شهدت الساعات القليلة الماضية تطورات عسكرية هامة في العاصمة الليبية طرابلس مع إطلاق الجيش الوطني الليبي لغمليات نوعية تمكن خلالها من تحقيق تقدمات هامة وسط تقهقر واضح للمليشيات المسلحة.وعلى وقع هذه التطورات سارع النظام التركي لاطلاق التهديدات مجددا فيما تصاعدت أصوات حلفائه من جماعة "الاخوان" لاستجداء دعم تركي أكبر في مشهد كشف حجم المأزق الذي تعيشه الجماعة ومليشياتها.

إلى ذلك، حذرت وزارة الخارجية التركية،الأحد 10 مايو/أيار 2020، من أنها ستعتبر قوات الجيش الوطني الليبي، أهدافا مشروعة إذا واصلت هجماتها على مصالحها وبعثاتها الدبلوماسية في ليبيا.وقالت الوزارة في بيان إنه "إذا تعرضت بعثاتنا ومصالحنا في ليبيا للاستهداف فسنعتبر قوات حفتر أهدافا مشروعة". وذكرت كذلك أن الهجمات على مطار معيتيقة في طرابلس، في وقت مبكر من صباح أمس السبت، تشكل "جرائم حرب"، على حد وصفها.


وتعتبر هذه التهديدات مكررة من قبل النظام التركي كلما تعرض لانتكاسات وهزائم جديدة حيث يحاول التغطية عليها بتصريحات عنترية.وهو ما أكده الباحث في الشؤون الاستراتيجية فرج زيدان،الذي رأى أن ما وصفها بـ"التهديدات والعواء" الصادرة عن وزارة الخارجية التركية بشأن استهداف قوات الجيش الليبي، ناتجة عن الخسائر الكبيرة في صفوف العسكريين الأتراك في ليبيا.

وقال زيدان، في تعليقه على بيان وزارة الخارجية التركية، "ندرك تماماً بأن التهديدات والعواء الصادر عن وزارة خارجية أردوغان، ضد الجيش الليبي هي ناتجة عن الخسائر الكبيرة في صفوف العسكريين الأتراك في ليبيا والمرتزقة السوريين، وفشل خطط النظام التركي الإرهابي في الوطية وترهونة، فضلاً عن انتصارات وتقدمات قواتنا المسلحة الباهرة باتجاه عمق طرابلس"، بحسب وصفه.

وتابع زيدان، "جيشنا الباسل هو من يعتبركم أهدافاً مشروعة كقوة غازية تمارس الحرب والعدوان ضد ليبيا وشعبها، وسيسجل التاريخ العسكري في أنصع صفحاته انتصار قواتنا المسلحة العربية الليبية على القوات الإنكشارية للنظام العثماني الأردوغاني وخروجه مهزوماً مدحوراً صاغراً من أرض ليبيا الجهاد ليبيا أرض أحفاد شيخ الشهداء عمر المختار"، على حد تعبيره.

وشهدت الساعات الأولى لصباح الأحد تطورات عسكرية كبيرة حيث شن الجيش الوطني الليبي هجمات نوعية في محوري أبو سليم وصلاح الدين جنوبي العاصمة الليبية طرابلس.وقالت تقارير اعلامية نقلا عن مصادر عسكرية ومحلية إن دفاعات المليشيات بدأت تنهار بسرعة في المحورين المذكورين تحت ضغط الجيش الوطني الليبي.


وأكدت مصادر محلية لموقع "إرم نيوز" الاخباري، أن اشتباكات ليلية عنيفة دارت جنوبي العاصمة، وسط تقهقر للمليشيات، مشيرة إلى أن الوحدات العسكرية وصلت إلى جامعة طرابلس.بدورها أعلنت الكتيبة 134 حماية قاعدة الوطية في بيان أن مليشيات مصراته والزاوية التي كانت تحاصر القاعدة انسحبت من مدينة الجميل بعد منتصف الليل بعد تقدم القوات المسلحة العربية الليبية في طرابلس.

ونجح الجيش الليبي في توجيه ضربات قوية للمليشيات ومرتزقة أردوغان،مع اعلان مقتل قائد ما يعرف بـ"الفيلق الثاني" من مرتزقة تركيا في ليبيا.وأوضحت شعبة الإعلام الحربي، في بيان، أن قوات الجيش الليبي تمكنت من قتل الإرهابي السوري محمد هنداوي، قائد الفيلق الثاني، من مرتزقة تركيا في ليبيا، وذلك خلال عملية نوعية بمحور عين زارة جنوب شرقي العاصمة طرابلس

وأوضح البيان أن الوحدات العسكرية بالقوات الليبية تقوم بعملية نوعية منذ فجر الأحد بمحور عين زاره بهدف استهدافه الإرهابي ( هندواي) ومرتزقة آخرين، وقد تمكنت الوحدات من تنفيذ العملية النوعية هدفها بنجاح وقامت بقتل قائد الفيلق الثاني.

وحققت حكومة الوفاق ومرتزقة ومتطرفين وإرهابيين موالين لتركيا، تقدما مؤقتا في الغرب الشهر الماضي،بالسيطرة على مدينتي صبراتة وصرمان،لكن ما لبث هذا التقدم أن تحول إلى كابوس الآن، بعد أن نجح الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر في ترتيب أوراقه العسكرية بدقة، وبضربات نوعية كبيرة كلفت المليشيات ومرتزقة أردوغان خسائر كبيرة.

