يتميز الوضع داخل مدينة سرت الليبية بالهدوء الذي يسبق العاصفة، الآلاف من عناصر الجيش الليبي والمتطوعين من أبناء القبائل تمركزوا في مواقعهم داخل المدينة وحولها لمواجهة أي عدوان تركي محتمل، ودوريات الأمن تقوم بعملها الاعتيادي في تنظيم حركة السير التي تبدو خفيفة بسبب حرارة الطقس، والإذاعة المحلية تبث الأناشيد الوطنية والأخبار العاجلة والتحاليل السياسية بما يوحي أن الأيام القادمة ستكون فاصلة في المواجهة من أجل ليبيا.

يقول أبناء سرت التي يبلغ عدد سكانها حوالي 100 آلف نسمة، أن الحياة تسير بشكل عادي، الأعراس تقام كما لو أن لا حرب على الأبواب، وحفلات التخرج من المؤسسات التعليمية تنتظم كعادتها، والشاطئ لا يخلو من المصطافين الهاربين من حرارة الصيف في منطقة تحيط بها الصحراء من ثلاث جهات، والجهة الرابعة للبحر، أما المحلات التجارية فتبقى مفتوحة حتى ساعات متأخرة من الليل، فنمط الحياة في المدينة لا يختلف عن بقية المدن الصحراوية، حركة في الصباح والمساء وقيلولة طويلة من الظهر الى ما بعد العصر.

ويوميا تستقبل سرت المئات من أبناء القبائل في مختلف أرجاء البلاد، ممن تطوعوا ضمن القوات المساندة للجيش الوطني الليبي في مواجهة أي عدوان على المدينة، أعداد من هؤلاء وصلوا الى محاور القتال من مدن تخضع حاليا لسيطرة حكومة فائز السراج كالزاوية وزليتن وصرمان وصبراتة وترهونة وبني وليد والأصابع وغريان والعاصمة طرابلس، إضافة الى أبناء الجنوب من عرب وطوارق وتبو، وأبناء المنطقة الشرقية، فالمعركة بالنسبة لهم معركة حسم ليس مع الغزاة الأتراك ومرتزقتهم فقط، وإنما مع الميلشيات التي يرون أنها دمرت البلاد وأفسدت الزرع والضرع وأحرقت الأخضر واليابس منذ العام 2011.

تحصينات مشددة

في الأثنا ، تشهد سرت إقامة  تحصينات قوية على محاور القتال، منظومات حديثة للدفاع الجوي تم تثبيتها في مواقع عدة، وقاعدة القرضابية التي توجد على بعد 15 كلم الى الجنوب من المدينة تستقبل الطيران الحربي بكثافة غير معهودة، وهي تدار من قبل عسكريين ليبيين بعضهم ممن تجاوزوا سن التقاعد وعادوا الى العمل تلبية لنداء الواجب، والمدفعية الثقيلة والصاروخية منتشرة في أطراف المدينة، في انتظار لحظة الإذن بصد أي عدوان محتمل،  كما أن التعزيزات العسكرية تصل يوميا من مناطق عدة، ضمن أرتال ضخمة، يؤكد المراقبون أنها الأضخم من نوعها التي تحركها القيادة العامة منذ سنوات.

وتحمل سرت في تاريخها أبعادا وطنية جامعة لليبيين أبرزها معركة القرضابية ضد الاحتلال الإيطالي في أبريل 1915 والتي شاركت فيها كل القبائل الليبية وتعتبر أكبر ملاحم النضال الوطني الليبي ضد الغزاة الأجانب ، اليوم يقول سكان المدينة أن الغزاة الأتراك ليسوا أفضل من الغزاة الإيطاليين ،ولذلك ، فإن أية حرب منتظرة ستكون تحديا وطنيا كبيرا يثبت من خلال الليبيون وحدتهم وقدرتهم على مواجهة العدو.

