استقبل الليبيون العام الجديد على وقع فصل جديد من الخلافات التي باتت سمة اساسية للمشهد السياسي في ليبيا، حيث قوبلت مبادرة المجلس الرئاسي التي دعا فيها الى محادثات في مدينة غدامس في الـ11 من الشهر الجاري وبتنسيق مع البعثة الأممية لخلق مناخ مناسب لاتخاذ خطوات تؤدي إلى الانتخابات العامة، وفق قاعدة دستورية وقانون انتخابي توافقيين، بالرفض والتجاهل من الأطراف المعنية.

المجلس الأعلى للدولة، أعلن رفضه المشاركة في اجتماع غدامس؛ مبررا قراره بأن القاعدة الدستورية شأن مشترك بين المجلسين والاتفاق على أن تكون مصغرة تتضمن باب نظام الحكم والأحكام الانتقالية، وأن التوصل إلى توافق بينهما قريب في هذا الشأن، إلى جانب التصويت في جلسته على رفع قرار تعليق التواصل مع مجلس النواب.

من جانبه، نفى البرلمان على لسان مستشاره الإعلامي مجلس فتحي المريمي، عزم المجلس حضور الاجتماع، وأنه لم يرد حتى اللحظة على الدعوة كونها جاءت بعد فوات الأوان، عادا تلك المبادرات المحلية والدولية "مناكفات سياسية". ودعا المريمي،المجلس الرئاسي إلى إكمال مهامه المنوط بها بدل الدعوة إلى اجتماع ثلاثي والتي من بينها المصالحة الوطنية وتوفير الأمن للناخبين.

وبعد ساعات من رفض الأعلى للدولة، أبدى الرئاسي استغرابه من رفض المشاركة دون توضيح الأسباب على الرغم من الترحيب بالدعوة. وجدد الرئاسي في بيان دعوته للمجلسين إلى تحمل مسؤولياتهما من أجل توحيد الجهود وتذليل الصعاب أمام التوافق الوطني لإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية في أقرب الآجال، وفق قاعدة دستورية متفق عليها.

اتهامات متبادلة

مازال مسلسل الاتهامات يلقي بظلاله على الساحة السياسية في ليبيا،فمع دخول العام الجديد،جدد رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبد الحميد الدبيبة، في كلمة له خلال الاجتماع الأول لمجلس وزراء حكومته في 2023، في العاصمة طرابلس، اتهام مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة بالوقوف وراء الانسداد السياسي الحاصل في ليبيا.

وقال الدبيبة إن مجلسي النواب والأعلى للدولة "خيّبا آمال الشعب في إجراء انتخابات حرة ونزيهة"، مضيفاً أن رئيسي المجلسين، عقيلة صالح وخالد المشري "أصابا الشعب الليبي بخيبات أمل متتالية، من خلال سعيهما إلى تقاسم السلطة"، موضحاً أن صالح والمشري "منشغلان دائماً بالبحث عن طرق جديدة للتمديد لنفسيهما، أو تقاسم السلطة عبر صفقات مشبوهة خلف كواليس مظلمة"،وفق تعبيره.

وتعهد الدبيبة بأن عام 2023، "سيكون عام الانتخابات وتوحيد المؤسسات"، مؤكدا استعداده رفقة مفوضية الانتخابات لتنفيذ الاستحقاق الوطني. وأضاف الدبيبة إنه في حال تسليم المسؤولية فلن "نسلمها إلا لأيادي أمينة حرصة على أمن البلاد ومقوماتها ومواردها"، وفق تعبيره.

وفي غضون ذلك، اتهمت الحكومة المكلفة من مجلس النواب،برئاسة فتحي باشاغا، منافستها حكومة الوحدة،برئاسة عبدالحميد الدبيبة "بصرف 16 مليار و500 مليون دينار من مخصصات الباب الثالث خلال العام 2022 دون سند قانوني" .جاء ذلك في خطاب من وزير التخطيط والمالية في حكومة باشاغا، أسامة حماد إلى النائب العام ورئيس هيئة الرقابة الإدارية ورئيس ديوان المحاسبة ورئيس هيئة مكافحة الفساد.

واتهمت حكومة باشاغا،الدبيبة بارتكاب "جرائم ومخالفات مالية جسيمة، في 28 ديسمبر 2022، لتضاف إلى غيرها من المخالفات الأخرى في حق قوت الليبيين". كما اتهمت حكومة باشاغا المؤسسة الوطنية للنفط بلعب "دور محوري مخالف للقانون في ذلك، عبر تغذية حسابات وزارة المالية بحكومة الوحدة الوطنية بالتغطية المالية من الإيرادات النفطية المودعة بحساب المؤسسة لدى المصرف الليبي الخارجي".

