يبدأ الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، اليوم الاثنين، زيارته الإفريقية، التي تستغرق يومين، إلى السودان وإثيوبيا، والتي تهدف إلى تطوير وتعزيز العلاقات الثنائية مع الدولتين، وبحث أبرز القضايا محل الاهتمام المشترك، ومناقشة عدد من القضايا الإقليمية والدولية على رأسها الأوضاع في سوريا والعراق وليبيا واليمن وفلسطين، حسب وكالة أنباء الشرق الأوسط.

ومن المقرر أن يلتقي الرئيس السيسي، في العاصمة السودانية الخرطوم، الرئيس السوداني عمر البشير، لبحث سبل تعزيز وتطوير العلاقات الثنائية ومناقشة القضايا الإقليمية والدولية، كما ستشهد الخرطوم قمة ثلاثية لرؤساء مصر والسودان وإثيوبيا، للتوقيع على اتفاقية سد النهضة الإثيوبي، والدفع بالتعاون والعمل المشترك وفق تبادل المنافع دون ضرر، ويعتبر ذلك ومؤشرًا إيجابيًا للعمل المشترك بين دول حوض النيل.

وبعد انتهاء زيارته للسودان، سينطلق الرئيس السيسي للعاصمة الإثيوبية أديس أبابا، في زيارة، تستمر يومين، يلتقي خلالها رئيس الوزراء الإثيوبي، هيلا مريام ديسالين، وعدد من كبار المسؤولين ورجال الأعمال الإثيوبيين.

ويبحث السيسي مع رئيس وزراء إثيوبيا سبل تطوير العلاقات الثنائية وعددًا من القضايا الإفريقية والإقليمية، ذات الاهتمام المشترك، وعلى رأسها ملف مياه النيل، ومن المقرر أن يلقي الرئيس خطابًا أمام البرلمان الإثيوبي، يتحدث فيه عن العلاقات المصرية الإثيوبية والتحديات التي تواجه دول المنطقة في التنمية، ويؤكد ضرورة التعاون بين القاهرة وأديس أبابا لتحقيق تطلعات الشعبين المصري والإثيوبي.

وتعتبر "وثيقة المبادئ"، التي سيوقع عليها رؤساء مصر والسودان وإثيوبيا هي اتفاق بينهم تنص على أن تلتزم الدول الثلاث بتوصيات المكتب الاستشاري المنفذ لدراسات سد النهضة أيًا كانت، وتشدد على أنَّ الجانب الاثيوبي سيلتزم بموجب وثيقة مبادئ سد النهضة بتعديل مواصفات السد حال ثبوت وقوع ضرر بمصر في تقرير المكتب الاستشاري، كما أنَّ توقيع الاتفاق يعني عمليًا تجاوز كل التحفظات المتعلقة بالسد، لأنَّ مسألة الأمن المائي تعتبر من المسائل الإقليمية الحساسة، كما أنَّ السد سيوفر فوائد اقتصادية واجتماعية، وطاقة كهربائية كبيرة للدول الثلاث وتقليل للطمي، وتنظيم منسوب النيل، وتقليل الفيضانات في فصل الخريف.

وتنص الوثيقة على ضمان حقوق دول المصب في نهر النيل، وعدم تأثرها ببناء السد الذي تقيمه إثيوبيا، وأنَّ المبادئ الحاكمة والضمانات والحفاظ على المصالح، وتحقيق المكاسب المشتركة هي أهم ما يميز الوثيقة، والمرحلة المقبلة سوف تبرهن على القدرة على ترجمة تلك المبادئ إلى آليات وأطر عملية تضمن تحقيق المكاسب المشتركة للجميع.

وتعتبر زيارة الرئيس لإثيوبيا تاريخية حيث أنَّ هذه أول زيارة رسمية منذ ٣٠ عامًا يقوم بها رئيس مصري لإثيوبيا، تهدف إلى دفع العلاقات المشتركة بين البلدين للمرة الأولى منذ الستينيات دون أن يكون هدف الزيارة هو المشاركة في أي من القمم الإفريقية التي تعقد في إثيوبيا.

