أكد المترشح المنسحب من السباق الرئاسي بتونس مصطفى كمال النابلي أن هناك مخاطر حقيقية تحدق بالبلاد نتيجة خطاب العنف الذي إعتمده الرئيس المتخلي والمترشح المنصف المرزوقي ، وهو ما دفع به الى الإنسحاب من انتخابات الرئاسة ،وفي حوار خص به « بوابة افريقيا الاخبارية » أكد النابلي أن التونسيين يحتاجون الى رئيس قوي وصاحب خبرة وحضور وتجربة سياسية يستطيع معالجة الأخطاء التي إرتكبها المرزوقي طيلة الأعوام الفائتة وخصوصا في ما يتعلّق بالتحالف مع قوى الإسلام السياسي والإنخراط في مشروعها بالمنطقة
وأشار النابلي الى أن تونس تعرّضت الى كبوات نتيجة حكم الترويكا والميولات السياسية والأيديولوجية للرئيس المتخلي ، وأن الجماعات المتشددة والتكفيرية وروابط حماية الثورة التي تم حلها بموجب حكم قضائي ظهرت بقوة لدعم حملة المرزوقي ، وزرعت الخوف في قلوب نسبة مهمة من التونسيين الذين يطمحون الى مجتمع مدني ديمقراطي متصالح ومتسامح ونابذ للعنف والكراهية
ونفى النابلي ما راج عن نهب كميات من الذهب من البنك المركزي من قبل ليلى الطرابلسي زوجة الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي ، مؤكدا أنه مجرّد إشاعات كانت تهدف الى تأجيج الغضب الشعبي إبان الإنتفاضة التي إطاحت بالنظام السابق ،وأن من يتهمه بأنه تستّر عن ذلك أثناء إدارته للبنك يريد فقط إعتماد الأكاذيب في خدمة أهداف سياسية باتت مكشوفة للجميع ، وفق تعبيره ،
ونفى النابلي أن يكون إنسحب من السباق الرئاسي في إطار صفقة مع الباجي قائد السبسي مرشح حركة نداء تونس ، معبّرا في الوقت ذاته عن إستعداده لخدمة بلاده من أي موقع يدعى إليه
وفي ما يلي نص الحوار

المراقبون يجمعون على أنك أبرز المنسحبين من السباق الرئاسي نظرا لإمتلاكك لقاعدة إنتخابية محترمة ، فلماذا كان الإنسحاب ؟

ما دفع بي الى الإنسحاب هو الدعوات المتشنجة للإقصاء وخطاب العنف الذي لمسته ولمسه التونسيون في أداء حملة المترشح المنصف المرزوقي ، لقد شعرت بالخوف على تونس وأدركت أن مخاطر جدية تحدق بالبلاد وتسعى الى تقسيم المجتمع وتأكد لي ذلك من خلال التحالف بين المرزوقي وقوى الإسلام السياسي بشقيه الإخواني والسلفي التكفيري وكذلك روابط حماية الثورة التي كان القضاء التونسي قد حكم بحلّها قبل أن تعود الى الظهور ، ومعها كمّ كبير من التهديدات ببث الفوضى وتحويل تونس الى حمّام دم في حال فوز أحد المترشحين وهزيمة آخر ،
وأن يتحدث مترشح للسباق الرئاسي عن « الطاغوت » ومن خلفية دينية متطرفة فذلك يعني أن مجال لتشتيت الأصوات ، ولابد من الإنسحاب لترك المجال مفتوحا أمام مترشح أكثر حظا ، وله القدرة على مواجهة الخطر بمشروع وطني مدني تقدمي وديمقراطي وجامع للتونسيين ، فالتصويت في مثل هذه لن يكون للأفضل ، وإنما هو تصويت الضد ، تصويت ضد العنف وضد الإرهاب وضد عودة المرزوقي لكرسي الرئاسة ،وضد الإستهتار بالدولة الذي مورس طوال الأعوام الثلاثة الماضية

هل شعرت بخطر ما ؟

الموضوع لا يتصل بشخصي ، ولكن شعرت بأن تونس معرضة لخطر حقيقي ، وأن أجواء العنف والإغتيالات التي عرفناها في عامي 2012 و2013 بدأت تعود من جديد في ظل خطاب الترويع والترهيب الذي إعتمده أنصار المرزوقي ، وكذلك من خلال ظهور دعاة العنف الذين يسعون الى الإنقلاب على مشروع الدولة المدنية الحديثة بمشروع الفوضى ، خصوصا وأن الجماعات المتشددة لم تجد إلا مترشحا واحدا تضع فيه كل أملها بالبقاء في الساحة وهو المنصف المرزوقي
خلال الأسبوعين الماضيين شعر التونسيون بأنه يمكن أن يعود بهم الزمن الى الوراء ، وكأننا لم نعرف الحوار الوطني ولا المصادقة على الدستور ، وكأننا لم نسجّل إجماعا وطنيا ضد الإرهاب والتطرّف والعنف ، وأدركت كما أدرك أغلب التونسيين أن بقاء المرزوقي في الحكم لولاية ثانية سيكون خطرا على البلاد ، وسيمنع التوافق السياسي خلال المرحلة القادمة وسيبعرقل البرلمان والحكومة ،و سيمنع من الوصول الى حلول للمشاكل التي تعاني منها البلاد وخاصة على الصعيدين الإقتصادي والإجتماعي

