أفضت الانتخابات الرئاسية التي جرت يوم 17 أبريل بالجزائر، إلى إعلان الرئيس عبد العزيز بوتفليقة رئيسا لولاية رابعة. ورسمت مشهدا لما بات يعرف بالثنائية القطبية. يمثلها في السلطة جناح الرئيس، وهم الأحزاب الموالية لبوتفليقة، وقطبا معارضا برز علي بن فليس منافسه العنيد في الإنتخابات ليكون أهم وجوه المرحلة المقبلة. ما يتحدث عنه السياسيون في الجزائر منذ الإعلان عن نتائج الرئاسيات، هو ما سيكون من قرارات وتغييرات تقدم عليها السلطة لصالح الشعب مثلما وعد رجال الرئيس خلال حملتهم الإنتخابية. أهم ملامح المشهد السياسي المنتظر وفقا لهذه التحاليل، هو أن يتم تغيير بعض الوجوه المقربة من رئيس الجمهورية، متنحية عمارة بن يونس وعمار غول، وربما عبد المالك سلال بالنظر ببخطاب الذي أساء كثيرا لسمعة الرئيس وأحرجه أمام الشعب. يضاف إلى هذا، احتمال أن يتم حل البرلمان وإعلان انتخابات برلمانية مسبقة. أو أن يتم تعديل الدستور وتعيين نائبا للرئيس. وهذا كله احتمالات واردة بدأت تظهر بعض من ملامحها وفقا لتسريبات من محيط بوتفليقة. بالموزاة مع هذا. ينتظر أيضا أن يتم اطلاق مشاورات السلطة مع الطبقة السياسة من موالاة ومعارضة قصد فرض الأمر الواقع وإظهار السلطة لنيتها في تحقيق وعود بوتفليقة. لكن المعارضة على العكس متوجسة من أن يتبقى سياسة الحكومة نفسها خاصة ما يوصف بغلق اللعبة السياسية وشراء السلم الاجتماعي.
نتائج الإنتخابات أظهرت حقيقة المترشحين شعبيا...
أفضت نتائج انتخابات ال 17 من أبريل، إلى فوز الرئيس بعهدة رابعة على رأس الجزائر، مما يعني أنه فترة حكم بوتفليقة ستمتد بحساب عدد العهدات إلى عسرين سنة. وهو بذلك يكون أول رئيس جزائري يعمر على كرسي الرئاسة في البلاد.
الإنتخابات الرئاسية أكدت أن حزب العمال الذي تقوده لويزة حنون، ما هو إلا حزب مجهري لا يملك من الأصوات الناخبة سوى عدد مناضليه الذي لا يعدى 200 ألف ناخب. بينما أخرجت رئيس الجبهة الوطنية الجزائرية موسى تواتي من الباب الضيق خاصة وأن حزبه عرف حركة تصحيحية، وهو ما سيؤثر على مستقبله السياسي مع اطاراته. بينما أظهرت النتائج بروز وجه سياسي جديد هو بلعيد عبد العزيز رئيس جبهة المستقبل الذي حل في المركز الثالث مما يطرح تساؤلات عن قدرة هذا الأخير على التمركز مستقبلا ضمن خارطة الساحة السياسية خاصة وأنه يسير ضمن الأطراف التي انتهجت خطابا معاديا للسطة، بينما علي فوزي رباعين الذي لم يحقق ما يطح إليه وأظهر بأنه بعيد عن التغلغل شعبيا.
وبالنظر للأرقام المقدمة من طرف وزارة الداخلية، فإن نسبة المشاركة في انتخابات رئاسية في دولة كالجزائر التي تعيش حراكا سياسيا وشعبيا ملفتا للنظر، تؤكد بأن قرابة نصف الجزائريين المسجلين ضمن الهيئة الناخبة لم يشاركوا في التصويت. حيث كانت المشاركة في حود 51 في المائة من المسجلين شاركوا في العملية. بينما نسبة المقاطعة بلغت 49 في المائة، يضاف إليها الأصوات الملغاة والتي تعبر هي الأخرى عن مقاطعة من نوع آخر.
إذا أخذ بعين الإعتبار ما حققه كل مترشح على جانب، يتضح بأن الرئيس المترشح عبد العزيز بوتفليقة يكون قد حصل على ثمانية ملايين صوت من اصل قرابة 40 مليون جزائري. أي أن أقل من نصف الناخبين المسجلين والمقدر عددهم بأزيد من 22 مليون، ناخب. بينما المترشخ علي بن فليس الذي تحدث عن ملايين الأصوات التي تسانده، لم يحصد سوى حوالي مليون صوت فقط. وهو ما قد يسمح للمرشح والمنافس الوحيد لبوتفليقة أن يجعل من هذه الأصوات قاعدة نضالية لحزبه الذي تحدث بخصوصه عقب الإعلان عن موقفه من النتائج.
