في الوقت الذي أطلق فيه الجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، عملية "طوفان الكرامة"، بهدف تطهير العاصمة الليبية طرابلس من سيطرة المليشيات المسلحة والعناصر الارهابية واستعادة سلطة الدولة، سارعت حكومة الوفاق برئاسة فائز السراج، لاطلاق عملية عسكرية باسم "بركان الغضب" للقيام بما وصفته بـ"تطهير كل المدن من الخارجين عن الشرعية"، في إشارة إلى قوات الجيش الوطني.
وقال الناطق باسم قوات المجلس الرئاسي الليبي، محمد قنونو، خلال مؤتمر صحفي، أن "حكومة الوفاق الوطني، لن تسمح بعسكرة الدولة"، مؤكدا "قدرة وجاهزية قوات الجيش لدحر العدو وحماية مؤسسات الدولة". وتابع: "تحركنا فورا وبناء على خطط محكمة للرد، على هجوم قوات حفتر على طرابلس"، مؤكدا "سنضرب بيد من حديد على كل من تسول له نفسه العبث بأمن ليبيا".
وتصاعدت التساؤلات حول ماهية القوات التي تعول عليها حكومة الوفاق في الحرب ضد الجيش الليبي وذلك منذ اعلان رئيس المجلس الرئاسي الليبي بحكومة الوفاق، فايز السراج، لحالة الاستنفار لمواجهة تقدم القوات المسلحة الليبية. وعلق حينها اللواء أحمد المسماري، المتحدث باسم الجيش الوطني الليبي، قائلًا:"لماذا لم تعلن حالة النفير ضد الذين يقومون بالاستيلاء على المصارف والاعتداء على المتظاهرين؟"
وأضاف خلال مؤتمر صحفي، الخميس الماضي: "ثانيًا، ما هي القوات التي لديك التي تفهم معنى النفير وواجباته؟ نحن كنا نتوقع أن السراج سيصمت على الأقل حتى يستفيد من تقدم القوات المسلحة الليبية، في القضاء على الميليشات الإرهابية وداعش وتنظيم القاعدة، كنا نتوقع أن يصمت حتى يستطيع القضاء على هؤلاء، وبالتالي تكون هناك أرضية مهيأة بشكل جيد لأي عمل مدني سياسي".
وتحدثت تقارير اعلامية عن تركيبة القوات الداعمة لحكومة الوفاق والتي تتألف أساسا من المليشيات المسيطرة على العاصمة الليبية وأبرزها لواء النواصي، أحد أكبر وأهم المليشيات المسلحة الذي ينتمي للحركات الجهادية، وتم دمجه مع قوات المؤتمر الوطني الليبي الذي كان يسيطر على الحكم حتى عام 2014. وبعد دخول فايز السراج العاصمة على فرقاطة إيطالية بات ولاؤه لحكومة الوفاق الوطني الليبي.
وكتيبة ثوار طرابلس، التي يقودها هيثم التاجوري أحد أبرز قادة المليشيات، والذي يوصف بأنه متعدد الولاءات وليس له أيدولوجية فكرية محددة. اختلف مع فجر ليبيا بعد أن كان حليفا لها وخطف عددا من قياداتها، وقد ظهر مؤخرا في مشهد استعراضي مهددا قوات الجيش الليبي.
وعبر فيديو مصور، توعد هيثم التاجوري الذي يقود ما يعرف باسم "كتيبة ثوار طرابلس"، الجيش الوطني بالهزيمة. وزعم التاجوري الذي كان يرتدي ملابس رياضية ويقود سيارة عسكرية بمحور عين زارة جنوب طرابلس، أن الميليشيات لم تستخدم إلا قليلاً من قوتها.
قوة الردع الخاصة، التي يقودها عبد الرؤوف كاره، أحد قيادات المليشيات السلفية وتتمركز في منطقة سوق الجمعة بالعاصمة الليبية طرابلس، اضافة الى لواء المحجوب الذي يتمركز بشكل أساسي بمدينة مصراتة وطرابلس، وهي أهم المليشيات التي تحاول منع الجيش الليبي من التقدم نحو طرابلس.
