أكد الكاتب الصحفي والمحلل السياسي الليبي عبد الحكيم معتوق أن تشكيل الحكومة الجديدة في تونس يتطلب مشاورات لأن البلاد في مرحلة تغيير جذري للبنية السياسية التي سيطرت فيها جماعة الإخوان المسلمين لمدة عشر سنوات ورهنت تونس سياسيا واقتصاديا مبينا في مقابلة مع بوابة إفريقيا الإخبارية أن أبرز التحديات التي تواجه تونس في هذه المرحلة هي تشكيل الحكومة ومراقبة الخلايا النائمة.
إلى نص الحوار:
برأيك ما أبرز التحديات التي تواجه تونس في هذه المرحلة؟
في تقديري إن أبرز التحديات التي تواجه تونس في هذه المرحلة هو الإسراع في تشكيل حكومة حتى إن كانت حكومة أزمة فأعتقد أن هذا مطلب الشارع التونسي وقد عبر عنه الاتحاد التونسي للشغل وهو أهم مكون نقابي في البلاد ويحرك جل النقابات وله تاريخ نضالي في تونس، وأعتقد أن الإسراع في تشكيل الحكومة سوف يخفف من حدة الضغط الذي يمارسه جماعة الإخوان المسلمين ممثلة في حركة النهضة والموالين لها من قطر وتركيا وإخوان ليبيا
ومن بين التحديات التي تواجه تونس أيضا هي مراقبة الخلايا النائمة فهناك حديث عن وجود خلايا نائمة في الكثير من مناطق الجنوب التونسي وأيضا وجود السلاح الذي يتطلب وضع خطة أمنية محكمة قد تصل لفرض قانون الطوارئ حتى تنتقل البلاد من هذه المرحلة الحرجة إلى مرحلة تأسيس قاعدة للاستقرار وربما الدعوة لانتخابات بعد تشكيل حكومة
برأيك لماذا تأخير الإعلان عن تشكيل حكومة جديدة؟
الإعلان عن تشكيل الحكومة الجديدة يتطلب مشاورات لإن البلاد في مرحلة تغيير جذري للبنية السياسية التي سيطرت فيها جماعة الإخوان المسلمين لمدة عشر سنوات ورهنت تونس سياسيا واقتصاديا فهناك أربع فئات تدور في فلك تنظيم الإخوان وهي أن الموالي لهم إما أن يكون معلنا وإما يتم تنصيب شخص يظهر أنه مدني مستقل وهو ليس كذلك وإنما ينفذ ما يمليه عليه تنظيم الإخوان وإما يكون مستخدم كما يحدث مع كثير من رجال الأعمال الذين لا ولاء ولا وطنية ولا ضمير لهم أو يكون أداة للتخريب سواء كانت جماعات عقائدية أو أخرى مسلحة خارجة عن القانون لذلك فلابد من إجراء مشاورات قبل تشكيل الحكومة لكن أعتقد أنها لن تستغرق وقتا طويلا
ما آليات تحرك الرئيس التونسي لمحاربة الفساد؟
الإصلاحات بدأت في تونس وتحديدا في القطاعين المالي والصحي ولا يمكن محاربة الفساد إلا بتكييف القضايا تكييف قانوني فلابد من تطهير القضاء الذي حدثت فيه بعض الخروقات وهذا مثبت من خلال اعترافات الكثير من القيادات الوطنية التونسية فهناك حديث عن صفقات تمت من قبل الإخوان الذين سيطروا على مفاصل الدولة وأخطرها تسليم البغدادي المحمودي آخر رئيس وزراء في عهد النظام السابق في صفقة بلغت قيمتها 100 مليون دولار بالإضافة إلى الدعم الغير مشروع الذي يأتي لجماعة الإخوان من قطر وتركيا وهو ما أفسد الحياة السياسية والاجتماعية في تونس وألغى الطبقة الوسطى وأصبح جزء كبير من الشعب التونسي يعيش تحت خط الفقر خاصة بعد تأثر البلاد بجائحة كورونا ودخول البلاد في المنطقة الحمراء وانهيار المنظومة الصحية وهو ما حدث جراء انتشار الفساد ووجود نهب ممنهج كما يحدث في العراق.