لويزة حنون بدت أن قاعدة حزبها النضالية هي فقط من صوت عليها بدليل أنها لم تحصل إلا على حوالي 140 ألف صوت فقط. وهذا جعلها تعرف جيدا شعبيتها التي لم تتجاوز عدد مناضلي حزب العمال الذي تنتمي إليه.أما موسى تواتي فنسبة 0.5 في المائة من عدد الأصوات تعد دليلا قاطعا أن الجبهة الوطنية الجزائرية لم تستطع أن تتجذر شعبيا حيث لا يتجاوز مساندوها 10 ألاف ناخب. وتواتي سبق وأن لاقى متاعب مع قياديين في حزبه واهتموه بالفساد، ولعل ذلك ما جعله يلقى ما يشبه العقاب من طرق شريحة واسعة من مناضلي الجبهة.
رجال بوتفيلقة وعدوا الشعب بالسكن والأمن ومزيدا من التمنية..لكن هل تتحق الوعود؟
أهم ما ميز خطاب وكلاء الرئيس المترشح في حملته الإنتخابية، هو لغة الوعود التي كثيرا ما رددها كل مرشح إن هو حضي بثقة الشعب. فالوزير الأول عبد المالك سلال الذي طاف 48 ولاية قبل الحملة الإنتخابية. نزع غطاء الوزير الأول ولبس جبة مدير حملة بوتفليقة. وكان معه كل من الوزير الأول الاسبق ومدير ديوان الرئاسة أحمد أويحي وكذا أمين عام حزب جبهة التحرير الوطني عبد العزيز بلخادم ورئيس حزب تجمع أمل الجزائر عمار غول، ومذا كل من عمارة بن يونس رئيس حزب الحركة الشعبية الجزائرية، وأيمن عام الحزب الحاكم عمار سعداني. فهؤلاء الذين سماهم الإعلام الجزائري ب" الوكلاء السبعة " صالوا وجالو عبر الولايات الجزائرية لشرح برنامج الرئيس لعهدة رابعة. وأهم ما تم طرحه من رؤى مستقبلية كما ردده عبد المالك سلال وأويحي والآخرون، إنصب على وعود الرئيس لشعبه بإستكمال مشاريع التنمية التي بدأها في العهدة المنتهية، أهمها الإسراع في وتيرة الإنجازات سواء تعلق الأمر بالشق الإقتصادي، أو الإجتماعي، أو السياسي.
كما تميز خطاب أركان حملة بوتفيلقة بالتركيز على ما سيكون من اصلاحات سياسية تعزز ما تم انجازه من طرف الرئيس في عهدته الثالثة. والمقصود به حسب وكلاء بوتفليقة، هو تعزيز الصرح المؤسساتي السياسي للبلاد من خلال قوانين مطابقة للتحولات التي يشهدها محيط الجزائر الإقليمي والدولي. وكان كلام بلخاجم وسعداني وبن يونس وغول كله منصبا على فكرة واحد تمحورت حول استقرار الجزائر. وهو التهديد الخارجي الذي يحدق بها أن لم يصوت الشعب على الرئيس. وجاءت وعود هذا الأخير حول تعزيز مشروع السلم والمصالحة الوطنية مفيدة لإقناع الناخبين بأن الأولى أن لا لايكون هناك عودة لسنوات الإرهاب التي شهدتها في تسعينيات القرن الماضي.
لكن بالمقابل أعابت المعارضة في الجزائر ما ساقه بعض قادة أركان حملة بوتفليقة من اساءة للشعب خاصة ما قاله سلال وعمارة بن يونس. وهو ما اعتبر اهانة للجزائريين ودعوة للجهوية. خاصة لما يتحدث الوزير الأول عن سكان منطقة الشاوية بالسخرية كما ردده الإعلام الجزائرين وهو الأمر الذي أدى إلى موجة من الاحتجاجات والرفض. وكانت النتيجة نسبة تصويت كبيرة لصالح بن فليس كما قال هذا الأخير في إحدى تصريحاته للصحف الجزائرية.
