يقول محللون سياسيون وأمنيون إن التدهور السريع لاقتصاد ليبيا القائم على النفط يهدّد أهداف الحكومة الجديدة المدعومة من الغرب ، والجهود الناشئة لمواجهة داعش في شمال أفريقيا.

فبعد وصولها إلى طرابلس قبل أسبوعين، جعلت الحكومة من السيطرة على النفط في البلاد أولوية لها، وأقنعت إحدى الميليشيات القوية بتسليم ثلاث محطات نفطية، فيما قدّمت شركة النفط الوطنية دعمها للحكومة. ولكن الطريق نحو تأمين أكبر احتياطيات في أفريقيا مليء بعقبات أكبر، ويبدو أن إعادة صناعة النفط المأزومة إلى قدراتها القصوى ستكون مهمة هائلة. ومع تراجع أسعار النفط العالمية، هناك شعور بحاجة ملحة لكي تقوم حكومة الوحدة الوطنية بتعزيز إنتاج النفط وتغيير مسار ليبيا. وتقول كلوديا غازيني، كبيرة المحللين في مجموعة الأزمات الدولية المهتمة بالشأن الليبي: "إن ليبيا على وشك الانهيار الاقتصادي والمالي".

وقد أدى عدم الاستقرار إلى تراجع مستويات الإنتاج بينما سيطرت فصائل مسلحة على مناطق نفط وغاز. ويقول محللون إنه إذا فشلت الحكومة في بسط سيطرتها، يمكن للتنافس على موارد الطاقة تعميق الصدوع السياسية وتأجيج مزيد من العنف، لمنع قيام جبهة موحدة تسعى واشنطن وحلفاؤها لإقامتها في وجه تنظيم داعش.

ويبدو إحياء إنتاج النفط في ليبيا ضروريا لمنع الانهيار الاقتصادي، والذي قد يجبر البلاد على أن تصبح عالة بشكل كبير على المساعدات الغربية، ويدفع المزيد من الليبيين إلى الفرار إلى أوروبا، لينضافوا إلى أزمة اللاجئين هناك. كما أن عملية إحياء النفط حيوية لبقاء واستمرار الحكومة "طالما أن مشكلة الاقتصاد لم تحل، وطالما لم يتم حل مشكلة تقاسم السلطة الاقتصادية، فإنك لن تكون قادرا على إيجاد حل سياسي"، يقول ميرين عباس، المدير الإقليمي لمؤسسة فريدريش إيبرت، وهي مؤسسة سياسية ألمانية تعمل على بناء السلام في ليبيا.

ويضيف ميرين "من يمكنه الوصول إلى النفط في ليبيا، لديه أيضا السلطة السياسية". كما أن التحديات تشمل صراعات إقليمية وعرقية، وجهودا منفصلة لبيع أو تهريب النفط. إلى ذلك، تتنافس حكومتا طرابلس وطبرق على النفوذ. والعديد من أفراد الميليشيات، الذين لهم ولاءات متقلبة، مازالوا يتلقون رواتب من الحكومة التي تتوقف على إنتاج النفط. وحقول النفط الرئيسية وخطوط الأنابيب مغلقة بسبب انعدام الأمن وصراعات الميليشيات والنزاعات العمالية.

ويقول محللون إنه بعد سنوات من الحرب الأهلية، أصبحت البنية التحتية للنفط في حالة سيئة. وعلاوة على ذلك، ما فتئت الجماعات الإسلامية المتشددة تستهدف بشكل متزايد الصناعة النفطية في شمال أفريقيا. وهذه الجماعات تنظر إلى إنتاج النفط كسرقة للموارد الطبيعية من قبل شركات النفط الغربية. وتشكل مهاجمة المنشآت بالنسبة لهذه الجماعات وسيلة مثالية الاقتصادات الوطنية ونشر الدعاية لكسب مجندين جدد.

في الشهر الماضي، تبنى فرع القاعدة في شمال افريقيا الهجوم الصاروخي على مصنع للغاز الجزائري تديره شركات نفط أوروبية، وتعهد بشن هجمات على شركات النفط الغربية. وفي أغسطس الماضي، تبنى فرع داعش في مصر خطف وقطع رأس موظف كرواتي في شركة نفطية فرنسية. وفي ليبيا، هاجم تنظيم داعش عدة منشآت نفطية، بما في ذلك صهاريج التخزين التي تم إضرام النار فيها في يناير في رأس لانوف والسدرة. "لجأ تنظيم داعش إلى محاولة تدمير قطاع النفط من أجل منع أي من خصومه من الاستفادة من عائدات قطاع النفط والغاز"، يقول جيف بورتر، رئيس فرع شمال لـشركة لإدارة المخاطر السياسية والأمنية. "مهاجمة قطاع النفط والغاز يناسب السرد والدعاية عند الجهاديين. "

