الضربات الموجعة التي وجهها الجيش المصريّ للإرهابيين بسيناء، اظطرّتهم لتحويل ساحة الصراع وفتح جبهتين جديدتين؛ واحدة غربية وأخرى جنوبية بغاية تشتيت القوى وضرب أمن مصر واستقرارها، غير أنّ تأكيدات الخبراء تفيد بأنّ الجيش جاهز منذ البداية لمثل هذه الخطوات.

دخلت مصر مرحلة جديدة بعد اكتمال الاستحقاق الثاني لخارطة الطريق ونجاح الانتخابات الرئاسية، لكن لا يزال الرئيس الجديد عبدالفتاح السيسي يواجه جملة من التحديات على الحدود، خاصة بعد انتشار جماعات العنف المسلح والدور الخطير الذي تلعبه بعض التيارات الدينية، ونجاحها في السيطرة على أجزاء في بعض دول الجوار، وأبرزها السودان وليبيا، فضلا عن قطاع غزة.

وجاءت عملية واحة الفرافرة بالقرب من الحدود مع ليبيا، التي راح ضحيتها 22 مجندا وضابطا مصريا أخيرا، لتكشف عن عمق المخاطر على هذه الجبهة، بعد أن سبقها تسخين مستمر في شبه جزيرة سيناء منذ فترة. تمكنت حتى الآن قوات الجيش من تكبيد العناصر المتطرفة خسائر باهظة، لذلك يدور حديث عن نقل المعركة لصحراء مصر الغربية.

اللواء سامح سيف اليزل، رئيس مركز الجمهورية للدراسات الاستراتيجية، أوضح لـ “العرب” أنّ تضييق القوات المسلحة الخناق على الإرهابيين في سيناء هو سبب التحول الجغرافي للعمليات الإرهابية في الوصول إلى المناطق النائية التي لم تصل لها يد الإرهاب من قبل، مؤكدا أن وقوع عمليات إرهابية بالمنطقة الغربية على الحدود المصرية الليبية يرجع لقدرة القوات المسلحة على تطويق يد الإرهاب في سيناء.

وأضاف الخبير الاستراتيجي المصري أن الإرهاب يستهدف الكمائن والوحدات المنعزلة، فضلا عن تلقى التعليمات من جماعة الإخوان المسلمين في الخارج وقيادات الصف الرابع في الداخل، مشيرا إلى أن كل هذه الأسباب أدت إلى إحداث نقلة نوعية ضد الأهداف التي يقصدها الإرهابيون.

 

تحذير مبكر

وحذر سيف اليزل من وجود “داعش” داخل ليبيا، والجماعات المسلحة بالسودان، لأن ذلك سيكون ضد مصالح الأمن القومي المصري، مضيفا بالقول: "إذا قويت داعش في ليبيا سوف تشكل خطرا على مصر، كما أن عدم الاستقرار الأمني في كل من ليبيا والسودان سوف يكون له مردود سلبي على الحالة الأمنية داخل مصر".

وأكد أنّ القوات المسلحة المصرية قادرة تماما على السيطرة على الحدود من كافة الاتجاهات، ومواجهة الإرهاب بشتى صوره، مشيرا إلى أن مراكز الدراسات العسكرية الدولية المحايدة أعلنت مؤخرا أنّ القوات المسلحة المصرية تأتي في المرتبة رقم 13 على مستوى العالم في القدرة والكفاء القتالية.

وحول التنظيمات الإرهابية القريبة من الحدود مع كل من ليبيا والسودان، قال الخبير العسكري، أن عمليات التهريب للسلاح والمخدرات بين الحدود مليئة بالعصابات المسلحة والجماعات الإسلامية المتشددة، وهو ما يشكل خطرا كبيرا على الحدود المصرية، ويجعلها بحاجة لمراقبة مستمرة لصد أي هجمات من شأنها زعزعة الأمن في مصر.

وقد شكلت التوترات السياسية داخل كل من، ليبيا والسودان وغزة سببا رئيسيا في وقوع بعض العمليات الإرهابية في مصر، بشكل ضاعف من صعوبة الموقف أمام القوات المسلحة لحماية الأراضي المصرية.