وتشهد العلاقات المصرية الإثيوبية تقدمًا ملحوظًا الجوانب الاقتصادية والاستثمارية وتزايد تدفق رجال الأعمال بين البلدين وزيادة حجم الاستثمارات، حيث شهدت ارتفاعًا ملحوظًا في تلك الفترة، وارتفعت من 600 مليون دولار إلى مليارين دولار، وتتركز مشروعاتها في قطاعات الكابلات الكابلات الكهربائية وإنتاج البلاستيك والمواسير والزراعة وإنتاج اللحوم، وارتفع عدد الشركات المصرية في أثيوبيا من 34 إلى نحو 137 شركة، كما أنَّ عدد المشروعات الاستثمارية المصرية في إثيوبيا بلغت 72 مشروعًا استثماريًا برأسمال مصري بالكامل وبشراكة من الإثيوبيين.

وتنوعت مجالات الاستثمارات في إثيوبيا للمصريين في المجالات الزراعية والإنتاج الحيواني والصناعية والسياحية والعقارية وإنتاج أعلاف الحيوانات والتربية التسمين للعجول والماشية للتصدير والمجازر الآلية، حيث أنَّ السوق الإثيوبي متسع وبه فرص متاحة لعقد صفقات تجارية واستثمارية بين البلدين، بالإضافة إلى مبادرة منير فخري عبد النور، وزير الصناعة والتجارة، من دعم للمشروعات لرفع حجم التبادل التجاري بين البلدين بنحو 500 مليون دولار خلال الثلاث سنوات المقبلة، حيث أنَّ مصر تسعى للوصول إلى العلاقات الاقتصادية إلى مستوى يرقى بحجم العلاقات بين الدولتين الكبيرتين.

ومن المنتظر أيضًا خلال الزيارة إعلان إقامة منطقة صناعية مصرية في إثيوبيا، كما يلتقي الرئيس، مجتمع الأعمال المصري والإثيوبي، ويفتتح منتدى مشتركًا للأعمال، ويزور مجموعة من المشروعات المصرية في إثيوبيا.

وتعتبر العلاقات التاريخية بين البلدين هي من العلاقات التي لها تاريخ طويل يمتد منذ الحضارة المصرية القديمة، فضلاً عن الترابط بين الكنيسة المصرية والإثيوبية، والروابط الوثيقة التي تربط بين مسلمي إثيوبيا والجامع الأزهر الشريف، حيث أنَّ هناك رواقًا خاصًا يضم الطلبة الإثيوبيين يسمى برواق الجبرتة، ونبغ منه جهابذة العلماء ومنهم المؤرخ الكبير الشيخ عبد الرحمن الجبرتي صاحب كتاب التاريخ المشهور، كما أنَّ العلاقات الدبلوماسية بين البلدين تمتد لنحو ٨٧ عامًا.

أمَّا بالنسبة للسودان الشقيق، فقد شهدت العلاقات السودانية المصرية تقدمًا خلال الفترة الماضية منذ تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي رئاسة البلاد توجت بزيارة الرئيس عمر البشير، لمصر في أكتوبر الماضي، ووجوده ودعمه لمصر بحضوره المؤتمر الاقتصادي الداعم للاقتصاد المصري الأسبوع الماضي.

وشهدت العلاقات تقدمًا في الجوانب الاقتصادية والاستثمارية وتزايد تدفق رجال الأعمال بين البلدين الأمر الذي نتجت عنه زيادة حجم التبادل التجاري، وضاعف عدد الشركات المصرية في السودان والعكس؛ فقد بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين نحو 839 مليون دولار، حيث تحتل مصر المرتبة الثالثة بعد الصين والإمارات في التصدير للسودان، ويتم استيراد الآلات والمعدات والمنتجات الكيماوية ووسائل النقل والمنسوجات من مصر، في حين يتم تصدير الحيوانات الحية واللحوم والفول السوداني والجلود.

