في خضم الفراغ الأمني أصبحت ليبيا ساحة لمهربي البشر الذين يستغلون أوضاعا وظروف عيش قاسية تمر بها بعض شعوب أفريقا جنوب الصحراء، وهم الأغلبية بين المهاجرين غير الشرعيين، الذين يتلهفون للوصول إلى الشواطئ الأوروبية مجازفين بحياتهم، والذين ينتهي بهم في المطاف في مراكز احتجاز ليبية تطالها الانتقادات بصفة متكررة.
آخر هذه الإنتقادات،جاءت عن طريق المفوضية السامية لشؤون اللاجئين،التي ذكرت أن 130 مهاجرا أفريقيا غادروا ليبيا إلى النيجر بعد الإفراج عنهم من عدة مراكز للإيواء تابعة لجهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية.
وأضافت المفوضية، في بيان نشرته بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، أن الأشخاص الذين تم نقلهم "كانوا محتجزين في ظروف قاسية لشهور متواصلة"، وأنها دعت إلى إطلاق سراحهم، مشيرة إلى أنها "نقلتهم أولاً إلى مركز التجمع والمغادرة في طرابلس، الذي افتُتح في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، إلى أن أتمت إجراءات السفر لهم خارج ليبيا.
وأوضح فنسنت كوشتيل، المبعوث الخاص للمفوضية لمنطقة وسط البحر المتوسط، أن الأشخاص الذين تم إجلاؤهم، أول من أمس،"يجسدون مرة أخرى مدى ضرورة إنهاء احتجاز اللاجئين والمهاجرين في ليبيا، وإلى حين حصول ذلك ستمثل عمليات الإجلاء شريان حياة حقيقياً".
وانتهت مفوضية اللاجئين إلى أنه "بالإضافة إلى عملية النقل إلى النيجر، وفي إطار برنامج إعادة التوطين، فقد غادر خلال الشهر الجاري مدينة طرابلس، 93 لاجئاً من سوريا والسودان وإريتريا باتجاه تيميسورا غرب رومانيا، حيث سيقضون عدة أسابيع في مركز العبور الطارئ التابع للمفوضية، قبل انتقالهم إلى بلدان إعادة التوطين".
وتكتظ مراكز الإيواء في ليبيا بعشرات الآلاف من المهاجرين ممن قامت السلطات الليبية بتوقيفهم داخل البلاد أو إنقاذهم في عرض البحر. وينال عدد من المهاجرين فرصة إعادة توطينهم في بلد ثالث، فيما تتم إعادة غالبيتهم طوعا إلى بلدانهم عن طريق المنظمة الدولية للهجرة.
وبرنامج العودة الطواعية في ليبيا تنفذه المنظمة الدولية للهجرة، لترتيب عودة المهاجرين غير النظاميين العالقين إلى بلدانهم بناء على رغبتهم .وأعلنت المنظمة الدولية للهجرة ترحيل أكثر من 16 ألف مهاجر غير شرعي من ليبيا إلى بلدانهم الأصلية خلال العام 2018.
وتتعرض ليبيا لانتقادات متكررة من المفوضية العليا للاجئين ومنظمات غير حكومية للانتهاكات السائدة والأوضاع الصعبة في مراكز الإيواء التي ينقل إليها المهاجرون الذين يتم اعتراضهم في البحر المتوسط أثناء محاولتهم الوصول إلى أوروبا.
وفي المقابل،يرى المسؤولون الليبيون أن بلادهم تتحمل عبئ الهجرة غير الشرعية.وفي حديث لوكالة الأنباء النمسوية، اعتبر رئيس حكومة الوفاق الليبية فايز السراج، الإنتقادات الأوروبية لليبيا في مجال الهجرة "غير مقبولة". وقال:"ندعو الدول التي يهمها وضع المهاجرين في مراكز الإيواء لمساعدتنا مباشرة إما من خلال استقبالهم في بلدانهم أو مساعدتنا لإعادتهم إلى بلدانهم.
وأعلن السراج الإثنين أن حكومته تبذل "كل ما في وسعها" لتحسين الأوضاع الإنسانية في مراكز إيواء المهاجرين التي تنتقدها الأسرة الدولية بانتظام.وقال خلال زيارة رسمية الى فيينا حيث التقى المستشار سيباستيان كورتز والرئيس ألكسندر فان دير بيلن "نبذل كل ما في وسعنا في إطار وسائلنا الاقتصادية والأمنية".وأضاف السراج "إننا مستعدون للعمل مع كل الأطراف أكانت دولية أم محلية".
وأوضح السراج: "بالطبع الوضع ليس مثالياً في هذه المراكز هناك الكثير من التحديات والمشاكل. لكن علينا أن نتذكر أن هناك أكثر من 800 ألف مهاجر غير شرعي في ليبيا لكن في مراكز الإيواء لا يتخطى عددهم 20 ألفاً". وتابع:"يجب حل المشكلة من جذورها من خلال تعزيز التعاون مع الدول التي يتحدر منها" المهاجرون من خلال اتفاقات لإعادتهم".