خسائر زادت من مخاوف جماعة "الاخوان" التي باتت قياداتها تعيش حالة من الهلع والخوف وهو ما تجلى واضحا في مطالبتها بضرورة زيادة التدخل التركي.وجاء هذا على لسان رئيس مجلس الدولة الإستشاري خالد المشري القيادي في حزب العدالة والبناء الذراع السياسي لجماعة الاخوان المسلمين،الذي طالب المجلس الرئاسي بضرورة تحسين التنسيق العسكري مع من وصفهم بـ"الحلفاء"  في اشارة منه إلى تركيا وقطر.

ويشير كثيرون أن حكومة الوفاق تسببت في جلب التدخل الخارجي في البلاد،وذلك بعد أن قدمت هذه الحكومة كل الدعم لصالح المليشيات وجماعة الإخوان، وأغدقت عليها الدعم المادي والعسكري، وهو ما اتضح في تخصيص السراج نحو 2 مليار دينار ليبي (1.4 مليار دولار أمريكي) لصالح المليشيات المسلحة.

ويتهم الجيش الليبي،تركيا، بقيادة المعارك في المنطقة الغربية لصالح الميليشيات المسلّحة المدعومة من حكومة الوفاق بتمويل قطري.وتاكد ذلك في الهجوم الأخير على قاعدة الوطية الجوية،الذي سبقته تصريحات إردوغان حول استمرار دعم تركيا لحكومة السراج، وللعمليات التي تنفذها الميليشيات التابعة لها ضد الجيش الوطني الليبي، قائلاً إن الأيام القادمة ستحمل "أخباراً سارة" من ليبيا.


وتلقى أردوغان صفعة قوية مع انهيار مرتزقته وحلفائه على أسوار الوطية، ثم أطلق الجيش الليبي، الخميس، عملية "طيور الأبابيل" الجوية ضد العدوان التركي والموالين له، تم خلالها تدمير شحنة أسلحة تركية في مدينة مصراتة، كما تم استهدف الكلية العسكرية في مصراتة، معقل المرتزقة السوريين، وغرفة العمليات التركية بأكثر من 18 ضربة جوية.

وشنت مقاتلات سلاح الجو الليبي الخميس سلسلة من الغارات الجوية استهدفت من خلالها عدداً من المواقع بمنطقة بوقرين شرق مدينة مصراتة.كما استهدف سلاح الجو الليبي مجموعة من الأهداف الاستراتيجية للمليشيات الإرهابية بطرابلس، من بينها معسكر البحرية في منطقة تاجوراء، ومعسكر 27 غرب طرابلس، ومقر الرحبة في تاجوراء، الذي تسيطر عليه عدة مليشيات. 

وأمام خسائره المتواصلة يصر نظام أردوغان على الدفع بالمزيد من المرتزقة الى المحرقة خدمة لحلفائه الاخوان.وأعلن رئيس المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن إرسال دفعة جديدة من مرتزقة أردوغان إلى ليبيا مؤكدا أن إجمالي عدد المقاتلين الذين وصلوا لليبيا بلغ نحو 8250 مرتزق بالإضافة إلى 3300 مجند وصلوا المعسكرات التركية لتلقي التدريب.


وارتكب المرتزقة السوريون القادمين من تركيا جملة من الجرائم أبرزها منتصف أبريل/ نيسان الماضي، حيث هاجموا بدعم من الطيران التركي المسير سجونا محتجزا فيها عناصر وقيادات تنظيم داعش في مدينتي صرمان وصبراتة، وأطلقوا سراحهم.وفور دخول صبراتة، أقدمت المليشيات على تدمير المدينة وحرق مؤسساتها وعلى رأسها مراكز الشرطة وغرفة عمليات "محاربة تنظيم داعش".كما انتشرت جرائم الخطف والسرقة وتخريب معالم المدينة الأثرية والتعدي على المال الخاص والعام، وإعدامات ميدانية ضد عناصر الأمن ما يعد وفقا للقوانين الدولية جرائم حرب.

ومنذ اندلاع المعارك في العاصمة الليبية طرابلس مطلع أبريل/نيسان الماضي،أعلنت تركيا دعمها للمليشيات المسلحة وامدادها بمعدات عسكرية،وذلك بهدف منع سقوط جماعة "الاخوان" ذراع أنقرة في ليبيا والراعي الرسمي لمصالحها ونفوذها هناك.وأسفر هذا الدعم المستمر عن وصول الطرفين إلى حد الاعتماد المتبادل على بعضهما البعض؛ فالإسلاميون يحتاجون إلى دعم أنقرة للدفاع عن أنفسهم في مواجهة الجيش الوطني الليبي، بينما تحتاج تركيا إلى الإسلاميين إن كانت تبحث عن نفوذ في البلاد مستقبلا.

وتؤكد التحركات الأخيرة بيت تهديدات تركيا وصراخ قيادات الاخوان حجم المأزق الذي بات يعانيه هذا التحالف أمام ضربات الجيش الوطني الليبي.ويشير المتابعون للشأن الليبي،أن جماعة "الاخوان" وحليفتهم تركيا سيفعلون كل شيء؛ من أجل ألا تخرج طرابلس آخر معاقلهم عن سيطرتهم،معولين في ذلك على مزيد من الفتن واشعال الحروب في البلاد وتأجيج الصراعات.لكن هذه المخططات المكشوفة لم تعد لها فائدة في ظل إصرار الشعب الليبي على استعادة وطنه وبناء دولته بما يعيد لها تميزها اقليميا ودوليا.