الأمن المركزي بوسليم، بقيادة عبد الغني الككلي "غنيوة"، والذي يعتبر من أبرز قيادات المليشيات المسلحة، ويتهم بالإشراف على جرائم كبيرة في ليبيا من عمليات اختتطاف ، وتعذيب واعدام. وكانت شعبة الإعلام الحربي التابعة للجيش الوطني، أعلنت إصابة الككلي منذ يومين خلال الاشتباكات التي تشهدها ضواحي طرابلس، فيما سارعت مليشيا الأمن المركزي بوسليم التي يتزعمها لنفي ذلك.
وبالإضافة إلى هذه المليشيات الرئيسية، انضمت مجموعات مسلحة تتبع التيارات المتشددة للقتال ضد الجيش الليبي على غرار قوات أبو عبيدة الزاوية، والتي تتمركز بشكل أساسي في مدينة الزاوية الليبية، ويقودها شعبان هدية المكني بأبو عبيدة الزاوي، والذي سبق أن اعتقل في القاهرة لانتمائه لتيارات جهادية وعلى إثر ذلك اختطف 5 دبلوماسيين مصريين تمت مقايضتهم به، وينسب لهذه المليشيات حرق 10 طائرات بمطار طرابلس قبل سنوات.
وتحدثت تقارير اعلامية عن انضمام قوات عسكرية تابعة إلى لواء الصمود في مصراته بقيادة الإخواني صلاح بادي، للقتال ضد الجيش الليبي. ويعتبر صلاح بادي أحد أبرز قيادات عملية "فجر ليبيا"، ويحمل رقم 71، ضمن قائمة الإرهاب، التي أعلنها مجلس النواب، وشملت أكثر من 75 إرهابيا متورطين في جرائم حرب داخل ليبيا. .
. كما أعلنت قوات ما يسمى "سرايا الدفاع عن بنغازي" المصنفة عربياً على لوائح التنظيمات الإرهابية المرتبطة بتنظيم القاعدة في شمال أفريقيا إنضمامها لقوات حكومة الوفاق في طرابلس والمنطقة الغربية. وفي بيان مسجل ليل الجمعة الماضي، نقلته وسائل اعلامية، أكد آمر السرايا الإرهابي مصطفى الشركسي انضمامهم إلى قوات حكومة الوفاق. وتوعد آمر سرايا الدفاع بالثأر لمن وصفهم بـ"شهداء قنفودة والصابري" من الذين قال بأنهم قتلوا وقصفهم الطيران في بنغازي وألقيت جثثهم في القمامة واصفاً عناصر الجيش بأنهم مجموعات من العاطلين عن العمل الباحثين عن المال.
من جهة أخرى، تحدثت مصادر أمنية أن عدد من قادة التشكيلات المسلحة التابعة لحكومة الوفاق التي تواجه القوات المسلحة العربية الليبية، جنوب العاصمة طرابلس، من المطلوبين قضائيا والهاربون من السجون، على غرار "علي محمد شلادي" والمعروف في العاصمة طرابلس بـ "الباروجي"، والذي ظهر على شاشة أحدى القنوات الفضائية يتلفظ بألفاظ بذيئة ويتوعد الجيش.
وكشفت المصادر الأمنية أن الباروجي، من ضمن المطلوبين قضائيا من قبل مكتب النائب العام بناء على طلب حكومة الوفاق التي تعتمد عليه الآن في مواجهة الجيش، وهو أحد الفارين من سجن بوسليــم في شهر أغسطس 2011 عقب سقوط العاصمة طرابلس في أيدي المجموعات المسلحة، وكان يقضي فترة سجن طويلة منذ عام 2009 بناء على إدانته في عدة قضايا جنائية تتعلق بتهريب السلع التموينية والإتجار بالمخدرات والممنوعات.
وبدوره، أعلن المطلوب للنائب العام إبراهيم جضران والمدرج على قائمة عقوبات مجلس الأمن والولايات المتحدة، عن دعمه لقوات حكومة الوفاق في المنطقة الغربية ضد القوات المسلحة في محيط طرابلس. وطالب الجضران في بيان له الليبيين بالوقوف معه ضد القيادة العامة للقوات المسلحة، والعملية التي أطلقتها باتجاه العاصمة طرابلس.
