زارت أم كلثوم ليبيا مرة واحدة كانت في شهر مارس 1969، وأحيت حفلين، الأول في 12 مارس بطرابلس وأدت فيه أغتيتي «هذه ليلتي» و«الأطلال» والثانية في 19 مارس  ببنغازي حيث غنت «أمل حياتي» و«بعيد عنك».

  جاءت زيارة أم كلثوم الى ليبيا  في إطار المجهود الحربي تزامنا مع  الاحتفالات بعيد ميلاد الملك أدريس السنوسي  في 12 مارس 1969، ولكن الملك غاب عن حضور الحفل بسبب وعكة صحية، وفوجئت أم كلثوم برئيس الديوان الليبي يقول لها بأن الملك لن يحضر وأنه سيدفع ضعف ثمن تذاكر الحفل كاملاً، وهناك رغبة من الملك أن تقوم بغناء “ولد الهدي فالكائنات ضياء” ، لكن الفنانة الكبيرة رفضت ذلكوتعللت بأنها  لا تغني هذه القصيدة إلا في ذكرى ميلاد الرسول عليه الصلاة والسلام فقط. 

 جاء في مذكرات ابراهيم عميش: "ففي أواخر شهر فبراير وأوائل مارس من سنة 1969م .. وأنا أذكر هذا التاريخ و واقعته لارتباطه لدىّ بالحفل الذي أحيته السيدة "أم كلثوم" يوم 12 مارس في سرادق أعد لذلك بالملعب البلدي في بنغازي ففي هذا اليوم المعني، كنت قد جلست بالمقهى التجارى الكائن بشارع الاستقلال" جمال عبد الناصر حاليا "طلبا للراحة من فشل محاولات كثيرة بذلتها بمقر البريد للاتصال بزوجتى الموجودة بالاسكندرية".

أيضاً:"و في ليلة 12 مارس ــ كانت السيدة (أم كلثوم) تُحيّ حفل لها بدعوة من السيد عبد الله عابد السنوسي ــ ابن عم الملك إدريس و أحد أصدقاء و شركاء السيد عُمر الشلحي، و كان عديد من ضباط الشرطة و الجيش قد تسلّم بطاقات دعوة (مدفوعة الرسم) لحضور الحفل، و كان منهم المقدم "نصر الدين هامان " مدير الاستخبارات العسكرية آنذاك الذي تلقى أثناء حضوره الحفل في تلك الليلة"

ظلت أم كلثوم في طرابلس خمسة أيام بعد الحفل، فقد زارت في اليوم التالي مدرسة الصنايع وهي مخصصة للأطفال اليتامي والفقراء، ورغم النظام الذي اتبع عند قدومها إلى المدرسة، إلا أنهم هرولوا إليها ملتفين حولها ليرحبوا بها، وعلى مسرح الترحيب ألقى طفل من اليتامى كلمة عن الأمومة فانسابت دموع أم كلثوم من خلف نظارتها وقدموا لها الورد، ولن ينسى الأطفال أن أم كلثوم كانت بينهم وغمرتهم بمشاعر العطف والأمومة .. وفي المساء لبَّت أم كلثوم دعوة دكتور "العجيلي" في منزله بطرابلس، والتف حولها لفيف من سيدات المجتمع بملابسهن الحديثة والتقليدية.

وفي اليوم الثالث أقامت العائلة السنوسية حفل استقبال في مزرعتهم، وقضت أم كلثوم اليوم كله بين المزارع والأشجار، وفي المساء حضر الحفل لفيف من السفراء والوزراء. وفي اليوم الرابع لبَّت أم كلثوم دعوة الجمعية النسائية بطرابلس وارتدت لأول مرة العباءة الليبية، وأحاطتها نساء الجمعية بمشاعر البهجة والقبلات، واستعرضت أم كلثوم ملابسهن التقليدية مع الرقص والفلكلور الشعبي الليبي. 

