أطلق الجيش الليبي منذ أسبوع عملية عسكرية توجه خلالها نحو العاصمة طرابلس لتخليصها من الفوضى التي تسببها ميليشيات محسوبة على التيارات الإسلامية،بالاضافة الى عناصر ارهابية تمثل خطرا على البلاد،وذلك في أعقاب تحريره لمناطق الجنوب الليبي وبسط سيطرته على الحدود بهدف تأمينها.

ومع اندلاع المعارك في العاصمة الليبية،تكشف الوجود العسكري الأجنبي في طرابلس،حيث كشف المتحدث باسم الجيش الوطني الليبي، اللواء أحمد المسماري،خلال مؤتمر صحفي عقده الأحد،أن قوات الجيش الوطني الليبي قد تفاجأت بوجود قوات أميركية عسكرية على الأرض في العاصمة، مضيفا: "تفاجأنا بوجود 300 جندي أميركي بكامل سلاحهم وعتادهم المتطور".

وأوضح المسماري،أن اكتشاف هذا التواجد قد فضح التضليل الإعلامي الذي يمارسه المجلس الرئاسي، حيث كان يروج لنفسه دائما بكونه الجهة الشرعية، التي تستقبل السفراء أو تمنحهم الاعتماد، إلا أن القوات الأميركية متواجدة في الحقيقة بمنطقة سياحية تجمعت فيها غالبية المقرات والبعثات الدبلوماسية، الأمر الذي ينفي ما يدعيه المجلس.

وأضاف المسماري: "ستكشف الأيام القادمة عن المزيد من المعلومات الخاصة بالتواجد الأميركي، وكيف أن طرابلس كانت تدار بطريقة خارج الأطر الطبيعية التي تدار بها العواصم".

وأكدت تصريحات المسماري اعلان  القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا (أفريكوم)، الأحد، عن إجلاء عدد من القوات من ليبيا عبر البحر، بسبب التوتر الذي تشهده البلاد منذ الخميس الماضي.وقال المتحدث باسم القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا، توماس والدهاوزير، في بيان، إن "الحقائق الأمنية على الأرض تزيد تعقد الوضع بشكل متسارع، ولا يمكن التنؤ بما سيحدث".

وأظهر تسجيل مصور قيام فرقاطتين أميركيتين بعملية الإجلاء غربي طرابلس،وكانت الفرقاطتان تتحركان بالقرب من شواطئ طرابلس بعد أن قامتا بإجلاء جنود أجانب من القرية السياحية في منطقة جنزور غربي طرابلس.وأعربت "أفريكوم" في بيانها عن التزامها بـ"الدعم العسكري للبعثات الدبلوماسية ومكافحة الإرهاب وتعزيز الشراكة وتحسين الأمن في جميع أنحاء المنطقة".

وتحرص أمريكا على تقديم الدعم لحكومة الوفاق الليبية،والذي بدأ بمشاركتها في الحرب على تنظيم داعش في مدينة سرت الساحلية والتي إنتهت بهزيمة التنظيم.وتواصل الدعم بعد وصول دونالد ترامب إلى سدة الحكم،وهو ما كشفت عنه الغارات الأمريكية على مواقع لعناصر إرهابية في عدة مناطق ليبية.

وفي فبراير الماضي،ناشد رئيس المجلس الرئاسي، فايز السراج الجنرال توماس والدهاوسر، قائد القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا، بزيادة وتوسيع نطاق التنسيق الأمني والعسكري مع الأجهزة العسكرية والأمنية الليبية، وألّا يقتصر التعاون الاستراتيجي على مكافحة الاٍرهاب. وطالب السراج على هامش مؤتمر ميونيخ للأمن الجنرال توماس والدهاوسر بإعداد برنامج تدريبي ميداني لوحدات عسكرية خاصة بالاستعانة بمدربين من "الأفريكوم".

وأثار ذلك تساؤلات كبيرة حينها خاصة مع تزامنه مع اطلاق الجيش الليبي لعملية تحرير الجنوب،واعتبر خبراء في الشأن الليبي، أن توسعة عمل قوات الأفريكوم في ليبيا، يمكن أن يتجه نحو إنشاء قاعدة عسكرية أمريكية على الأراضي الليبية.وفي وقت سابق، كشف مركز دراسات أمريكي، عن وجود قوات أمريكية ومركز تدريب تابع للجيش الأمريكي في الجنوب الليبي، تستخدم فيما أسماها "الحرب على الإرهاب ضد تنظيم داعش".

