من بين ركاب طائرة الاسعاف العسكرية الليبية "أنتونوف 26" التي سقطت في الساعات الأولى من صباح اليوم الجمعة قرب العاصمة التونسية حين حاول قائدها الهبوط في حقل قريب من بلدة قرمبالية التي تقع إلى الجنوب من العاصمة تونس،القيادي الجهادي الليبي السابق ،مفتاح مبروك عيسى الدوادي المكنى بأبي عبد الغفار او عبد الغفار،حين كان قياديا في الجماعة الليبية المقاتلة قبل ان تحل نفسها في العام 2010.
كان الدوادي من بين ثلاث مرضى قادمين الى تونس على متن طائرة الانتونوف 26 للعلاج غير ان طاقم الطائرة كان قد أعلن في أخر اتصال له مع برج المراقبة بمطار تونس قرطاج الدولي عن اشتعال النيران بالمحرك لتنتهي رحلة الدوادي "الجهادية" التي انطلقت في اواخر ثمانيات القرن الماضي حين التحق ككثير من ابناء جيله بما عرف انذاك بــ"الجهاد الافغاني " ضد الاتحاد السوفياتي يومها كان طالبا في كلية الطب في الجامعة الليبية و هو المولود في العام 1964 في مدينة صبراتة، غرب العاصمة طرابلس، و في اجواء القتال و الاحتكاك بقادة الجماعات الجهادية العربية و الاسلامية في معسكرات كراتشي و جلال اباد تبلور تيار جهادي ليبي كان هدفه "العودة بالجدهاد الى ليبيا و اسقاط نظام العقيد القذافي و اقامة دولة اسلامية تتخذ من الشريعة الاسلامية دستورا لها" على حد تعبيرهم.
لتتشكل فيما بعد "الجماعة الليبية المقاتلة" و التي و ان كانت تحمل اهداف قطرية الا انها شاركت في العديد من الحملات الجهادية الاقليمية و الدولية ،لعل ابرزها المشاركة في القتال الى جانب الجماعة الاسلامية المسلحة في الجزائر ضد النظام بعد ايقاف المسار الانتخابي في العام 1992 و المشاركة في خلايا الدعم و الاسناد و التي اتخذت من لندن مقرا لها حيث كانت الجماعة تصدر مجلة "الفجر" و يدير شؤونها في العاصمة البريطانية القيادي نعمان بن عثمان ،و الذي تخلى فيما بعد على افكاره الجهادية و يرأس حاليا منظمة كوليام لمكافحة التطرف.عااد الدوادي إلى ليبيا في نهاية سنة 1988 ولكن الوضع الأمني أجبره على المغادرة ثانية إلى الحدود الباكستانية الأفغانية سنة 1989 و تحديدا الى مدينة بيشاور.
و كان مفتاح الدوادي هو اول امير للجماعة حين تأسيسيها في العام 1990 ،و التي قررت نقل عملياتها الى الداخل الليبي بعد انتقال قياداتها الى السودان بعد اندلاع الحرب الاهلية الافغانية و في اعقاب وصول الجبهة الاسلامية القومية الى السلطة في الخرطوم بقيادة الزعيم الاخواني حسن الترابي و الفريق في الجيش السوداني عمر حين البشير ،و كانت السودان يومها كعبة لقادة و اعضاء الحركات الاسلامية في الوطن العربي فقد اقام فيها كل من زعيم تنظيم القاعدة الراحل اسامة بن لادن و زعيمه الحالي و امير تنظيم الجهاد المصري انذاك ايمن الظواهري و عدد كبير من قيادات و اعضاء حركة النهضة التونسية بينهم اعضاء المجموعة الامنية.غير ان الامن المصري قد تفطن الى وجود الدوادي على التراب المصري بالقرب من الحدود الليبية ليتم القاء القبض عليه العام 1992 و تسليمه الى ليبيا ليودع سجن "أبو سليم" الشهير حيث بقي 18 سنة في السجن.
لتنقل بعدها امارة الجماعة من الدوادي الى ابي عبد الله الصادق،عبد الحكيم بالحاج كما تم تعين الشيخ سامي الساعدي رئيسا للجنتها الشرعية ،حيث قامت الجماعة خلال هذه الفترة بالعديد من العمليات خاصة في الشرق الليبي حيث توجد حاضنتها الشعبية في طبرق و درنة و الجبل الاخضر و بنغازي بينهم محاولات عديدة لاغتيال العقيد الراحل معمر القذافي و لعل اشهر تلك العمليات عملية مدينة " مدينة براك الشاطئ سنة 1996" و التي نفدها أثنين من أبناء ســـوق الجمعة بطرابلس و هما محمد عبد الله القريو و عبد الرزاق الترهوني و تسمى بعملية "الرمانة" نسبة للقنبلة التي استعملت في العملية و لكنها لم تنفجر.
(ركام الطائرة العسكرية الليبية "أنتونوف 26" - رويترز )
في العام 1999 قررت الجماعة الليبية المقاتلة تجميد نشاطها المسلح و استطاع أغلب قادتها العودة الى افغنستان بعد وصول حركة طالبان الى السلطة العام 1996 و تشكل ما عرف "بالامارة الاسلامية الشرعية" ترافق ذلك مع عودة أغلب الفصائل و القيادات الجهادية في الوطن العربي الى كابول و افغنستان و تشكل "تنظيم قاعدة الجهاد" بزعامة اسامة بن لادن غير أن الجماعة المقاتلة كانت قد تحفظت انذاك على مشروع بن لادن و رفضت الانصهار في القاعدة مراهنة على مشروعها القطري الذي يهدف الى اسقاط النظام الليبي و اقامة دولة اسلامية في الحدود الليبية المعروفة دون ارادة في الدخول في معارك مع "قوى الاستكبار" الدولي،لتشكل الجماعة في افغنستان معسكرها الخاص بها حتى دوت انفجارات الحادي عشر من سبتمبر 2001 و تشتت الجمع الجهادي العربي .