إلى أي مدى يمكن القول إن المخاوف الأمنية بدأت تعود لتونس مجددا؟
المخاوف الأمنية تكمن في مراقبة الخلايا النائمة وعدم تفلتها والسيطرة على السلاح ومراقبة الحدود فلا أستبعد وجود تنسيق بين هذه الخلايا وقيادات من أنصار الشريعة وجماعة الإخوان في ليبيا في محاولة لاستخدام كل الأساليب التي تمكنهم من مواجهة هذه الإجراءات التصحيحية التي قام بها الرئيس التونسي
برأيك ما دلالات وجود خلافات داخل شورى النهضة؟
لقد كشفت خلال المدة الماضية الكثير من حيل وتلاعبات حركة النهضة وهو ما سوف يحدث شقاق كبير حيث سترمي كل شخصية قيادية الكرة في ملعب الآخر وتتهمه خشية ملاقاة مصيرها المحتوم وأعتقد أن الرئيس التونسي لم يكيف الأمر تكييفا أمنيا وإلا كان سيلجأ لعمل حملات اعتقال وفرض عقوبات قد تصل للإعدام لكنه كيف الأمر تكييفا قانونيا يسمح لقيادات حركة النهضة بأن تواجه متى توفر قضاء نزيه وبالتأكيد سوف يتبرأ كل منهم من أعماله التي عصفت بالحياة السياسية والاقتصادية في تونس حتى وصل الأمر إلى تصفية الخصوم سياسيا فهذه الجرائم لا تسقط بالتقادم وهناك أدلة على تورط الإخوان بالتعاون مع جماعات مسلحة من خارج تونس.
إلى أي مدى تتوقع أن يخضع الرئيس التونسي لمناورات النهضة؟
سوف تواصل النهضة مناوراتها طالما تتلقى الدعم السياسي والعسكري والمالي الخارجي وهذا ما نلمسه في الخطاب الإعلامي للقنوات التابعة للإخوان في مختلف الدول والتي تصف الإجراءات التي اتخذها الرئيس التونسي بالانقلاب وكأن قيس سعيد دخل قصر قرطاج على ظهر دبابة مع أنهم بالأمس القريب كانوا يمدحونه ويقولون إنه سوف يلبي طموحاتهم لأنه كان مستقل ولم يكن مرتشيا أو مرتهنا أما اليوم فتحول من وجهة نظرهم لدكتاتور لأنه أراد أن يطبق روح الدستور وهو أستاذ قانون دستوري وبالتالي فإن هذه المزايدات لم تعد تنطلي على الشارع التونسي أو الشارع العربي.
هل يمكن للشارع أن يحسم الجدل السياسي القائم في تونس؟
الشارع التونسي شارع مثقف وواعي ومصاب بالوجع ويتألم لأنه عاش سنوات صعبة وصلت لحد الموت في الشوارع وأمام المصحات بعد أن كانت المنظومة الصحية التونسية من أهم المنظومات في المنطقة حيث أن لديهم كوادر طبية مميزة ومستشفيات حديثة لكن الوضع الآن أصبح خطيرا بسبب انتشار وباء كورونا كما أن الشعب التونسي الآن أصبح غير قادر على تأمين لقمة عيشه وتعليم أولاده لذلك فإن هذا الوضع أدى لنفاد صبر الشارع التونسي
برأيك ما ملامح المرحلة القادمة في تونس؟
توجد في تونس العديد من الوسائل القادرة على الضغط وإيصال صوت الشارع التونسي مثل منظمات المجتمع المدني والاتحاد التونسي للشغل ونسوة فاعلات وقادرات على إيصال صوتهن فمجلة الأحوال المدنية التي أسسها الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة مكنت المرأة من أن تكون نصفا حقيقيا في المجتمع وتتوفر لها فرصة المشاركة الفعلية في المجتمع وبالتالي فإن كل هذه معطيات تساعد في الحفاظ على بنية المجتمع التونسي وسلمية الانتقال الديمقراطي والحفاظ على هذه الحركة التصحيحية وأتصور أنه بمشورة الأشقاء العرب والزيارات التي قاموا بها لتونس واستيعاب الدول الفاعلة في المجتمع الدولي مثل بريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا لما حصل كل ذلك يجعل تونس تمضي في طريق تصويب لمسار وتصحيح الأوضاع وتفكيك تنظيم الإخوان في معقله الأخير لتعود تونس من جديد رائدة في التعددية والحرية والديمقراطية والصحافة وتعود لتونس كرامتها