وقد اعتمد الاقتصاد الليبي لفترة طويلة بشكل كامل تقريبا على استخراج النفط والغاز، وهو ما يمثل 95 في المئة من عائدات التصدير و99٪ من دخل الحكومة، وفقا لإحصاءات الأمم المتحدة. وقبل خمس سنوات، أي قبل الثورة العنيفة التي أطاحت بالدكتاتور معمر القذافي، كانت ليبيا تنتج 1.6 مليون برميل من النفط يوميا. وعلى الرغم من سوء الإدارة والفساد الكبير، استخدمت العائدات في دفع رواتب العاملين الضخمة في الحكومة، وتعززت العملة في ليبيا وجلبت النمو الاقتصادي. وحتى عندما ارتكب النظام تجاوزات، تم تحسين السكن في صفوف الليبيين من ذوي المستوى المعيشي المتوسط، وتم توفير التعليم العام المجاني والرعاية الطبية، وبناء طرق جيدة.

وبعد مقتل القذافي، أصبح النفط جائزة جذابة. وسقطت ليبيا في حرب أهلية، واشتبك أمراء الحرب من أجل السيطرة، خصوصا على "الهلال النفطي" الليبي على طول البحر الأبيض المتوسط. كما أن عدم وجود نظام أمني متماسك للبنية التحتية للنفط والغاز جعلها هدفا سهلا لداعش. اليوم، يقف إنتاج النفط في ليبيا بنحو 360 ألف برميل يوميا – أي بتراجع بـ 78 في المئة عما كان عليه قبل خمس سنوات. وقد كتب محققون تابعون للأمم المتحدة في تقرير صدر الشهر الماضي: "على أرض الواقع، يجري استغلال الثغرات من قبل الجهات المسلحة التي تسعى للحصول على الربح المالي والسياسي من وراء السيطرة على حقول النفط وخطوط الأنابيب وموانئ التصدير، بما يؤجج الصراعات المحلية". ومن غير الواضح ما إذا كانت حكومة الوحدة التي ترعاها الأمم المتحدة، لديها النفوذ لوضع الفصائل والميليشيات المتناحرة في ليبيا -وبالتالي، النفط -تحت سيطرتها. فقيادتها، المعروفة باسم المجلس الرئاسي، لم تنل موافقة أي من الحكومتين المتنافستين. بدلا من ذلك، سعت إلى الشرعية من خلال تعهدات بالدعم من الفصائل المسلحة المختلفة. إبراهيم الجضران، وهو قائد ميليشيا تسيطر على عدة منشآت النفط، أعلن مؤخرا أن جماعته سوف تدعم حكومة الوحدة وتعيد فتح محطات النفط في رأس لانوف، والسدرة والزويتينة.

يذكر أن محطتي رأس لانوف والسدرة، اللتين أغلقتا في ديسمبر عام 2014، قادرتان لوحدهما على تصدير 550،000 برميل يوميا. وأثار الإعلان الآمال بأن ليبيا قد تزيد صادراتها مرة أخرى. ولكن خلافا جديدا ألقى ظلالا من الشك على افتتاح محطات النفط. فقد انشق فصيل عن جماعة الجضران ليعلن ولاءه للجنرال خليفة حفتر، المناوئ للإسلاميين والذي يقود قوات الحكومة في طبرق المتنافسة.

وقال محللون إن حتى لو تمكنت حكومة الوحدة من استعادة السيطرة على النفط، فإن إعادة إنتاج ليبيا يمكن أن تستغرق أشهرا طويلة، وربما لن تصل إلى ما كانت عليه قبل خمس سنوات. الأثر الاقتصادي هو واضح بالفعل. كما أن البنك المركزي يعاني من عجز هائل، وينفق ست مرات أكثر من الدخل من مبيعات النفط وهو ما يهدد بنفاد احتياطي الدولة. وقد تسبب نقص في الوقود والمواد الغذائية والسلع الأساسية الأخرى في ارتفاع الأسعار.

ويحذر محللون من أنه إذا لم ترتفع مستويات إنتاج النفط وأسعاره العالمية، فإن أزمة أوسع قد تضرب الملايين، مثل تخفيض قيمة العملة المفاجئ للدينار الليبي، و"هذا من المرجح أن يتسبب في أزمات أمنية جديدة، ويشجع السلوك الوحشي لدى الميليشيات"، وفق مجموعة الأزمات الدولية في تقريرها الصادر في ديسمبر، مع "زيادة أهمية الاقتصاد الموازي (ولا سيما التهريب) وتحفيز تدفقات جديدة للاجئين".