وفي اليوم الخامس زارت كلية الهندسة وكان في استقبالها أساتذة الكلية وكان معظمهم من المصريين وقد رحب بها الجميع، وأقامت سفارات العرب حفل ترحيب بأم كلثوم برعاية سفير الكويت الذي دعا سفراء ووزراء ليبيا للحفل، ووجدت أم كلثوم مفاجأة في انتظارها حيث قدم لها السفير صورة لها بالحجم الطبيعي من تصوير محمد كرازة كبير المصورين الليبيين الذي وقف بجانبها وطلب منها توقيعها على الصورة.

في الثامنة من مساء يوم 17 مارس استقلت أم كلثوم الطائرة من طرابلس إلى بنغازي مع الوفد المرافق لها، وبعد فترة تعرضت الطائرة لمطبات هوائية هددتها بخطر حقيقي، وبدأ العديد من الركاب في الصراخ والخوف من الغرق إن سقطت الطائرة في البحر، وأصيب العديد منهم بالإغماء وقد ظهر المضيف الأجنبي وعلى وجهه علامات الذعر، وشعر الجميع أن النهاية وشيكة في جوف البحر، فقد استمرت المخاطر لمدة نصف ساعة، وقد جلست أم كلثوم في مقعدها ثابتة دون أية حركة أو رد فعل، وقد أسبغت على نفسها هدوءًا وجدانيًا، فقد شعرت أنها اللحظات الأخيرة، وظلت متماسكة تتلو آيات القرآن الكريم، وبعد أن كانت الطائرة على شفا الهاوية التي لا نجاة منها استقامت في طريقها وتخلصت من الاضطراب وظل الجميع يرددون الأدعية والشكر لله.

كانت ليلة ربيعية، تحديدًا يوم 19 مارس من عام 1969، قررت فيها كوكب الشرق أن تشدو لأهل ليبيا، في مدينتهم بنغازي، لتمنحهم نصيبًا من صوتها وبهائها، بعد أن اختارت لهم أغنية «بعيد عنك» لتكون عنوان حفلها الساهر. وكعهدها الدائم، بدأت فرقتها في عزف المقدمة اللحنية، حتى جاء دور أم كلثوم وبدأت تنشد مطلعها «بعيد عنك حياتي عذاب، ماتبعدنيش بعيد عنك»، ليقابلها الجمهور بعد انتهائها من الكوبليه بتصفيق حاد، وحرارة مشاعر اعتادت عليها في كل حفلاتها بأي مكان بالعالم، إلا واحدا قرر أن يخالف الجميع، ولفظ – بدون مناسبة- كلمة بذيئة لما تميزها مسامعنا بسبب تداخلها مع هتاف الجمهور العريض، لكن أم كلثوم من موقعها ميزتها بشدة، لدرجة دفعتها لحالة غضب نادرا ما كانت تصل إليها على المسرح، لتصرخ في وجهه بصوت مسموع «اخرس.. قليل الأدب». وتشير المصادر الى أن ذلك المعجب قال «عيدي يامرا عيدي» ولكن أم كلثوم لم تستسغ كلمة «يا مرا» التي لا تقال عادة في المجتمعات الراقية.

 اجتمع موسيقار الجيلين محمد عبد الوهاب مع أم كلثوم في ليبيا، ويقال أنه استمع الى عدد من الأغاني الليبية ومنها أغنية «يا زهرة الياسمين» للفنان نوري كمال، فإقتبس منها جملة موسيقية شهيرة في مقدمة أغنية «ودارت الأيام» التي لحنها لتغنيها كوكب الشرق في عام 1970. هذه الأغنية هي رابع أغنية من تأليف مأمون الشناوي تغنيها أم كلثوم حيث غنت له "أنساك" 1961، و"كل ليلة وكل يوم" 1964، و"بعيد عنك" 1965، وكلها من تلحين بليغ حمدي، إلا أنها قررت أن تسند تلحين الأغنية إلى محمد عبد الوهاب.