و في العام 2006 بدأ الحوار بين الدولة و قيادات الجماعة المقاتلة في السجون برعاية مؤسسة القذافي للتنمية بقيادة نجل القذافي ،سيف الاسلام و بواساطة الشيخ الاخواني الليبي علي الصلابي ،و الذي بلغ ذروته في العام 2009 حين أصدرت الجماعة مراجعات فقهية و فكرية لتجربتها المسلحة تحت عنوان " دراسات تصحيحية في مفاهيم الجهاد والحسبة والحكم على الناس" وخلصت فيها إلى عدم جواز حمل السلاح لقلب الأنظمة العربية والإسلامية،و انتهت الى ان القذافي "ولي امر شرعي لا يجوز الخروج عليه بالسلاح " .
و كان القائمون على المراجعات هم ستة من قادة الجماعة : "أميرها عبد الحكيم الخويلدي بالحاج (أبو عبد الله الصادق) ونائبه خالد محمد الشريف والمسؤول الشرعي سامي مصطفى الساعدي (أبو المنذر الساعدي) والأمير الأول للجماعة مفتاح المبروك الدوادي (عبد الغفار) والقائد العسكري مصطفى الصيد قنيفيد (أبو الزبير) وعبد الوهاب محمد قايد (الأخ الأكبر لأبي يحيى الليبي)".(1)
فبعد أن خاضت الجماعة الليبية المقاتلة أكثر من خمسة عشر سنة من الجهاد المسلح ضد نظام العقيد القذافي وحاولت اغتياله في أكثر مرة معتبرة إياه "حاكما طاغوتيا لا يحكم بما أنزل الله" انقلبت الجماعة فجأة و أصدرت مراجعاتها الشرعية ليصبح القذافي "الأخ قائد الثورة'' ( ثورة الفاتح من سبتمبر و ليس 17 فبراير ). لتطوي الدولة الليبية والجماعة المقاتلة صفحة الماضي بظهور "الدراسات التصحيحية" صفحة الصراع بين الجماعة و النظام ،و قد شارك في صياغة هذه المراجعات القيادي السابق في الجماعة نعمان بن عثمان رئيس مؤسسة كوليام لمكافحة التطرف في بريطانيا و قيادات الجماعة في السجون بينهم مفتيها سامي الساعدي و أميرها عبد الحكيم بالحاج المكني بأبي عيد الله الصادق ،ليخرج قادة الجماعة عي الشاشات الفضائية في مؤتمر صحافي رفقة المفتي الحالي الصادق الغرياني و علي الصلابي و بمباركة بالشيخ الاخواني يوسف القرضاوي معلنين بأن "معر القذافي ولي أمر شرعي لا يجوز الخروج عليه ،و أن الخروج على ولاة الأمر بالسلاح أمر محرم شرعا"،و انطلقت بعدها السلطات الليبية في إخلاء السجون من معتقلي التيار الإسلامي بطيفيه "الاخواني" و "الجهادي".(2)
و بدات السلطات الليبية في اطلاق سراح المعتقليين الجهاديين على دفاعت و كانت الصدفة ان يقع اطلاق سراح الدوادي يوم 16 فبراير 2011 اي يوما واحدا قبل اندلاع اندلاع الشرارة الأولى للحراك في الشارع الليبي في 17 فبراير 2011 ،في اول الامر لزم الجهاديون و من خلفهم قيادات الجماعة المقاتلة الصمت ،"بل ان الجماعة قد دعت أنصارها و إلى حدود أواخر شهر مارس 2011 إلى التزام الحياد تجاه ما سمى آنذاك بالثورة ،و لكن مع انطلاق الضربات الأولى لحلف الناتو على ليبيا بعد تبني قرار المجلس الأمن القاضي بالحظر الجوي بدواعي حماية المدنين تغير خطاب الجماعة المقاتلة و انخرطت رسميا في النزاع المسلح ضد النظام". (3)
انخرط مفتاح الدوادي في القتال ضد النظام مع بدايات العمل المسلح و تحديدا في مدينة مصراطه التي ينحدر منها مشكلا "كتيبة 17 فبرارير "حتى سقوط النظام في اواخر أب أغسطس 2011 ثم شغل منصب وكيل وزارة رعاية الشهداء والجرحى والمفقودين في حكومة عبد الرحمان الكيب التي تشكلت في نوفمبر/تشرين الثاني 2011 ،ثم ترشح عن حزب الامة الاسلامي لانتخابات المؤتمر الوطني الليبي التي اجريت في يوليو 2012 غير انه لم يتمكن من الفوز،لتنتهي مسيرة الدوادي قتيلا في حادث تحطم طائرة الانتونوف 26 على الاراضي التونسية .
__________
(1)- كميل الطويل : مراجعات الجماعة الإسلامية المقاتلة بعد سنة على التجربة
(2)- أحمد النظيف : إسلاميو ليبيا والنظام السابق :في تحولات الخطاب من الولاء إلى التجريم - http://bit.ly/1jjul5J
(3) – المصدر السابق