ومن جهتها، سارعت الحكومة الهندية،الأحد الماضي،للاعلان أنها سحبت كل قواتها لحفظ السلام التي كانت منتشرة في العاصمة الليبية طرابلس على خلفية "التفاقم غير المتوقع" للأوضاع في المدينة.

وقالت وزيرة الخارجية الهندية، سوشما سواراج، في تغريدة نشرتها على حسابها الرسمي في موقع "تويتر": "الأوضاع في ليبيا تفاقمت بشكل غير متوقع. وهناك قتال يدور في طرابلس. وفي هذا السياق قامت السفارة الهندية لدى تونس بإجلاء كل الوحدة المتكونة من 15 عنصرا في الاحتياط المركزي لقوات الشرطة من المدينة أمس".

وأضافت سواراج: "أشيد بالعمل الممتاز الذي قامت به السفارة الهندية لدى تونس".وأوضحت المسؤولة الهندية أن "السفير الهندي لدى تونس يتحمل أيضا المسؤولية عن ليبيا، ووحدة الاحتياط المركزي لقوات الشرطة التي كانت تنتشر في طرابلس كقوة لحفظ السلام".

أما ايطاليا،فقد انتشرت أنباء إجلاء قواتها من قاعدتها في مصراتة جوا بعد أيام من الاشتباكات على أبواب طرابلس،لكن سرعان ما نفت وزارة الدفاع الإيطالية ذلك،مؤكدة أن إيطاليا ستبقي على بعثاتها العسكرية الحالية في طرابلس ومصراتة، رغم الهجوم العنيف الذي تشنه قوات الجيش الليبي ضد العاصمة الليبية.

وأعلنت الوزارة في بيان أن بعثتها "مياسيت" التي أطلقت في كانون الثاني/يناير 2018، "ستتواصل من أجل جعل أنشطة المساعدة في ليبيا أكثر متانةً وفعالية".وأضاف البيان أن هذه المهمة تهدف إلى "دعم السلطات الليبية في أنشطتها لإحلال السلام والتهدئة في البلاد والسيطرة على الهجرة الخفية والتهريب غير القانوني والتهديدات على الأمن، بما يتلاءم مع نقاط التدخل المحددة من قبل الأمم المتحدة.

ولم تحدد الوزارة عدد العسكريين الموجودين في ليبيا حالياً، لكن من المفترض أن البعثة تضم نحو مئة شخص في طرابلس و300 في مصراتة الواقعة على بعد 200 كلم شرق العاصمة.وقالت قناة "راي نيوز" الإيطالية المقربة من الحكومة، أن قوام القوة الإيطالية في قاعدتها بمصراتة هو 400 جندي و 130 مركبة برية ومركبات بحرية وجوية كما أنها تقدم  الرعاية الصحية والدعم والتدريب والتعليم لقوات الأمن والمؤسسات الحكومية الليبية.

ولا يعد الحديث عن التواجد العسكري الإيطالي في ليبيا بجديد منذ اندلاع الأزمة في العام 2011،حيث أصرت روما على التواجد في الأراضي الليبية،خوفا من تهميش دورها في مستعمرتها القديمة،وذلك تحت ذريعة الجهود الساعية إلى حل الأزمة العصية والوصول بالبلد الممزق إلى حالة من التوافق ترسخ السلام والأمن فيه.

وعلى الرغم من التطمينات التي تسوقها الدبلوماسية الايطالية لتبرير تواجدها لى الأراضى الليبية،فإن الليبيين ينظرون بعين الشك إلى التواجد العسكري الإيطالي في ليبيا، والنوايا الحقيقية التي تكمن وراءه،حيث يشكل دخول قوات إيطالية إلى البلاد، استفزازاً لمشاعر الليبيين الذين لازالت ذاكرتهم تحتفظ بما تعرض له آباؤهم وأجدادهم من ويلات خلال حقبة احتلال ايطاليا الفاشية لليبيا.

وتصاعدت وتيرة الصراع في العاصمة الليبية طرابلس،في وقت تتسارع فيه الجهود اقليميا ودوليا لاقناع الأطراف الليبية المتنازعة بانهاء القتال والعودة الى الحوار.ويخشى الكثير من المتابعين للشأن الليبي من أن يدفع الصراع المتنامي في العاصمة طرابلس  نحو حرب أهلية ستكون نتائجها كارثية خاصة في ظل مع تواصل إنتشار التنظيمات الارهابية وإستغلالها للفوضى،ناهيك عن التدخلات الخارجية واستنزف ثروات الشعب الليبي.