ما حدث في تشاد مؤخرا من هجوم المتمردين على قوات النظام في الشمال والإعلان في 19 أبريل الماضي عن وفاة الرئيس ادريس ديبي إيثنو متأخرا بإصابته في ساحة القتال، لفت أنظار الأفارقة الى الخطر الذي يشكله وجود المقاتلين الأجانب والمرتزقة داخل الأراضي الليبية، ولا سيما على دول الساحل والصحراء التي تواجه التهديدات الإرهابية وخطر الفوضى نتيجة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الهشة وتعدد الصراعات الإثنية والقبلية والمناطقية، إضافة الى الصراع المحتدم بين القوى الكبرى على النفوذ بالمنطقة.

وكان مسلحو ما يعرف بجبهة التناوب والوفاق المعارضة بزعامة مهدي علي محمد قد أطلقوا في 11 أبريل هجومهم من داخل الأراضي الليبية على إقليم تيبستي الواقع في شمال تشاد، والذي باتوا يسيطرون عليه حاليا، واتجهوا الى إقليم كانم غربي البلاد والمتاخم للحدود مع النيجر، ورغم الخسائر الفادحة التي تعرضت لها قواتهم، فإن التحاق فصائل أخرى بهم وتشكيل ما سمي بالتحالف الرباعي المسلح. زادا من تأزيم الأوضاع الميدانية، التي تتجه لتشهد تحولات حاسمة خلال الأيام القادمة سواء لفائدة قوات النظام أو لفائدة المتمردين عليه.

وفي حين باءت محاولات الوساطة التي تعهدت بها موريتانيا والسودان والنيجر بالفشل بعد رفض المجلس العسكري الانتقالي الحوار مع المتمردين، بدأ العالم في تسليط الضوء بجدية على الجنوب الليبي المفتوح على جميع الاحتمالات، والذي يمثل باتساع مساحته وامتدادات حدوده وتعدد إثنياته وكثرة ثرواته وقلة سكانه، مطمعا للحركات المتمردة والإرهابية، ومقرا لأنشطتها ومنطلقا لتحركاتها ضد دول الجوار، ما دفع بالسفير الأمريكي في طرابلس ريتشارد نورلاند الى الدعوة الى ضرورة التسريع بتوحيد المؤسسة العسكرية الليبية حتى تتمكن من حماية المنطقة الحماية وتحصينها بما يساهم في إرساء السلم الإقليمي.

وشهدت الأيام المصالحة جدلا واسعا داخل ليبيا واتصالات بين الفاعلين السياسيين والعسكريين حول الوضع في إقليم فزان على ضوء المستجدات في تشاد التي ألقت بظلالها على اجتماعات اللجنة العسكرية المشتركة في سرت ، وعلى الاتصالات التي تلقتها وزيرة الخارجية نجلاء المنقوض من نظرائها في دول عدة ، فيما طلب تكتل فزّان بمجلس النواب  من المجلس الرئاسي «القيام بمهامه بخصوص الوضع المتدهور في الحدود الجنوبية والاحداث الحاصلة في تشاد والتعامل مع المرتزقة التشادية الذين يتخذون من الجنوب الليبي نقطة انطلاق لهجماتهم على المدن الليبية والتشادية المتاخمة للحدود الليبية » وفق بيان صادر عنه أول أمس السبت

ودفع الجيش الليبي بتعزيزات إضافية الى إقليم فزان، ويقوم سلاح الجوي بطلعات استطلاعية على مدار الساعة انطلاقا من قواعده هناك، وأعلن رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفّى عن التوصل الى اتفاق حول التنسيق الأمني المباشر مع السودان والنيجر لمواجهة أية تحدّ يفرضها الوضع داخل تشاد.

ودعا مجلس النواب الليبي إلى تكثيف التواجد الأمني على الحدود الليبية التشادية لمنع أي خروقات قد تضر باستقرار البلدين الجارين، مشيرا الى أن أمن واستقرار تشاد أولوية لدى السلطات الليبية لارتباط الوضع الأمني في البلدين، مشددا على أهمية الحرص "على متابعة الوضع في تلك المنطقة، واستمرار التواصل والتنسيق مع الجانب التشادي وعلى أعلى المستويات، من أجل تنسيق العمل المشترك وبما يحافظ على استقرار الأوضاع الأمنية في البلدين الجارين".

كما دخلت الجزائر على خط الأحداث بقوة، وهي التي تتولى رئاسة مجلس السلم والأمن للاتحاد الافريقي في مايو الجاري، وقال وزير الشؤون الخارجية الجزائري صبري بوقادوم، أن محادثات هاتفية، مع وزيرة الخارجية والتعاون الدولي بحكومة الوحدة الوطنية نجلاء المنقوش، تمحورت حول سبل الدفع بمسار السلم والمصالحة في ليبيا، لكن مصادر ديبلوماسية أكدت أن ازمة التشاد وتأثيرات الوضع في الجنوب الليبي على دول المنطقة سيحتل صدارة الاهتمامات في اجتماع المجلس خلال الأيام القادمة بدعوة من دول الساحل الخمسة.

وكان مجلس الأمن الدولي عقد الخميس الماضي أول اجتماع مغلق بطلب من الدول الإفريقية، مخصص لخطر انتشار مرتزقة موجودين في ليبيا، في دول المنطقة، الذي عكسته الحوادث في تشاد المجاورة التي أفضت إلى مقتل الرئيس ادريس ديبي، وربط ممثلو الدول الـ15 الأعضاء في مجلس الأمن بشكل مباشر بين انسحاب المرتزقة والمقاتلين الأجانب من ليبيا وما حدث في تشاد.

وينتمي المتمردون الذي قادوا الهجوم على تشاد من الداخل الليبي الى إثنية التبو ذات الامتدادات في جنوب ليبيا وشرق النيجر واقصى غرب السودان مع أغلبية في الشمال التشادي، وهو ما يعطي الأزمة بعدا عرقيا، تحاول الدول الكبرى تلافي تداعياته على المنطقة ككل.