 

مصر كيان كبير

في ذات السياق، قال، محمد قدري سعيد، رئيس وحدة الدراسات الأمنية بمركز الدراسات الاستراتيجية والسياسية بصحيفة الأهرام، لـ “العرب” إنّ العمليات الإرهابية تتهدّد المواطن المصري كل يوم داخل القاهرة وخارجها، موضحا أن الأمر أوسع من كونها عملية هجوم مسلحة تقع على الحدود المصرية وتقتل عددا من الجنود، لكن المسألة أنها اخترقت منذ ثورة 25 يناير 2011 من قبل عناصر متشددة، تمثل حركات إرهابية مختلفة كتنظيم القاعدة، وســـرايا القدس وغــيرهما.

وأرجع قدري سعيد وجود حالة التوتر على الحدود المصرية الليبية والمصرية السودانية، إلى أن ما تريده الجماعات الإرهابية من مصر. فهي بالنسبة لهم كيان كبير لابد من فرض سيطرتهم عليه، باعتباره جزءا من حلم الخلافة الزائف الذي تسير خلفه هذه الجماعات .

وأوضح رئيس وحدة الدراسات الأمنية، أن هناك اتجاها متطرفا داخل مصر، لكنه ضعيف وعلى الحكومة المصرية أن تنظر له وتراقبه ولا تسمح له أن يتزايد، ومن الضرورى توحيد القوى في ذلك، عبر الجانب السياسى، من قبل حكومات الدول الثلاث، وأيضا العمليات العسكرية من قبل الجيش لتمشيط الحدود المصرية.

 

الجيش المصري مستعد

وحول وصف الحدود المصرية من الجانبين الغربي والجنوبي بأنها هشة ومن السهل اختراقها، واستخدام عدد كبير من مهربي الأسلحة لها، ما تسبب في غمر مصر بالأسلحة المهربة من ليبيا، أوضح عبدالمنعم كاطو الخبير العسكري، والمقرب حاليا من المؤسسة العسكرية المصرية، في تصريح لـ“العرب” أن من يصف الحدود المصرية بأنها هشة ومخترقة يريد زعزعة الأمن القومي، قائلا "هذا كلام عار تماما من الصحة والجيش كان يعلم أن كل المصائب ستأتي من الجبهة الغربية والجنوبية، مع ليبيا والسودان، والجيش مستعد لمواجهتهم جيدا".

وأشار كاطو إلى أن القوات المسلحة تعلم جيدا أن الجبهتين الغربية والجنوبية هما بمثابة ملاذ للإرهاب، بعد أن فرض الجيش سيطرته على سيناء، والتي سوف تتزايد نسبة الأمن فيها بعد انتهاء أزمة غزة، مشيرا إلى أنّ ليبيا يتم فيها حاليا إعداد تنظيم جديد يدعى "دالم".

وأكد أن القوات المسلحة تعي وتعرف تماما ما يحدث ومستعدة لمجابهة ذلك الخــطر.

وأوضح أن تركيز القوات المسلحة الأيام القادمة سيكون في الجبهتين الغربية والجنوبية، لأن ليبيا أصبحت دول فاشلة يتحكم فيها إرهابيون من كل لون، ومقاومة اللواء خليفة حفتر لهم محدودة، لأنها قسمت البلاد لثلاث دول هي “طرابلس- برقة- فزان”، وأخطرهم برقة وهي ملاصقة للحدود المصرية، وتجمع تكفيريين من مصر وليبيا وسوريا واليمن.

وحول التوتر في الحدود مع الجبهة الجنوبية في السودان، قال كاطو "للأسف دولة السودان الشقيقة تحتوى معسكرات إرهابية على حدودنا منها، تنظيم القاعدة والتكفيريين، وللأسف الخرطوم تحميهم، لأنها تسير على درب نظام حكم الإخوان المسلمين، ورغم زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسي ولقائه بالرئيس عمر البشير، إلا أن هذه المعسكرات ما تزال قائمة".

وأوضح الخبير الاستراتيجي، أن الإرهاب لن ينتهى بالتحركات الأمنية فقط، لكن لابد من قرارات سياسية من قبل الحكومات، على رأسها سرعة الحكم على قيادات الإخوان المسلمين للتخلص من الإرهاب الداخلي، والتركيز مع الجيل الثالث والرابع لهم داخل مصر، موضحا أنهم الخلايا النائمة لجماعة الإخوان المسلمين، ولابد من التضييق عليهم وخنقهم لتجنب مخاطرهم المستقبلية.