ويتهم مسؤولون في الجيش الوطني الليبي حكومة الوفاق بالتعويل على المليشيات والعناصر المتطرفة لمواجهة القوات المسلحة، ونقلت صحيفة "الشرق الأوسط"، عن اللواء عبد السلام الحاسي، رئيس مجموعة عمليات المنطقة الغربية التابعة للجيش الوطني، قوله أن "قوات الجيش لا تخوض حرباً نظامية كي نعرف متى ستنتهي الحرب. . . نحن نواجه عصابات"، في إشارة إلى الميليشيات المسلحة الموجودة في طرابلس.
وفي وقت سابق، أكد المتحدث باسم الجيش الوطني الليبي، اللواء أحمد المسماري، إن العاصمة طرابلس "مختطفة" من قبل الإرهابيين. وكشف المسماري، خلال مؤتمر صحفي، عن ارتباطات وصلات مشبوهة بين المجلس الرئاسي وتنظيمات إرهابية، وتحريضه لمواطني مصراتة للمشاركة في معركة طرابلس، مشيرا إلى أن المزيد من الأدلة حول هذا التواصل سينكشف في الأيام القادمة مع تقدم قوات الجيش الوطني الليبي في المدينة.
وأكد المسماري على أن عملية طرابلس منفصلة عن الحل السياسي وهدفها مكافحة الإرهاب مما يكشف نوايا المجلس الرئاسي. ولفت إلى عقد اجتماعات لممثلي الميليشيات من تنظيم القاعدة والإخوان في قطر وتركيا لتوحيد صفوفهم أمام تقدم الجيش الوطني الليبي.
ومع تقدم الجيش الوطني الليبي على الأرض، تتزايد الضغوط السياسية على حكومة الوفاق مع تقديم نائبه رئيس المجلس الرئاسي علي القطراني، استقالته بسبب تفرد السراج بالقرارات وسطوة الميليشيات على الحكومة. وقال القطراني في بيان، إن "سلوك السراج الذي تحركه الميليشيات، لن يقود ليبيا إلا إلى مزيد من المعاناة والانشقاق.
وثمن القطراني تقدم الجيش الوطني الليبي نحو طرابلس، لتخليصها من سيطرة ما وصفها بالتنظيمات الإرهابية والميليشيات الإجرامية المسلحة، مؤكداً أن السراج خرق الاتفاق السياسي الليبي بانفراده بممارسة اختصاصات المجلس بتحريض من هذه الميليشيات.
وتعتبر استقالة القطراني هي الثانية من نوعها بعد استقالة عضو المجلس الرئاسي موسى الكوني وتأكيد عدة أطراف موقعة على الاتفاق السياسي ومشاركة في صياغته، بأن صفة الإجماع قد نُزعت منه. ويرى مراقبون أن هذه الاستقالة تعد ضربة موجعة للمجلس الرئاسى الذي يعاني منذ فترة من التفكك والصراعات نتيجة تفرد السراج بالسلطة وخضوعه للمليشيات.
وتأتي هذه التطورات التزامن مع تصاعد الغضب الشعبي من استهداف المليشيات للمدنيين، . حيث ندد مجلس بلدية الزنتان بالقصف الذي تعرضت له حدوده الإدارية من قبل طيران حكومة الوفاق مساء أول من أمس، انطلاقاً من الكلية الجوية في مصراتة بغرب البلاد، لافتاً في بيان له إلى أن محلة القرية الشرقية تعرضت لغارة جوية لم تسفر عن أضرار بشرية.
ومع فوضى انتشار السلاح وتضارب المصالح لدى قادة عدد من الميليشيات المسيطرة على العاصمة طرابلس، يصر الجيش الليبي على مواصلة عملياته العسكرية التي تأتي بحسب مراقبين بسبب استمرار مشهد الانفلات الامني وسيطرة الميليشيات المسلحة على طرابلس، وضعف حكومة الوفاق على الأرض في مواجهة هذا الخليط من الميليشيات وتعويلها عليها ما أدخل البلاد في أزمة خانقة تستمر تداعياتها منذ ثماني سنوات.