يتم إرسال آلاف الشباب للقتال في صفوف داعش المتطرفة بعد تدريبهم على الجهاد في بلد يُعتبر مهد ثورات الربيع العربي.

أصبحت تونس، التي فاز القادة العلمانيون في انتخاباتها التشريعية هذا الأسبوع، المركز الرئيسي، عالميا، لتدريب المقاتلين بأكثر من 3000 شاب تونسي سافروا إلى سوريا والعراق. وتبقى تونس على رأس القائمة من حيث عدد المقاتلين الأجانب في صفوف داعش.

إنها شبكة متطورة وممولة بشكل جيد تقوم باستقطاب وتجنيد الشباب الساخط في معسكرات تدريب جبلية و تشجعهم على الانخراط في الخدمة المسلحة وفقا لشهادات استقتها الصحيفة.

في بعض الأحياء المجاورة للعاصمة تونس، معظم العائلات تعرف قريبا أو صديقا هاجر لينضم إلى داعش أو إحدى الفصائل المتطرفة الأخرى في سوريا مثل جبهة النصرة الموالية لتنظيم القاعدة.

على عكس العديد من الشبان الساخطين الذين يصلون إلى سوريا من أوروبا، يتلقى التونسيون تدريبات صارمة قبل السفر وتشمل تمارين اللياقة البدنية وفنون القتال والتدرب على حمل السلاح، بالإضافة إلى تلقينهم التعاليم الإسلامية.

الشباب البالغين سن 18 مؤهلون للانضمام الى الجيش ويتم تشجيعهم على الانخراط في "التدريب على حمل الأسلحة المتطورة"، بما فيها الأسلحة الثقيلة والدبابات.

"يبدأون بتعليمك القرآن ويدعونك ويغرونك للانضمام إلى الجماعة شيئا فشيئا"، يقول أحمد من حي الغزالة، إحدى ضواحي تونس التي تعمرها الطبقة المتوسطة، مضيفا، "يوفرون لك مقر إقامة وعمل ويمنحون لك المال ويُشعرونك بأن لك هدفا في الحياة، حتى أنك لا تكاد تعي ما يحدث لك".

وكان أحمد في ربيعه 17 عندما استقطبه إمام مسجد الحي، الذي مر الكثير من الشباب على يده.

وقدر أحمد أن أكثر من 100 شاب مثله ينتمون لنفس منطقته تلقوا التدريب وأن العدد الحقيقي للتونسيين الذين سافروا للقتال لا يقل عن ثلاثة أضعاف ما ذكرت الأرقام الرسمية. "هذه العملية ليست عفوية - إنها تضاهي عمليات الاتجار بالبشر. والمسؤولون المعنيون هم شخصيات سياسية وأجهزة أمنية وحرس الحدود ودول متعددة بعينها. فكروا فقط في الأموال اللازمة لإقناع هؤلاء الشباب للذهاب ".

تونس ليست المعسكر الوحيد. هناك مجندون يعملون في المدن الشرقية كسيدي بوزيد وسوسة والقيروان.

اعتبرت تونس منارة أمل وسط الأحلام المحطمة التي أعقبت الربيع العربي. هذا الأسبوع، وفي أول انتخابات برلمانية بعد الثورة، فاز الحزب العلماني نداء تونس و تقدم على الحزب الإسلامي، النهضة، الذي ترأس تحالفا مؤقتا عام 2011.

إن البطالة والإحباط وغياب الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية بعد الثورة، كلها عوامل دفعت الشباب التونسي نحو التطرف. ومع ذلك، فإن ظاهرة التطرف هذه لا تقتصر على الطبقات الدنيا. ففي منتجع المرسى، حيث تنتشر فنادق خمسة نجوم والفيلات البيضاء على طول الساحل، سُجلت ثلاث حالات على الأقل وسط شبان متعلمين لقوا حتفهم في سوريا في الأشهر القليلة الماضية. أحدهم، مراد ذو 27 عاما، خريج تجارة وأعمال، كان متزوجا من كندية، توفي متأثرا بشظايا الرصاص فوق أراضي الدولة الإسلامية في يونيو حزيران الماضي. كان من محبي كرة السلة وأصبح أكثر تدينا عندما انتقل مع زوجته إلى دبي بعد كفاح مرير للعثور على فرصة عمل في تونس.