أنت تحدثت كذلك عن المال السياسي ؟

بالفعل ، المال السياسي الفاسد والمشبوه ظهر بقوة في حملة الإنتخابات الرئاسية ، وهناك مترشحون مدعومون من جهات داخلية وخارجية ويصرفون ببذخ من أجل إستقطاب نوايا الناخبين وتزوير إرادتهم ، وأعتقد أن جميع المراقبين المحايدين لاحظوا ذلك ، كما لوحظ إستعمال الرئيس الحالي المنصف المرزوقي لموارد الدولة في حملته الإنتخابية ،وهو ما يتنافى مع القانون ومع ما كان يفترض أن يتوفر من مساواة في الفرص بين جميع المترشحين ،وقد كنت دعوت الهيئة المستقلة العليا للإنتخابات الى أن تكون في مستوى المسؤولية الملقاة على عاتقها واللحظة التاريخية ، وأن تواجه الخروق وتحقق في مصادر المال السياسي الفاسد الذي تم إستعماله بكثافة في الحملة الرئاسية
البعض قال أنك إنسحبت من السباق الرئاسي نزولا عند طلب جهة بعينها ؟
قراري شخصي ولا دخل لأي طرف فيه ، وقد إتخذته عن روية وبعد تأمل في المشهد العام ، وتمنيت لو أن كل القوى الديمقراطية المؤمنة بالدفاع عن مقومات الدولة المدنية إتخذت ذات القرار لفائدة مرشح قوي ينجح في حسم المواجهة الإنتخابية منذ الدور الأول خدمة لتونس ولمستقبل أجيالها،

هل لاحظت وجود فارق بين الإنتخابات البرلمانية والرئاسية ؟

بالتأكيد هناك فارق كبير ، فالحملة الإنتخابية البرلمانية كانت أكثر سلاسة وهدوء وراحة للمتنافسين ، أما الحملة الرئاسية فقد حملت معها نتائج الإنتخابات البرلمانية لترفع من درجة الإستقطاب الثنائي بين قوتين : الأولى قوة وطنية مدنية ديمقراطية والثانية مرتبطة بقوى الإسلام الخارجي والمشاريع المستوردة وخطاب العنف والكراهية ، ولكن أعتقد أن الشعب التونسي وصلته الرسالة وأدرك فحواها وقرأها بتمعّن وهو قادر اليوم على حسم الموقف لمصلحة مشروعه الوطني في وجه دعاة العنف والإقصاء والإرهاب
رئيس حملة المرزوقي ردّ عليك بأن موقفك يعود الى أن الرئيس الحالي كان وراء عزلك من مهمة محافظ البنك المركزي
هذا كلام مردود على صاحبه ، والتونسيون يميّزون بين مصطفى كمال النابلي والمنصف المرزوقي ، ويعرفون صفات ومميزات كل منهما ، وأنا بطبعي لا أنظر الى الوراء ، ولا أهتم كثيرا بما يقال خصوصا وأن القضية قضية وطن وشعب ومجتمع ومستقبل أجيال وليست خلافا شخصيا بيني وبين المرزوقي أو أي طرف آخر

هناك من إتهمك بالتستر على سرقة طنّ من الذهب من قبل زوجة الرئيس الأسبق بن علي فبماذا ترد عليه ؟

هذا كذلك كلام لا أساس له من الصحة ، وسرقة ذهب من البنك المركزي إشاعة مضحكة تم ترويجها إن الإنتفاضة الشعبية الي أطاحت بالنظام السابق بهدف تأجيج المزيد من الغضب الشعبي ، وعندما توليت مهمة محافظ البنك فتّشت في كل الوثائق والمستندات وتم حصر إحتياطي الدولة من الذهب ، وتأكدت من أن لاصحة لما قيل عن سرقة 1500 كلغ منه ، ثم المنطق السليم يقول أنني تركت المهمة وجاء من يخلفني فيها ، فلماذا لم يتحدث أحد عن سرقة الذهب ولماذا لم نسمع عن تحقيق في القضية ؟ ببساطة لأن الموضوع كله مصطنع ومفبرك ولا أساس له من الصحة

لو دعيت لتحمّل أية مسؤولية سياسية في المرحلة القادمة ماذا سيكون موقفك ؟

لن أتردّد في خدمة بلادي من أي موقع ، وما قدمته لي تونس يحتاج مني دائما إلى أن أكون في الموعد لأرد لو جزءا بسيطا منه ،