جاء الإعلان الأحد الماضي عن القبض على زعيم حزب « قلب تونس » نبيل القروي وشقيقه عضو البرلمان المجمّد غازي القروي ، ليلفت الانتباه من جديد الى ملف الملاحقات الأمنية والقضائية على إثر التدابير الاستثنائية التي اتخذها الرئيس قيس سعيد في الخامس والعشرين من يوليو ، والى التحولات الواضحة في موازين القوى بالبلاد ،
في 15 يونيو الماضي ، غادر نبيل القروي السجن المدني بالمرناقية بعد ستة أشهر من توقيفه بتهم تتعلق بغسل الأموال والتهرب الضريبي ، تلاحقه منذ العام2017 ، وأمضى القروي أكثر من شهر في السجن قبل خوض الانتخابات الرئاسية في العام 2019، وبعد الانتخابات أوقف مجددا يناير 2020 في القضية نفسها. وبحساب مجموع فترات التوقيف انتهت المدة القصوى والتي قدرها قانون يوليو2017 ب14 شهرا على غرار" الايقاف التحفظي".
وبعد الإفراج الأخير ، أكد نائب وكيل الجمهورية بالمحكمة الابتدائية بتونس ورئيس وحدة الاعلام والاتصال بها محسن الدالي، أن قاضي التحقيق بالقطب القضائي المالي المتعهد بالبحث في القضية المتهم فيها كل من رئيس حزب قلب تونس نبيل القروي وشقيقه غازي القروي، قرر رفع تحجير السفر عنها والمفروض عليهما منذ يوليو 2019 مع تجميد أموالهما.
وقد غادر نبيل القروي ، المتحالف مع الإخوان ، تونس في اتجاه فرنسا حيث قضى أكثر من أسبوعين ، وعاد الى بلاده في 22 يوليو ، لكن زلزال 25 يوليو والتدابير المعلنة بحل الحكومة وتعليق صلاحيات البرلمان ورفع الحصانة عن أعضائه ، أعاد إليه شبح الملاحقة القضائية بسبب العلاقة السيئة بينه وبين الرئيس سعيد الذي كان منافسا له في الدور الثاني من رئاسيات 2019 ، حيث كثيرا ما وجه سعيد الى حزب قلب تونس وكتلته النيابية ( 29 مقعدا ) تهما تتعلق بالفساد ورفض تشريكه في أية مشاورات أو حوارات سياسية
أغلق القروي هاتفه واختفى عن الإنظار نهائيا ، وكان هناك من يسعى الى ترويج معطيات خاطئة تفيد بأنه لا يزال في باريس ، لكن السلطات الرسمية كانت تعلم أنه عاد الى تونس ، ومعه كان شقيقه غازي المتهم في ذات القضية ، والذي كان يتخفى وراء الحصانة البرلمانية ، لكن رفعها عنه كان قد وضعه في عين العاصفة من حيث التهديد بالتوقيف في أي حين وكذلك من حيث معرفتهما بأنهما ممنوعان من السفر عبر المنافذ الرسمية ، فاختار  الشقيقان عبور الحدود خلسة في اتجاه الجزائر ليقيما بعض الوقت بمدينة تبسة الحدودية قبل إلقاء القبض عليهما
وخلال العقود الماضية ، لجأ سياسيون تونسيون من بينهم أحمد بن صالح ،أحمد نجيب الشابي ومحمد مزالي وراشد الغنوشي عبور الحدود نحو الجزائر خلسة بسبب ملاحقتهما داخل البلاد سواء في عهد بورقيبة أوبن علي ، ولكنهم كانوا يتجهون مباشرة الى السلطات الأمنية لتسليم أنفسهم والاتجاه الى السلطات بطلب المساعدة لتسمح لهم بالسفر من هناك الى حين يشاؤون ، ولكن الشقيقين القروي لم يفعلا ذلك، وهو ما وضعها في موقف محرج مع النظام الجزائري ،
والأسبوع الماضي ، اعترض رجل الأعمال سليم الرياحي خلال جلسة محاكمته الأولى بإحدى محاكم اليونان، على طلب ترحيله إلى تونس، مؤكدا أن الحكم الذي صدر ضده في تونس بالسجن لمدة 11 عاما هو حكم "مسيّس"، وفق ما كشفته تقارير اعلامية
واعتقل الرياحي وهو مترشح رئاسي سابق وزعيم الإتحاد الوطني الحر والرئيس السابق لفريق النادي الإفريقي ،تنفيذا لقرار ضبط صادر عن الإنتربول ، وذلك على إثر حكم غيابي في حقه أقرته الدائرة الجنائية بالقطب القضائي المالي، في ديسمبر 2019 بتهمة غسل أموال ، وجاء بناء على تقرير للجنة التحاليل المالية، التي أكدت تورّط الرياحي في عمليات غسيل أموال
 وحضر الرياحي امام القضاء اليوناني مرفقا بمحاميين أجنبيين باعتباره يحمل جنسية أجنبية إلى جانب الجنسية التونسية ،واتهم رئيس الحكومة الأسبق يوسف الشاهد وكبير القضاة في تونس الطيب راشد ومسؤولين آخرين في الدولة، بالتلاعب بملفه لتوريطه، على حد تعبيره.