تم العثور على جثته ممزقة داخل قناة في سوريا.

كانت مشكلة تونس مع الإرهاب صغيرة نسبيا إلى حدود اندلاع ثورات الربيع العربي، عندما ظهرت  جماعة أنصار الشريعة، المسؤولة عن عشرات الهجمات التي نفذتها ضد قوات الأمن التونسية. يرى صلاح الدين الجورشي، وهو خبير في شؤون الجهاديين، أن الانتقال من مشكلة داخلية صغيرة إلى شبكة دولية معقدة كان "تطورا طبيعيا". "يحتاج الإرهاب إلى المال والأرض والأسلحة. بدأ الجهاد هنا بالاتصال والتفاعل مع المافيات والمنظمات الأخرى لتوفير هذه الاحتياجات الأساسية". وهكذا تطورت شبكة الإرهاب.

من ناحية، كانت تونس عرضة للتطرف. وقد اتجه الكثيرون نحو التطرف بعد عقود من القمع الديني تحت حكم الدكتاتور المخلوع زين العابدين بن علي. لتونس حدود يسهل اختراقها مع الجزائر وليبيا، خصوصا إذا كان البلدان يعجان بالشباب الساخط والجماعات المتشددة. كما أن تونس تفتقر إلى جيش قوي لمواجهة خطر الإرهاب.

هذا ولعبت وسائل التواصل الاجتماعي دورا مهما، خصوصا عندما يشاهد الشباب أشرطة فيديو دعائية لساعات طوال وراء الفايسبوك واليوتيوب، وهي الأشرطة التي كانت تمنحهم نظرة غير واقعية عما يمكن أن يتوقعوه. "أُصبت بالعمى في ديني بسبب ما كنت أشاهده على التلفزيون وكان ذلك ممزوجا بحماسة الشباب. لم أفكر مرتين قبل الذهاب". يقول شاب جهادي يبلغ من العمر 31 عاما، دفع ثمن رحلته إلى سوريا وتلقى التدريب خارج تونس. عاد بخيبة أمل كبيرة في يونيو حزيران الماضي بعد ما رأى "المسلمين يقتلون بعضهم البعض".

وفي الوقت نفسه تأمل العائلات، ممن فقدوا أقاربهم في رحلة الجهاد إلى سوريا، أن تتغير الحكومة هناك وأن تحل نظرة جديدة للأمور توقف نزيف السفر الملغوم إلى الجهاد.

"كان شابا عاطلا يعيش بشكل طبيعي، يلعب كرة القدم أحيانا ويذهب إلى المسجد، والآن انتهى به المطاف في سجون بشار الأسد بتهمة القتال مع الجماعات الإرهابية"، يقول علي عن شقيقه البالغ من العمر 25 عاما والمنحدر من حي التضامن، وهو حي فقير معروف بتجنيد الجهاديين. "نحن نصلي ونأمل فقط أن تجد السلطات الجديدة حلا للقضاء على شبكات الاتجار هاته".

حالة السكر الطافح أبعدته عن المشاركة في الحرب المقدسة

كان السبب الوحيد الذي جعل أحمد، الجهادي التونسي البالغ من العمر 17 عاما، يفشل في إتمام مهمته والسفر للقتال مع داعش في سوريا هي حالة السكر الطافح التي كان عليها ولم يستطع معها إكمال التدريب.

كان مشاكسا في سن المراهقة، وكان أكثر تواجدا في الحفلات منه في المساجد، بعدها تبنى الإسلام المتطرف على يد إمام الحي. وقبل مغادرته ببضعة أيام إلى معسكر القتال بالجزائر، أقنعه أصدقاء الأمس بصرف 3000 جنيه التي كانت مخصصة لسفره على اللهو والخمر والمخدرات لمدة أسبوع كامل قبل المغادرة.

"لقد أنقذني أصدقائي وأنقذني الشراب، فقد كنت في حالة سكر طافح لم أتمكن معها من السفر،" يعترف الشاب بابتسامة وحرج باد على وجهه، وكان يبدو في مظهر حسن، يرتدي قميصا وجينزا على طريقة شباب العصر.

علم بعدها أن صديقه حسن، البالغ من العمر 24 عاما الذي تدرب إلى جانبه، قضى وهو يقاتل في صفوف داعش.