في بيان استخدم لهجة شديدة رد المصرف المركزي الليبي على تصريحات ادلى بها رئيس الوزراء الليبي المؤقت عبد الله الثني و اتهم  محافظ مصرف ليبيا المركزي  بعرقلة الحكومة وتجاوز سلطاته وقال الثني لقناة النبأ التليفزيونية إن الكبير يحتجز مدفوعات لأوجه إنفاق تمت الموافقة عليها واضاف في مقابلة اثارت ردود فعل واسعة  إن الكبير يتصرف وكأنه حاكم ليبيا ويفعل ما يريده مضيفا أن محافظ المصرف المركزي يتجاوز صلاحياته.
وجاء رد مصرف ليبيا المركز في بيان وزع امس على وسائل الاعلام تلقت بوابة افريقيا الاخبارية نسخة منه :
بالإشارة إلى المقابلة التي بثتها قناة النَّبأ الإخبارية مع وزير الدفاع رئيس وزراء الحكومة الموقتة المكلف، ورغم إيمان مصرف ليبيا المركزي بحقِّ كلِّ فرد أو طرف في التعبير عن رأيه في قضايا الشأن العام، فهي حرية وهبتها لنا جميعًا ثورة 17 فبراير المباركة وكفلتها التشريعات النافذة، إلا أنَّ تقدير هذا الحقّ واحترامه لا يعني السكوت عن المغالطات والاتهامات التي تُلقَى جُزافًا التي طالت المصرف المركزي ودورَه ومهامه بوصفه مؤسسة وطنية سياديّة هامة، ونالت من منصب المحافظ وشخصه مباشرة، بل إنَّ حق المصرف المركزي في الرَّد مكفول وفق تلك التشريعات، الأمر الذي استوجب البيان والتوضيح، دون التطرُّق لجِدالات شخصية، لِجزمنا بأنَّ ذلك لا يحقق صالح الوطن، ولا يُلبي طموح أبنائه، لذا فإنّنا نُؤكِّدُ هنا على ما يلي:

1- إنَّ صلاحيات مصرف ليبيا المركزي واختصاصاته، كغيره من مؤسسات الدّولة قد حدَّدتها القوانين والتشريعات النافذة، ولا مجال فيها لتباين الاجتهادات ولا لاختلاف وجهات النّظر، وواجب الجميع الالتزام بها، ترسيخًا لثقافة العمل المؤسّسي، وتأكيدًا على استحقاقات دولة القانون، فمصرف ليبيا المركزي يتقيّد في جميع أعماله بمنظومة متكاملةٍ من القوانين، منها قانون المصارف رقم (1) لسنة 2005 وتعديلاته، وقانون الموازنة الذي تصدره السلطة التشريعية، والقانون المالي للدولة، وقانون ديوان المحاسبة، وقانون جهاز الرقابة الإدارية، وهذه المنظومة بمجموعها هي المحدِّد للاختصاصات والمهام، وللسلطات والصلاحيات، وأيضًا للمسؤوليات بالتفصيل، ولا مكان فيها للأهواء ولا للعبث، ونبدي هنا استغرابنا الشديد مما أبداه السيد رئيس الوزراء المُكلَّف من أنّ العمل بهذه القوانين وتطبيقها بنصوصها، يمثِّلُ أزمةً بين وزارة الدِّفاع ومصرف ليبيا المركزي بصفة خاصة، أو يعدُّ تدخلاً في اختصاصات أيٍّ من الوزارات الأخرى بصفة عامة.

2- حصر رئيس الوزراء المكلَّف وظيفة المحافظ في حفظ المال العام وصرفه حسب تعليمات السادة الوزراء مُخالفٌ لصريح القانون، ولا نتفق معه إطلاقًا، بل نؤكِّدُ أولاً على أنَّ الحفاظ على المال العام مسؤولية كلّ مواطن ليبي، بما في ذلك السيد رئيس الوزراء المكلَّف، وليس مسؤولية المحافظ وحده، أما صرف المال العام وفقًا لإجراءات لا تتطابق والقوانين واللوائح النافذة لمجرد صدورها عن وزارة من وزارات الحكومة الموقتة أو غيرها، مع إغفال الدور الرقابي للمصرف المركزي المكفول له بالقانون، هو أَمرٌ جدُّ مُستغرب، فضلاً عن توظيفه ضِدَّ المصرف المركزي ومحافظه.

3- رغم إقراره بوجود الفساد، إلا أن السيد رئيس الوزراء المكلَّف رأى أنَّ مكافحته والحدَّ منه هي مهمة خاصّةٌ بديوان المحاسبة فقط! وهذه مغالطة أخرى أكبر من سابقتها، إذ إنَّ الإقرار بوجود الفساد إنّما يقتضي العمل الجَاد وفق آليةٍ فاعلةٍ لمواجهته والحدَّ منه بل واستئصاله، لا التّهرُّب مِن مسؤولية مكافحته، وهي مسؤولية الجميع كلٌّ في مجال اختصاصه، وحسب سلطته وصلاحياته.