كما أنَّ الحكومتين السودانية والمصرية تسعى مؤخرًا لتفعيل جانب التبادل التجاري بين البلدين بتكوين لجنة لفتح المعابر بين البلدين، والذي اعتبره الشعبان حدثًا اقتصاديًا هامًا، ونقطة فارقة في تاريخ العلاقات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية بين البلدين الشقيقين، والذي سيؤدي بدوره إلى إنعاش حركة التجارة الحدودية وانسياب البضائع بين البلدين، وبالتالي انتعاش المنطقة اقتصاديًا، إضافةً إلى أنَّ افتتاح المعبر الحدودي بين مصر والسودان سيساهم في إحداث نقلة كبيرة في حركة التجارة والاستثمار بين البلدين، إضافةً إلى وجود سوق حرة جديدة تعمل على تنمية حركة الصادرات والواردات للبضائع والثروة الحيوانية، وتنشيط حركة المسافرين والبضائع بين شطري وادي النيل بالبلدين .

وتحظى السودان بأهمية خاصة في العقل الرسمي المصري، فقد كانت السياسة المصرية تجاه السودان من أقدم السياسات الخارجية التي رسمها حكام مصر خلال العصر الحديث، حيث تعود جذور الإدراك المصري لأهمية السودان الاستراتيجية في العصر الحديث إلى النصف الأول من القرن التاسع عشر منذ أن بدأ محمد على والى مصر في بناء الدولة، وفي عام 1820 تقدمت جيوش الدولة المصرية لأول مرة لتقوم بلملمة أطراف المناطق الواقعة جنوبها، ممثلة في سلطنات وممالك وقبائل السودان لتصنع من كل هذا كيانًا إداريًا وسياسيًا واحدًا، وهو الذي اصطلح على تسميته بالسودان.

وتمتد الحدود المصرية السودانية نحو 1273 كيلو مترًا، ويمثل السودان العمق الاستراتيجي الجنوبي لمصر، لذا فإنَّ أمن السودان واستقراره يمثلان جزءًا من الأمن القومي المصري، ومن هنا تبرز أهمية السياسة المصرية تجاه السودان للحفاظ على وحدته واستقراره وتماسكه من ناحية وفي تعزيز علاقات التكامل بين الجانبين من ناحية أخرى.

ومن الملاحَظ أنَّ الدولتين حريصتان على تقوية ودعم العلاقات بينهما في شتى المجالات، فالسودان يعد الدولة الوحيدة التي لديها قنصلية في محافظة أسوان، ما يدل على نمو حجم التبادل التجاري، حيث أنَّ حركة التبادل بين أسوان ووادي حلفا قد بلغت نسبة الصادرات خلال الفترة من يناير 2013 وحتى الآن 12,7 ألف طن من المنتجات المختلفة، في حين بلغت نسبة الواردات من حلفا إلى أسوان خلال نفس الفترة 23,4 طنًا، وتلك القنصلية لا يتوقف دورها عند تقوية العلاقات التجارية والاقتصادية بين الدولتين بل يمتد هذا الدور ليشمل العلاقات في المجالات المختلفة الثقافية والسياسية.

ويشكل السودان أهمية خاصة بالنسبة لمصر فيما يتعلق بموضوع المياه ونهر النيل حيث إنها ملتقى روافد نهر النيل القادمة من إثيوبيا عبر النيلين الأبيض والأزرق لتعبره في اتجاه مصر، وقد حظيت العلاقة المائية بين البلدين باهتمام خاص لاعتبارات الجغرافيا والتاريخ والدين واللغة والمصاهرة‏، فضلاً عن الموقع السياسي للسودان بالنسبة لمصر، وقد التزمت الدولتان بكل بنود التعاون طبق ما أقرته اتفاقات‏ 1959، 1929‏ بتنظيم استغلال مياه نهر النيل بما يحقق صالح كل من مصر والسودان في حدود الحصص المقررة لكل دولة‏. ‏

وحرصت مصر والسودان على التنسيق المائي فيما بينهما، وقد انعكس ذلك على ترابط الدولتين خلال الأزمة التي نشأت خلال عام 2009 حول الاتفاق الإطاري للتعاون القانوني والمؤسسي لاتفاقية حوض النيل لإعادة تقسيم المياه، وإنشاء مفوضية دول حوض النيل، والذي أعدته دول المنبع ورفضت مصر التوقيع عليه، مستندةً إلى المطالبة بالمحافظة على الحقوق التاريخية والامتيازات القانونية الخاصة بحصة مصر والإخطار المسبق.