منذ تسعينات القرن الماضي شكلت مدينة درنة معقلا تاريخيا للتيار الجهادي الليبي الذي كان موحدا ضمن ما يعرف بالجماعة الليبية المقاتلة، بقيادة عبد الحكيم بالحاج، المكنى يومها بــ"أبي عبد الله الصادق". شكلت المدينة خزانا كبيرا للتيار الجهادي ومنها برزت العشرات من القيادات للتيار في أفغانستان والعراق ومالي وغيرها من بؤر التوتر في العالم العربي والإسلامي.

 

في أعقاب اندلاع أحداث 17 فبراير 2011، اتهم العقيد الراحل، معمر القذافي، القاعدة والجهاديين بالوقوف خلف الاحتجاجات التي أدت الى الهجوم على ثكنات ومراكز الجيش الليبي في الشرق ونهب السلاح. لم يكن اتهام القذافي يومها بعيدا عن الحقيقة وتم تعويمه في غمرة الزخم والحماس لــ"الربيع العربي" والدعاية الإعلامية العربية والغربية. يومها دعي الشباب الجهادي بمختلف انتماءاته إلى اجتماع كبير، عقد في مسجد عمر المختار بحي "الجبيلة"، تحت اشراف قيادات تاريخية كالعبد الحكيم الحصادي الذي تحول لاحقا الى ملحق ثقافي ليبي في أندونسيا !!

 

خريف العام 2011 سقط نظام القذافي تحت ضربات حلف الناتو، وانهارت معه سلطة الدولة الليبية. استغل جهاديو درنة الفرصة لجمع السلاح وتشيد مراكز التدريب ومزيد احكام السيطرة على المدينة، التي تحولت الى قاعدة لانطلاقة المجموعات الجهادية ومركز تدريب كبير. ساهمت في ارسال العشرات من الشباب الليبي والمغاربي والمصري الى الساحة السورية والقتال ضمن الجماعات المسلحة هناك. وبدأت تتشكل في هذه الاثناء العديد من الكتائب المسلحة لا يجمعها الا "الفكر الجهادي" وتفرقها المصالح وشهوات التوسع:

 

-          مجموعة سفيان بن قومو: وهو سجين ليبي سابق في معتقل غوانتانامو أتهم بالوقوف وراء الهجوم الذي استهدف القنصلية الأميركية في بنغازي الليبية في سبتمبر 2012، والذي أسفر عن مقتل السفير الأميركي كريستوفر ستيفنز وثلاثة أميركيين آخرين.أطلق سراحه من غوانتانامو سنة 2007 وتم تسليمه للسلطات الليبية. لدى مجموعته علاقات واسعة بتنظيم أنصار الشريعة ببنغازي، وقد ورد اسمه في اعترافات الخلية التي قامت باختطاف الصحفيين التونسيين المختطفين في ليبيا، نذير القطاري وسفيان الشورابي.

 

-          كتيبة شهداء أبو سليم: ضمت في البداية كل أبناء التيار الجهادي في المدينة ثم انشق عنها العشرات بعد أن تعاونت مع رئيس المجلس الليبي الانتقالي السابق مصطفى عبد الجليل خاصة خلال زيارته الى مدينة درنة. واتخذت الكتيبة من عبارة (التوحيد أولاً) شعارا لها، وكان صاحب هذا الشعار "إبراهيم عزوز" العائد من "مالي" الذي توفي إثر حادث سير إبان أحداث فبراير 2011. ويتركز نشاطها في مدينة درنة، أقصى شرق البلاد. وتنشط في إطار يتكون التيار الجهادي الليبي الواسع المتكون من مجاميع مسلحة موالية في أغلبها لتنظيمي القاعدة وداعش، على المستوى الفكري في الحد الأدنى، وتشتغل من خارج الدولة في مشروع تقويض جذري لما هو قائم وتأسيس "دولة/إمارة إسلامية " تحتكم إلى الشريعة. كما نشطت الكتيبة في مجال تسفير الشباب الليبي والمغاربي الى سورية للنخراط في الجماعات المسلحة هناك. وتزعمها سالم دربي، الذي قتل على يد عناصر من تنظيم الدولة الإسلامية – داعش-الأسبوع الماضي.

 

-          كتيبة أنصار الشريعة: وهي فرع لجماعة أنصار الشريعة التي تأسست في مدينة بنغازي، كانت على علاقة عداء مع كتيبة شهداء أبو سليم. وقد حاولت اغتيال زعيمها سالم دربي في شهر يوليو 2014 في درنة، عندما حاول مسلحون مجهولون مهاجمته وأطلقوا عليه وابلًا من الرصاص، إلَّا أنّه لم يصب بأذى. في أعقاب عمليات اغتيال متبادلة بين كتيبة أبوسليم ومجموعة محسوبة على أنصار الشريعة، وكان آخر ضحاياها محمد أبوبلال، قائد كتيبة أبوسليم السابق الذي قُتل جراء تفجير سيارته بعبوة لاصقة في شارع البحر في مدينة درنة.

 

-          مجلس شورى شباب الاسلام/داعش : في مطلع أبريل 2014 ،أعلن تنظيم ذو توجهات سلفية جهادية يطلق على نفسه "مجلس شورى شباب الإسلام" و يتمركز  بمدينة درنة في أقصى الشرق ، عن تشكيل ما يسمى بــ" لجنة شرعية لفض النزاعات والصلح بين الناس بشرع الله" على حد تعبيره، و مهمتها "تطبيق الشريعة "على حد زعم القائمين عليها، وذلك خلال استعراض عسكري كبير نسبيا، كشف عن امتلاك القوى الجهادية في البلاد عن أسلحة ثقيلة و متطورة ،مما يجعل مدينة كدرنة نخضع كليا لسيطرة الجماعات الجهادية التي منعت إجراء حتى الانتخابات المحلية في المدينة في وقت سابق لتعارضها مع "الشريعة الإسلامية" حسب زعمها و قد ضم التنظيم الجديد العشرات من المجموعات الجهادية الصغيرة المعروف عنها التطرف و النزعات التكفيرية منها :طلائع الخلافة وكتيبة الموت وكتيبة البراء بن مالك. هذا التنظيم الجديد سيتحول مع بداية سبتمبر 2014 الى فرع تنظيم الدولة الإسلامية – داعش-تحت اسم "ولاية برقة".