من جانبه،قال رئيس النمسا ألكسندر فان دير بيلين، إنه يجب عدم إعادة اللاجئين إلى ليبيا في الأوضاع الحالية، نتيجة عدم وصول الأمن والاستقرار إلى المستوى المطلوب.وأشار فان دير بيلين أن التقارير الصادرة عن المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة والعديد من الهيئات الدولية الأخرى، تقول إن الأوضاع في مخيمات اللاجئين في ليبيا تجعل من الواجب عدم إعادة اللاجئين إليها.
بدوره جدد رئيس الوزراء سيباستيان كورتز، دعمه لحكومة الوفاق الليبية، وأعرب عن رضاه بما تقوم به على صعيد مكافحة الإرهاب ومكافحة تهريب البشر.وقال ان مكافحة الهجرة غير النظامية كانت من أهم المسائل التي تناولها في لقائه مع السراج.واعتبر أن خفر السواحل الليبي يقوم بعمل ناجح في هذا الإطار، مشيرا أنه نجح خلال 2018 في إنقاذ 20 ألف شخص من البحر المتوسط، وإعادتهم إلى الأراضي الليبية.
وتعتبر ليبيا منذ القدم أهم نقاط العبور بين القارة الإفريقية و دول أوروبا فيما ازدادت موجات المهاجرين عبرها بعد الأزمة التي شهدتها قبل اعوام والانفلات الأمني المصاحب لها.وتشتكي ليبيا من عدم قدرتها علي احتواء الأزمة التي باتت تؤرق أوروبا لا سيما في ظل أزمتها الاقتصادية والأمنية.
واقتصرت جهود الدول الأوروبية، منذ بداية الأزمة على اعتراض المهاجرين في البحر وإيقافهم من أجل إبقائهم خارج أراضيها، حيث سعت إلى تعزيز السيطرة على حدودها البحرية مع ليبيا بهدف تقليل أعداد المهاجرين القادمين إليها عبر البحر المتوسط، كما قامت بتقديم مساعدات لخفر السواحل الليبية لاعتراض قوارب المهاجرين في البحر المتوسط ومنعهم من الوصول إلى أوروبا.
والأسبوع الماضي،صرح وزير الداخلية الإيطالي ماتيو سالفيني،بإنه تم إعادة نحو 393 مهاجرا حاولوا الوصول لإيطاليا على متن قوارب خلال نهاية الأسبوع إلى ليبيا.وقال سالفيني في بيان" المهاجرين الـ393 الذين أنقذهم خفر السواحل الإيطالي فى أمان حالتهم جيدة، وجرى إعادتهم إلى ليبيا.
وانتقدت منظمة حقوقية إعادة المهاجرين إلى ليبيا، حيث وصفت هذه الخطوة بانها تنتهك القانون الدولي لأنهم في هذه الدولة معرضون للإساءة والتعذيب.فيما أكد سالفيني أن رفض استقبال المهاجرين الذين يرغبون في التوجه إلى أوروبا هو السبيل الوحيد الفعال للحد من حالات مغادرة ليبيا بصورة غير قانونية ، موضحا أن تراجع أعداد المهاجرين بصورة كبيرة يثبت أنه على حق.
من جانبه،أعلن السفير الليبي لدى إيطاليا، عمر الترهوني، منع ليبيا خلال العام الماضي نحو 80% من المهاجرين من الانطلاق نحو أوروبا. وأضاف الترهوني في تصريح لوكالة آكي الإيطالية للأنباء يقول:ثلكن نحن لا نزال بحاجة إلى المساعدة لإبقاء هؤلاء الأشخاص في المراكز الإقامة المؤقتة والإعادة إلى أوطانهم".
كما شدد السفير الليبي على أهمية العمل الذي أنجزته قوات حرس السواحل الليبية في الأشهر الأخيرة.وتابع قائلا "لكننا طلبنا من إيطاليا وأوروبا والأمم المتحدة أن تساعدنا اقتصاديًا في مجال إعادة المهاجرين إلى بلادهم، لأن ليبيا غير قادرة على إبقاء كل هؤلاء الناس، حيث وصل إلى بلادنا عام 2018 حوالي 500 ألف شخص".
ومازالت موجات الهجرة إلى أوروبا من البوابة الليبية تطرح نفسها كاحدي المعضلات التي يعاني منها هذا البلد،حيث تتسبب هذه الموجات في مآس إنسانية،مع تواصل غرق الآلاف في المتوسط.وقال المفوض الأممي لشؤون اللاجئين فيليبو جراندي لصحيفة كوريري ديلا سيرا الإيطالية إن نسبة المهاجرين الذين لقوا حتفهم أثناء محاولتهم عبور البحر " ارتفعت بأكثر من الضعف" في 2018 مقارنة بـ 2017