إرث 2022 الثقيل

يمكن القول بأن بداية العام 2023 ترتبط أساسا بأحداث العام الماضي الذي شهد تطورات كثيرة وكان عاما صعبا بامتياز. فقد كانت البداية مع فشل إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في 24 ديسمبر 2021، نتيجة الخلافات بين الأطراف المتصارعة على وضع القاعدة الدستورية اللازمة للانتخابات، وشروط الترشح، اضافة الى فشل مجلسي النواب والدولة في الوصول الى توافق حول القانون الانتخابي، بالرغم من محاولات البعثة الأممية لتدارك الأمر لكن الفشل ظل سيد الموقف.

وتصاعدت الاتهامات نحو حكومة الوحدة برئاسة عبدالحميد الدبيبة، بوقوفها وراء تعطيل الانتخابات لتحتفظ بالحكم. ليقرر مجلس النواب الليبي، تكليف حكومة جديدة للقيام بمهمة الانتخابات، يرأسها وزير الداخلية السابق فتحي باشآغا، والتي حاولت دخول العاصمة طرابلس لممارسة مهامها لكن وقع منعها من قبل حكومة الدبيبة وهو ما انجر عنه صدامات مسلحة بين الطرفين.

مثل تركيز حكومتين عودة جديدة لمربع الانقسامات والصراعات،وتجددت حرب الشرعية بين الاطراف الليبية ما هدد باشتعال الصراع المسلح وانهيار وقف اطلاق النار الموقع عام 2020، حيث تسببت الاشتباكات بين القوات الموالية للحكومتين في مقتل أكثر من 10 أشخاص منتصف العام في غرب ليبيا، اضافة الى خسائر مادية كبيرة.

نتيجة الانقسامات والخلافات المتصاعدة، علق ممثلو الجيش الليبي في اللجنة الليبية العسكرية المشتركة "5+5" أعمالهم؛ احتجاجا على ممارسات حكومة الدبيبة "بما يهدد الأمن القومي لليبيا". ولم تتمكن اللجنة العسكرية من البدء في تنفيذ عملية توحيد المؤسسة العسكرية التي نص عليها الاتفاق الذي جرى في العام 2020، وظل الوضع على ما هو عليه رغم تعدد اجتماعات اللجنة.

وعلى المستوى الاقتصادي، ألقت الحرب في اوكرانيا بظلالها على ليبيا حيث تعطلت الواردات خاصة من الحبوب، وفاقمت من معاناة الأسر الليبية التي واجهت شبح التضخم مع ارتفاع أسعار أغلب السلع. فيما شهد النفط الليبي اضطرابا كبيرا، إذ أغلقت كبرى الحقول منها: الشرارة والفيل والوفاء والحمادة النفطية لنحو 3 أسابيع، قبل أن يعاد استئناف الإنتاج.

قضية أبو عجيلة

في نهاية العام 2022، قامت حكومة الدبيبة بتسليم المواطن الليبي أبو عجيلة مسعود "دون سند قانوني" إلى واشنطن لمحاكمته بزعم التورط في تفجير طائرة لوكربي عام 1988. وأثارت الحادثة غضبا كبيرا في الأوساط الليبية التي اعتبرته تعديا صريحا على سيادة ليبيا، وزاد الغضب الليبي مع التبريرات التي ساقها الدبيبة للدفاع عن عملية التسليم.

هذه القضية يبدو أنها ستتواصل في العام 2023، حيث طالب مجلس النواب الليبي الجهات القضائية بملاحقة المتورطين في إعادة فتح ملف حادثة لوكربي وتسليم المواطن الليبي ابوعجيلة مسعود إلى الولايات المتحدة في إشارة الى حكومة الوحدة الوطنية بقيادة عبدالحميد الدبيبة الذي اعترف بوقوف حكومته وراء عملية التسليم.

ودعا البرلمان السلطة القضائية في ليبيا إلى تكليف فريق قانوني بالدفاع عن مسعود الذي يواجه عقوبات في واشنطن بتهمة المشاركة في تفجير طائرة الركاب الأميركية قبل 34 عاما. كما قرر البرلمان "تحصين ومنع تسليم أي مواطن ليبي مستقبلا من قبل أي جهة.

لا شك أن الصراع القائم بين مجلس النواب برئاسة عقيلة صالح وحكومة الدبيبة بشان ملفات سياسية أهمها التوافق مع المجلس الأعلى للدولة حول القاعدة الدستورية وتنظيم انتخابات، ستتصاعد بشكل كبير خلال العام الجديد، مع تداعيات ملف ابوعجيلة وستزيد من تعقيد الوضع السياسي في ليبيا رغم الجهود التي يبذلها المبعوث الاممي عبدالله باتيلي لتقريب وجهات النظر بين مختلف القوى الليبية.

بالرغم من المخاض السياسي العسير في عام 2022، والذي يبدو ان تداعياته ستتواصل في العام الجديد، ورغم كل مؤشرات استمرار الخلافات والانقسامات، يأمل الليبيون أن يكون عام 2023، عام إجراء الانتخابات المؤجلة ومن ثم إنهاء المراحل الانتقالية واختيار من يمثلهم في الأجسام السياسية والرئاسة، وأن تنجح ليبيا في تحقيق الاستقرار واستعادة مكانتها الاقليمية والدولية.