4- إنَّ المصرف المركزي ومِن خلال دوره الرقابي، قام بتقديم تَحفُّظاته وملاحظاته بشأن بعض الملفات والموضوعات المحدَّدة، يرى أنّها لم ترد وفق القوانين والإجراءات المنظِّمة لهذه الأعمال، نستغرب كيف تمَّ تصوير هذا على أنّه عرقلة وتعطيل من قبل المصرف المركزي لمؤسسات الدولة وأجهزتها التنفيذية؟!.. وأنّه غيرُ مُبرَّر ودون أسباب! ثم إذا كان الأمر كما قيل، فكيف تم صَرْفُ مبلغ 72.8 مليار دينار موازنة سنة 2013، وحوالي 12 مليار دينار خلال العام 2014 ؟!.

5 - يرى السيد رئيس الوزراء المكلف أن المحافظة على النّقد الأجنبي في هذه الظروف الاستثنائية، والتي دفعت المصرف المركزي للتأكيد على ترشيد الإنفاق وفق أولويات تم التوافق عليها مع الأطراف المعنيَّة في السلطة التشريعة والتنفيذية معًا، يرى أنها ضرب من "العبث" !.. رغم علمه التّام بأزمة حصار الموانئ النَّفطية وتداعياتها الكبيرة على مالية الدّولة، والتدني الحاد في الإيرادات المالية للدولة، الأمر الذي يُهدِّدُ احتياطيات ليبيا، وبَدلاً من الإشارة إلى العجز الحادث في الموارد الذي تجاوز ثلاثة مليارات دينار شهريًا، رأينا السيد رئيس الوزراء المكلَّف يَستشهد بعملية شراء سيارات للملحقين العسكرين، وقد كان من الممكن، تجاوزًا، قبول الأمر لو كان الحديث عن دواء أو غذاء أو طاقة ...إلخ من الأمور التي تَمس حياة المواطن اليومية.

6- ذكر السيد رئيس الوزراء المكلَّف أنَ معاملات تتأخر لأشهر عند مصرف ليبيا المركزي، وهو أمر يجافي الحقيقة تمامًا، إذ إنّ المعاملات التي توقف من قبل المصرف المركزي لأسباب ومبررات تلخص في عدم التقيّد بالقوانين والإجراءات اللازمة، ونطلب موافاتنا بمثال واحد لهذا التأخير المذكور، كما أن دعوى توقُّف العمل في حال سفر المحافظ، فهو أمرٌ آخر مستغرِب، إذ إنَّ نائب المحافظ يقوم مقام المحافظ حال غيابه بموجب قانون المصارف دون تكليف ولا توجيه، كما أنَّ لدى المصرف أمثلة كثيرة لتنفيذ عمليات لصالح الحكومة ووزاراتها من قبل السيد نائب المحافظ حال غياب المحافظ.

7- إنَّ المصرف المركزي مُمثَّلاً في المحافظ، يحترم كافّة الوزراء و يحترم قراراتهم، لكنَّ هذا الاحترام والتقدير لا يعفيه من المسؤولية المناطة به بموجب القانون التي تلزمه بواجبات محدّدة، لا يمكنه تجاوزها بحال، ولا تُعدُّ الظروف الاستثنائية مبررًا لتجاوز تلك القوانين، أما دعوى أنّ المحافظ يتصرف وفقًا للأهواء، أو بعبث، فهذه أوصاف ليست في قاموس مفرداتنا ننأى بأنفسنا عن الخوض فيها فضلاً عن استخدامها.

ختامًا، كان أملنا أنْ يناقش السيد رئيس الوزراء المكلف بوصفه القائم على هرم السلطة التنفيذية أمورًا أكثر أهميّةً كالانفلات الأمني، وأزمة الموانئ النفطية وتدني العائدات، واستفحال الفساد، وتضخم الموازنات، وآليات ترشيد الإنفاق، وجباية العوائد السيادية، وغيرها من الأمور التي تَمَسُّ الأمن القومي على كافة المستويات.

إنّنا في الوقت الذي نوجّه فيه الشكر لمؤسسات الدولة المتعاوِنة والمتفهّمة لظروف عمل المصرف المركزي، وعلى رأسها ديوان المحاسبة وهيئة الرقابة الإدارية والنيابة العامة، وغيرها مِن المؤسسات، نُؤكِّدُ لأبناء الوطن جميعًا أنَّ مصرف ليبيا المركزي المؤسّسة السياديّة العريقة سيستمرُّ في القيام بدوره وفقًا للقوانين الحاكمة، وسيواصل مكافحة الفساد ما استطاع لذلك سبيلاً، مُعتبرًا دورَه حلقةً من سلسلةٍ مترابطة، تتضافر جهودها لخدمة الوطن وحفظ مصالحه، للعبور به إلى برِّ الأمان بأقل الخسائر، مرضاة لله تعالى ووفاءً لدماء الشهداء. "والله من وراء القصد"