 وقرر القضاء اليوناني ترك سليم الرياحي بحالة سراح مقابل كفالة مالية مع بقائه بالولاية التي يقيم بها ومنعه من مغادرتها دون أن يتم وضعه قيد الإقامة الجبرية بمنزله، إلى جانب تحديد جلسة ثانية الأسبوع الجاري لمحاكمته.
 وكان المستشار لدى رئيس الجمهورية التونسية وليد الحجام أكد في 23 أغسطس خبر اعتقال الرياحي ، وقال إن الرئيس قيس سعيد أسدى تعليماته بالتحرك لتسليم المعني بالأمر إلى السلطات التونسية في إطار التعاون القضائي بين البلدين.
 ويواجه عدد من السياسيين في الداخل التونسي ارتدادات زلزال 25 يوليو الماضي ، حيث أدى تعليق عمل مجلس نواب الشعب ورفع الحصانة عن اعضائه الى ارتباك في صفوف النواب ، ولاسيما ممن تورطوا سابقا في جرائم وممارسات يعاقب عليها القانون ، واستغلوا حصانتهم البرلمانية للتهرب من تبعاتها القضائية
ويوجد حاليا بالسجن نائب يقضي محكوميته ، ونائبان تم توقيفها على ذمة التحقيق ، وفيما تحصن عدد من النواب بالفرار اختار آخرون البقاء خارج البلاد خشية أن تطالهم يد العدالة ، وهم في الغالب ممن سافروا قبل صدور قرار بمنع أعضاء البرلمان من السفر ، وهو ما برره الرئيس سعيد خلال زيارته الى مطار تونس قرطاج في 16 أغسطس بأنه جزء من الجهود المبذولة لمنع الأشخاص المشتبه في تورطهم بالفساد، أو في أنهم يشكلون تهديداً أمنياً، من الفرار من البلاد، وفق تعبيره
ويواجه عدد من أعضاء كتلة ائتلاف الكرامة الاخواني ملاحقات قضائية بسبب هجومهم على مطار تونس قرطاج الدولي في مارس الماضي لإجبار السلطات الأمنية العاملة داخله على السماح بالسفر لإحدى التونسيات المدرجات ضمن قوائم الممنوعين من المغادرة نتيجة علاقتها بالإرهاب
وتشمل قائمة الملاحقين الصادرة بشأنهم بطاقات ضبط وإحضار من القضاء العسكري رئيس الكتلة سيف الدين مخلوف وأعضاءها محمد عفاس وماهر زيد وعبد اللطيف العلوي ونضال السعودي
وكان ائتلاف الكرامة الذي يمثل الذراع العنيفة للإخوان داخل البرلمان ، أبرز حلفاء حركة النهضة ، وتورط في التعدي البدني واللفظي على عدد من النواب من بينهم زعيمة الحزب الدستوري الحر عبير موسي
وقرر المكتب السياسي لحزب ائتلاف الكرامة تكليف نائب آخر وهو يسري الدالي بمهمة رئاسة المكتب السياسي للحزب، وأحمد بلغيث بخطّة ناطق رسمي باسمه
وجاء ذلك بعد أن أعلن رئيس المكتب السياسي السابق وعضو الكتلة للبرلمانية للائتلاف النائب عبد اللطيف العلوي استقالته من العمل النيابي والنشاط السياسي عموما، وقال إنه سيعود الى الكتابة الشعرية والأدبية بعد أن كان أحد أبرز المنخرطين في مشروع الإسلام السياسي والمدافعين عن الأحزاب والشخصيات المتهمة بالتورط في الإرهاب أو في التستر عليه والدفاع عنه عبد اللطيف العلوي
واختفى مؤسس حزب ائتلاف الكرامة ورئيس كتلته البرلمانية والناطق الرسمي باسمه سيف الدين مخلوف عن الأنظار ،  إلى حين معرفة مصير المحاكمة العسكرية المتعلّقة به وبعدد من أعضاء كتلته في البرلمان