وفي مستوى الخدمات وضعت المستشفيات في حالة طوارئ من قبل وزارة الصحة بالحكومة الموقتة ، حيث أمر الدكتور سعد عقوب، مديري المرافق الصحية والمستشفيات برفع حالة الطوارئ القصوى في أقسام الإسعاف والطوارئ في سرت و، ودعا إلى وضع خطة لتمديد العمل وفتح المراكز الصحية والعيادات المجمعة لتقديم خدمات الرعاية الصحية الأولية وتسهيل سرعة تقديم الخدمة الطبية والعلاجية، 

وأشار عقوب إلى أن هذا الإجراء يهدف إلى «تقديم الخدمات الإسعافية والعلاجية خلف القوات المسلحة في صدها وحربها للعدوان التركي»، مشيرا إلى ضرورة تنفيذ الخطة الاستراتيجية للوزارة، الخاصة بعدة تمركزات ونقاط ثابتة للإسعاف بعدة مناطق بالمنطقة الشرقية من أجدابيا والبريقة وصولا لمدينة سرت.

وفي مستوى التموين ،  طالب المجلس التسييري لبلدية سرت،  وزارة الاقتصاد والتجارة بالحكومة الموقتة، وصندوق موازنة الأسعار بالإسراع في توفير السلع للجمعيات التعاونية الاستهلاكية بسرت، وتوفير حصتها الثانية لكل السلع المخصصة أسوة بالبلديات الأخرى.

وتابع المجلس إجراءات تسلم جمعيات البلدية، وعددها 96 جمعية، حصتها من بعض السلع التموينية مثل الأرز والدقيق والسكر. وإجراءات تسلم الحصة الثانية المخصصة من صندوق موازنة الأسعار، في ظل تأخر مواعيد توزيعها، ونقص بعض السلع على الجمعيات كالزيت والطماطم.

ولوحظ أن أسواق المواشي تعج بالمتسوقين الساعين لشراء الأضاحي سواء من الإنتاج الحلي أو من الخرفان المستوردة عن طريق الحكومة المؤقتة ، خصوصا في ظل إجراءات تم اعتمادها لتوفير السيولة اللازمة في المصارف التجارية.

أما عن التعليم، فتجري حاليا دراسة كافة الترتيبات والاستعدادات للعودة المدرسية والامتحانات لطلاب مرحلتي النقل للتعليم الاساسي والثانوي والتي تبدأ يوم الثامن من شهر أغسطس المقبل حسب وزارة تعليم الحكومة الليبية المؤقتة.

يرى البعض أن المدينة ذات الموقع الاستراتيجي المهم في وسط الساحل الليبي، والتي تربط بين شرق وغرب البلاد ، قد اكتسبت مناعة من الخوف من الحروب ، بعد كل ما مر بها خلال تسع سنوات ، قبل العام 2011 كانت تعيش تطورا على كل الأصعدة ، وكان العقيد الراحل معمر القذافي الذي ينحدر منها قد رشحها لتكون عاصمة جديدة لليبيا ، وهيأها لاستقبال قمم عربية وإفريقية وإقليمية ، ولكن حرب الإطاحة بالنظام جعلتها ساحة للمعارك ، وعرضة للسطو المسلح والنهب والسلب من قبل ميلشيات تابعة لمدينة مصراتة التي مارست شتى أنواع التنكيل على السكان المحليين بسبب موالاتهم للنظام السابق، وفي العام 2012 أصبحت تحت سيطرة جماعات إرهابية مرتبطة بتنظيم القاعدة ، وقد استقر الأمر لتنظيم أنصار الشريعة حتى يوليو 2014 عندما أعلن  عن تحول المدينة الى عاصمة لتنظيم داعش ، قبل أن تدخل  في العام 2016 حرب تحريرها من جديد على أيدي ميلشيات مصراتة الجهوية التي استولت عليها بعد دحر داعش بدعم دولي، الى أن سيطر عليها الجيش الوطني في الرابع من يناير 2020 ، وطهرها من بقايا الإرهاب ، وأعاد إليها الأمن والاستقرار ، وسمح لأبنائها المهجرين بالعودة إليها.