سياسيون ومحللون يستشرفون مستقبل الجزائر ورهانات ما بعد الرئاسيات
يعتقد عديد السياسيين في الجزائر أن الجزائر ملزمة بدخول مرحلة انتقالية تؤسس لما بعد النظام الحاكم. لكن بعضهم يرى أن السلطة ملزمة بالتغيير والإستجابة لمطالب أحزاب معارضة وعامة الشعب الذي يرغب في اصلاحات جذرية. في حين يرى آخرون أن من بين ابرز التحديات التي ستواجهها الجزائر بعد هذه الإنخابات هي مشاكل التنمية من سكن، تشغيل، وتعزيز المشاريع الاستثمارية. بالمقابل يذهب آخرون إلى التأكيد من أن المرحلة المقبلة ستعرف مزيدا من الابتزاز الخارجي والضغط على الجزائر كي تقدم تنازلات. وسيلجا النظام حسبهم إلى إعادة التموقع من جديد من خلال اصلاحات سياسية ترمي لإخماد نار الغضب الشعبي. وعلى المستوى السياسي ينتظر أن يتم تعديل الدستور كما تطالب به أحزاب الموالاة، ومن المتوقع أيضا أن يتم تغيير بعض الوجوه في السلطة حتى تبدو مرنة وتضفي بعض الرضى الشعبي الساخط على بعض الوجوه المقربة من الرئيس الحالي.
لخضر بن خلاف ( جبهة العدالة والتنمية )" العهدة الرابعة بمثابة خطر محدق على الجزائر
قال القيادي بحزب جبهة العدالة والتنمية لخضر بن خلاف في تصريح لبوابة أفريقيا الإخبارية أن المرحلة المقبلة ستكون الأخطر على مستقبل الجزائر بسبب الوضع الصحي للرئيس الفائز بولاية رابعة عبد العزيز بوتفلقية، والغموض الذي يكتنف طريقة تسيير البلاد مستقبلا. وأضاف بن خلاف قائلا "الوضع الذي نعيشه وضع غير سليم وغير صحيح. الحكومة القادمة ستبدأ تواجه مشاكل الاحتجاجات خاصة في الجانب الإجتماعي. كما أن الاقتصاد ليس على ما يرام فالجزائر تعتمد بنسبة 98 بالمائة على مداخيل المحروقات" مشيرا كل سيؤثر على المشهد السياسي .
وتدعو جبهة العدالة والتنمية على حد قول القيادي بن خلاف، إلى إعادة النظر في كل الهيئات التي جاءت عن طريق انتخابات مشكوك في شرعيتها على حد تعبيره كما تحدث عن المرحلة المقبلة باعتبارها مرحلة انتقالية وجب على السلطة خلالها الرجوع إلى المسار الانتخابي الصحيح، بالتفكير من الآن بمرحلة تتم فيها مراجعة الدستور بمراجعة توافقية من الأحزاب والشخصيات في أقرب وقت.وحدد المتحدث ما هو مطلوب من السلطة مستقبلا بالقول أن على هذه الأخيرة أن تتفهم الوضع وتتعاون مع جميع الأطرف السياسة من أحزاب وشخصيات لوضع ميثاق يحدد ويضبط الأمور كي يكون هناك تغيير للنظام بالطرق السلمية السلسة.
جبهة التغيير تصر على المرحلة الإنتقالية
من جانبها اعتبرت جبهة التغيير بقيادة عبد المجيد مناصرة في بيان تحوز بوابة إفرقيا الإخبارية على نسخة منه، أن الانتخابات في الجزائر لم تكن فرصة للتغيير لأن هذا الأخير كان مؤجلا بأمر من السلطة إلى وقت آخر، كما أنها لم تكن وسيلة لحل الأزمة بل عمقتها وعقدتها أكثر.وأضاف الحزب أنه " إذا كان التزوير سهلا فإن تسيير المرحلة الحالية سيكون صعبا كما لن يقبل الشعب بمزيد من الاستبداد والفساد والظلم والعجز الحكومي والإخفاق التنموي"
لتعتبر المرحلة الحالية والمقبلة بمثابة مرحلة انتقالية بامتياز تتطلب الالتفاف حول مبادرة للتوافق الديمقراطي تجمع الجميع دون إقصاء في حوار وطني و حول أجندة تعالج الأزمة وتمتن أركان الوحدة الوطنية وتفتح آفاق ديمقراطية للبلاد.مؤكدة أنه على السلطة أن تتجاوب مع مقترحات المعارضة لتحقيق انتقال هادئ إلى نظام ديمقراطي حر عبر دستور توافقي وإصلاح النظام الانتخابي وتوسيع مجال الحريات والوصول إلى بناء مؤسسات تمثيلية بإرادة الشعب.