وبدوره لا يزال النائب المتشدد راشد الخياري متحصنا بالفرار ، وهو المتهم منذ شهر أبريل الماضي « بما من شأنه أن يضعف في الجيش روح النظام العسكري والطاعة للرؤساء أو الاحترام الواجب لهم وانتقاد أعمال القيادة العامة أو المسؤولين عن أعمال الجيش بصورة تمس بكرامتهم وتعمد المشاركة في عمل يرمي إلى تحطيم معنويات الجيش أو الأمة بقصد الإضرار بالدفاع الوطني والتآمر على أمن الدولة الداخلي المقصود به تبديل هيئة الدولة أو حمل السكان على مهاجمة بعضهم بعضا بالسلاح وربط اتصالات مع أعوان دولة أجنبية الغرض منها الإضرار بحالة البلاد التونسية من الناحية العسكرية»
وأصدر قاضي التحقيق الأول لدى المحكمة الابتدائية العسكرية الدائمة بتونس بطاقة جلب ضبط وإحضار ضد الخياري لكنه اختار الفرار من مواجهة القضاء ، والأسبوع الماضي أذنت النيابة العامة لأعوان فرقة مكافحة الإجرام للحرس الوطني بإعادة مباشرة التحري في حق النواب راشد الخياري ومحمد العفاس واية الله الهيشري ، على خلفية دعوى قضائية رفعتها ضدهم وزارة التربية في فبراير 2020  بتهمة  "القيام بعمل مخالف لكل التراتيب القانونية المعمول بها في علاقة بالمؤسسة التربوية ومنتسبيها وانتهاك صارخ لحرمة التلميذ المكفولة من قبل اجهزة الدولة وتشريعاتها"
وفي أواخر يوليو الماضي ، قالت وكالة الدولة العامة للقضاء العسكري أنه تم إيداع رئيس حركة  « أمل وعمل » النائب ياسين العياري السجن المدني بتونس تنفيذا لحكم قضائي صادر ضده.
وذكرت الوكالة إن الإيداع يندرج في إطار تنفيذ حكم قضائي صادر ضد العياري عن محكمة الاستئناف العسكرية بتاريخ 6 ديسمبر 2018، من "أجل المشاركة في عمل يرمي إلى تحطيم معنويات الجيش بقصد الاضرار بالدفاع والمس من كرامة الجيش الوطني ومعنوياته".
ومنذ الثاني من أغسطس الجاري ، تم توقيف عضو مجلس نواب الشعب ورئيس حزب الفلاحين فيصل التبيني ، تنفيذا لبطاقة ضبط صادرة عن قاضي التحقيق الأول بالمحكمة الابتدائية بجندوبة ( شمال غرب )، وذلك نتيجة لدعوى رفعها ضده مسؤول قضائي في 10 أكتوبر 2019 بتهمة "ترويج أخبار زائفة والإساءة للغير عبر الشبكات العمومية للاتصال والدعوة إلى العصيان المدني"،
والخميس الماضي ، أذنت النيابة العمومية بالقطب القضائي المالي بالتمديد في الاحتفاظ مدة 5 أيام إضافية بالنائب البرلماني عن حزب « تحيا تونس »  لطفي علي، على ذمة الأبحاث المتعلقة بشبهات تبييض أموال وفساد مالي في عقود نقل الفوسفات وغيرها من الجرائم ذات صبغة مالية حسب،
وكانت وحدة مختصة من الحرس الوطني قد تمكنت السبت قبل الماضي من إيقاف النائب لطفي علي وهو متحصن بمنزل بوسط العاصمة بسبب مناشير تفتيش وبطاقة ضبط وإحضار قضائية صادرة في حقه.
ويرجح المراقبون أن يتجه الرئيس قيس سعيد الى فتح العديد من الملفات المهمة خلال المرحلة القادمة ولا سيما منها المتعلقة بالفساد ، ولكنهم يتساءلون في ذات الوقت عما إذا كان سيأذن بالتوجه نحو نفض الغبار على القضايا التي طالما شغلت التونسيين خلال السنوات الماضية مثل التنظيم السري للإخوان والاغتيالات السياسي وتسفير المقاتلين الى مراكز الصراع الاقليمي كليبيا وسوريا