها الأمنية والسياسية والاقتصادية. ودعا مصدر مسؤول بالأمانة العامة للجامعة كافة الأطراف الليبية إلى مواصلة الانخراط، وبحسن نية، في كافة هذه المجهودات للوصول إلى حل وطني ومتكامل للأزمة الليبية على مساراتها الأمنية والسياسية والاقتصادية، وتحت رعاية الأمم المتحدة، وبما يفضي إلى التوافق على استكمال المرحلة الانتقالية التي تمر بها البلاد وتتوجها بانتخابات تشريعية ورئاسية يرتضي الجميع بنتائجها.
وفي سياق متصل،رحب الممثل الأعلى للأمن والسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، بمبادرة المغرب مشيرا الى أنها تأتي في الوقت المناسب وتصب في مسار جهود الأمم المتحدة لحل النزاع في ليبيا. وأضاف المسؤول الأوروبي ،الثلاثاء في تغريدة له على موقع التواصل الاجتماعي تويتر، "يبدو تصميم الأطراف المعنية على البحث عن حل سياسي للنزاع أمراً مشجعاً". بحسب وكالة آكي.
وبالرغم مما يثيره هذا الدعم الدولي من أجواء ايجابية حول مشاورات المغرب ،فان مخاوف بفشله تبقى قائمة خاصة مع تواصل التدخلات التركية في الشأن الليبي والتي تهدد باجهاض أي محاولة للوصول الى تسوية في البلاد.
وفي هذا السياق نقل موقع "ارم نيوز" الاخباري عن المحلل السياسي بدر الدين الشعافي، أن "النفوذ التركي لا يزال يعمل بقوة حتى أثناء اجتماعات مدينة بوزنيقة المغربية، فهي أحدثت تعثرا في المفاوضات بالمغرب، بعد استقبالها محافظ مصرف ليبيا المركزي الصديق الكبير". وأضاف الشعافي "اجتماع الصديق الكبير بمسؤولين أتراك أثناء عقد اجتماعات بوزنيقة، أحدثت خلافات مباشرة بعد وصول تعليمات لوفد مجلس الدولة، بتأجيل نقاش نقطة تغيير محافظ المصرف المركزي".
من جانبه،وصف مدير التوجيه المعنوي في الجيش الوطني الليبي اللواء خالد المحجوب المشاورات الجارية في مدينة بوزنيقة المغربية بين أعضاء من مجلس النواب والمجلس الأعلى بأنها "لقاء بين الضحية والجلاد". وأكد المحجوب، في منشور عبر صفحته على موقع فيسبوك:أن "المشكلة أبدًا ليست في الاتفاقيات، فبنود اتفاق الصخيرات براقة، ولكن تم التلاعب في أساسياته، فلم يتم الحصول على شرعية للحكومة، ولم يتم تفكيك الميليشيات التي هي جوهر القضية، والتي تمنع الاستقرار وإقامة دولة المؤسسات، وتمنع الأمن".
أشار المحجوب الى أن"حجم المشكلة زاد اليوم بالمرتزقة والغزاة وعقد اتفاقيات بيع الوطن، والتفريط في سيادته من قواعد وموانئ وأرصدة الذهب، هذا في الصخيرات الأولى فما الذي بقي من الوطن في ظل التآمر والوقوف ضد جيش يحمي سيادته ويذود عنه". مضيفا أن"الجيش لن يترك الوطن حتى النصر. المناضلون لا يستسلمون والقائد العام لم يبدأ رحلة البناء والتحرير والقضاء على الإرهاب ليترك المجال لعودته".
وتأتي مشاورات بوزنيقة المغربية بين الفرقاء الليبيين بعد التوصل لوقف اطلاق النار الذي قوبل بترحيب ودعم اقليمي ودولي واسع وسط دعوات للبناء عليه من أجل العودة لطاولة الحوار وانهاء الصراعات في البلاد. ويرى مراقبون أن الفرصة سانحة للفرقاء لايجاد الطريق نحو اقرار السلام في البلاد لكنهم يؤكدون أن هذا الوصول الى ذلك يستدعي وقفة دولية حازمة تجاه الانتهاكات التركية التي تهدد بافشال جهود التسوية واعادة الأزمة الى مربع الصفر.