النشاط السياسي محند أرزقي فراد: الفترة المقبلة ستكون مرحلة انتقالية
يري المؤرخ والمحلل السياسي الجزائري أرزقي فراد أن " العهدة الرابعة للرئيس الفائز في الانتخابات الرئاسية عبد العزيز بوتفليقة ستكون بمثابة مرحلة انتقالية كون السلطة في الجزائر لا تملك البديل خاصة في ظل الضغوطات التي تمارسها أغلب الأحزاب السياسية والتي تطالب جميعها بمرحلة انتقالية لتأسيس جمهورية ثانية. "وقال أرزقي فراد في حديثه لبوابة أفريقا الإخبارية أن المرحلة المقبلة للجزائر مثيرة للقلق وتحمل العديد من التساؤلات عن من سيحكم البلاد خلال الخمسة سنوات القادمة التي تمثل عهدة الرئيس الرابعة في ظل عجز هذا الأخير عن تأدية مهامه الدستورية وهي الصورة التي ظهر عليها أمام العالم خلال تأديته لواجبه الإنتخابي على كرسي متنقل.وطرح فراد ثلاثة سيناريوهات لتسيير الجزائر في المرحلة المقبلة أولها إجراء تعديل دستوري ومنح صلاحيات الرئيس لنائبه، أما السيناريو الثاني فهو أن تمنح صلاحيات الرئيس لصالح مدير ديوانه أحمد أويحي لتسير البلاد بالوكالة وكفرضية ثالثة تحدث فراد عن إحتمال أن تخرج إدارة البلاد من مؤسسات الدولة إلى محيط الرئيس المتمثل في عائلته والمقربون إليه.
كما توقع فراد أن تحمل العهدة الرابعة للرئيس الكثير من الصراعات والتغييرات في أعلى هرم السلطة، من منطلق أن العديد من الوزراء والمشرفين على الحملة الانتخابية لبوتفلقية بداءو حرب تموقع للفوز بمنصب نائب رئيس أن حدث تعديل دستوري يستحث هذا المنصب كما هو متوقع.وأشار فراد إلى احتمال أن تكون العهدة الرابعة بمثابة الحاضنة للتحول إلى مرحلة انتقالية بطريقة سلسة وفي أجواء مستقرة باعتبار أن هناك نسبة كبيرة من الرأي العام سواء الذي يمثل الطبقة السياسة والمجتمع المدني يطالب بهذه المرحلة والاستعداد لوضع دستور جديد وفق السيادة الشعبية تخرج الجزائر من دولة الأشخاص التي تسرها الأهواء التي اسسها العسكر إلى الجمهورية الثانية القائمة على المؤسسات مضيفا أن النظام هو الأخر من مصلحته تسيير المرحلة المقبلة على أساس أنها مرحلة انتقالية، بالنظر إلى الظروف الإقليمية وكذا الداخلية.
المكلف بالإعلام في حركة النهضة: الجزائر ستدخل مرحلة الابتزاز الدولي
يرى محمد حديبي القيادي في حركة النهضة ( الحزب الإسلامي المعارض ) من جهته، أن المرحلة المقبلة من فترة حكم بوتفليقة، تعني أن البلاد ستتعرض لمزيد من الإبتزاز الخارجي. كيف ذلك؟يجيب المتحدث في رده على سؤال " البوابة " بالقول إن الوضع السياسي سيبقى على حاله. وأمام الجزائر المزيد من التدخل الأجنبي في شؤونها. " سنعيش مرحلة الإبتزاز الخارجي على ثلاثة جبهات.." يضيف المتحدث. أولها حسبه، تدخل يهدد السيادة الوطنية في قراراتها.وايضا على صعيد نسقها الاستراتيجي " بينما يتزايد التكالب الدولي على ثرواتنا الباطنية ". وقد يتحول للأسوء في ظل بقاء نفس السياسة التي تنتهجها السلطة. فالخروج من الأزمة حسبه، لن يكون بتركيبة الحكومة الحالية كما أن اللوبيات المحيطة بالرئيس تتكالب على " تركة الرجل المريض " على حد وصف محدثنا.
وعن ملامح جزائر ما بعد الرئاسيات، يقول المتحدث " إن الهوة أزدادت بين الشعب والنظام.." خاصة بعد اقحام الطرف الخرجي في اللعبة السياسية. ولا تتوقع حركة النهضة أن يتم حل البرلمان لكن قد تقدم السلطة على اصلاح سياسي لامتصاص غضب الشارع. في حين لن يقع تغيير حقيقي في الساحة السياسية لم تتوحد المعارضة في صف واحد.
بوتفليقة قد يضطر للتخلي عن بعض الوجوه ارضاء للشعب...
حسب ما يتم تداوله من طرف بعض المتابعين للمشهد السياسي الحالي، فإن الرئيس الفائز بولاية رابعة على رأس الحكم بالجزائر، سيضطر إلى اضفاء بعض التغييرات على الوجوه التي تحيط به، ابرزههم رئيس تجمع أمل الجزائر عمار غول، الذي يغل حاليا منصب وزير النقل. وكذا وزير الصناعة عمار بن يونس رئيس حزب الحركة الشعبية الجزائرية. هذا الأخير يكون قد اغضب الرئيس لما شتم الشعب بطريقة غير سياسية مما أغضب شريحة واسعة من الجزائريين. ويتردد من بعض المصادر أن الحكومة المقبلة سيتعرف وجوها جديدة.