يبدو صليل الصوارم ٤ وكأنه أحدث أفلام الحركة في سلسلة هوليوودية. يبدو وكأنه أحد تلك الأفلام أيضًا. إنه فيلم طويل، صدر على الإنترنت قبل أسابيع قليلة، يشتمل على سرد بطيء لأحداث تتعلق بقنبلة ما، الأمر الذي يعيد إلى الأذهان فيلم The Hurt Locker، ولقطات جوية تكافيء تلك التي استُخدمت في فيلم Zero Dark Thirty، ومشاهد صورت من خلال مرمى بندقية قنص بحيث لا تبدو غريبة من وجة نظر المتكلم.

لكن هذه ليست هوليوود. ولعله من المستغرب أن صليل الصوارم ٤ من إنتاج الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، المجموعة الجهادية المتطرفة التي قادت التمرد ضد الحكومة العراقية الاستبدادية، في الأسابيع الأخيرة، والتي تدير أجزاءً من شمال سوريا .

يرغب داعش في دفع الناس، الذين يعيشون في الأراضي التي يسيطر عليها حاليًا، للعودة إلى التقاليد المحافظة جدًا التي - كما يزعمون - أقربُ إلى المسلمين الذين عاشوا في الماضي. إلا أن هذا الهدف الرجعي يترافق مع آلة دعاية شديدة الحداثة تحافظ على أن الهجمات السادية لداعش سيتم التروج لها عمليًا على وسائل التواصل الاجتماعي، وهو تطبيق [أبليكيشن] مصمم خصيصًا - وأشرطة فيديو جيّدة الصنع مثل صليل الصوارم ٤.

عندما اقتحم داعش الموصل في العراق، في وقت سابق من هذا الشهر، قال محللون إن دعايتهم تلك جعلت القتال أسهل. في الحروب الغابرة، مهّدت الجيوش مسيرتها بالصواريخ. ولقد فعلت داعش الأمر نفسه لكن باستخدام تويتر وفيلم.

وقد ثبّت الآلاف على تويتر التطبيق الذي يسمح لداعش باستخدام حساباته لإرسال تحديثات مكتوبة مركزيًا لأتباعه. وكونهما قد صدرا في الوقت نفسه، جعل ذلك داعش يغوص في مستنقع رسائل مواقع التواصل الاجتماعي. يسهّل تطبيق داعش الوصول إليه عبر الإنترنت أكثر بكثير مما تسمح به حساباته الخاصة. ينشر التطبيق أخبارًا عن تقدم داعش وصورًا دامية، أو أشرطة فيديو مخيفة مثل صليل الصوارم - مما يخلق انطباعًا بوجود قوة متفشية لا يمكن إيقافها.

وهذا ما حدث بحسب قول العراقيين. عندما اقتحمت داعش الموصل، فرَّ الجنود العراقيون من أماكنهم، حيث كانوا على ما يبدو يعلمون بأنهم سيواجهون مصيرًا شنيعًا في حال أسروا أثناء الخدمة.

"وكان الفيديو رسالة إلى أعداء داعش"، بحسب قول أبو بكر الجنابي، وهو مؤيد عراقي لداعش انتقل إلى الاتحاد الأوروبي مؤخرًا بسبب الحظر المفروض على مواقع التواصل الاجتماعي في العراق. ويدّعي أن لديه معرفة بعمليات وسائل الإعلام في الجماعة. "إنها كأن تقول لهم داعش: انظروا إلى ما سيحدث لكم إذا وقفتم في طريقنا، وهذا ينجح في الواقع: الكثير من الجنود يهربون بمجرد رؤية الرايات السود لداعش".

زيد العلي، مؤلف كتاب النضال من أجل مستقبل العراق، وهو كتاب حول العراق المعاصر نُشر في وقت سابق من هذا العام، يقول: في الواقع، إنه ليس من الواضح كم من الناس يتبعون داعش على تويتر أو فيسبوك. ويضيف "لكن الانطباع العام أن داعش يحاول نقل وجهة نظره؛ هذه القوة العنيفة جدًا التي تحرز تقدمًا كبيرًا في سوريا والعراق - تحاول التسلل للسكان المحليين". كما يقول زيد إن "الصورة التي ينقلونها عن أنفسهم قد أقنعت الناس في أجزاء عديدة من البلاد، و[كان] ذلك بوضوح عاملًا في تشجيع الناس على ترك مواقعم مع تقدم داعش".

حاول داعش وأتباعه سلوك نهج مماثل مع بغداد. بينما ارتفعت المخاوف من هجوم داعش على العاصمة العراقية، أثار أنصار داعش التوترات عن طريق الإفراج عن صورة جرى تعديلها بالفوتوشوب يظهر فيها مسلح داعشي في بغداد، مع عبارة: "بغداد، نحن قادمون". كما كتب جي إم بيرجر، وهو خبير في التطرف، في ذي أتلانتيك: "إن حجم هذه التغريدات يكفي لجعل أي بحث عن كلمة 'بغداد' على تويتر يظهر الصورة ضمن نتائجه الأولى، وتلك بالتأكيد إحدى وسائل ترهيب سكان المدينة".

في الواقع، إن استخدام داعش لوسائل التواصل الاجتماعي خبيث جدًا لدرجة أنه جعل المجموعة تبدو أكثر قوة مما هي عليه. تغطية هويتها التي تمثل تهديدًا على الإنترنت قد يكون أخفى الدور الذي لعبته جماعات سُنيّة أخرى في التمرد في العراق - ما جعل أعدائها يفكرون بالخطأ أن داعش تسيطر على كل العراق.

"إن الخوف من اقتحام داعش للعاصمة مصدره حملته على وسائل التواصل الاجتماعي، وليس حقيقة واقعة"، كما يقول مراسل الشرق الأوسط لصحيفة الغارديان، مارتن شولوف، الذي يتمركز حاليًا في بغداد. يضيف: "إنهم لا يملكون القوة البشرية للقيام بذلك".

إن إنتاج وسائل إعلام داعش ليس كله همجيًا. بل إن الكثير من دعايته مخيف. أظهر فيلم صليل الصوارم ٤ أسرى داعش وهم يحفرون قبورهم بأيديهم حرفيًا، في حين أن داعش نشرت على تويتر صور مجزرة تمت بدم بارد ضد الجنود العراقيين في تكريت، مسقط رأس صدام حسين. لكن رسائل داعش الأخرى تركز على نشاطها الاجتماعي - صور لأنصارها وهم يجلبون الحصاد، أو يقدمون شحنات الغذاء. ووزع الأعضاء مؤخرًا دورية إخبارية باللغة الإنجليزية - وهي عبارة عن ملف PDF مصمم تصميمًا جيدًا جرى حذفه من على شبكة الإنترنت - توثّق تفاصيل مملة في كثير من الأحيان عن عملهم المجتمعي.

وإذا بدا عمل داعش احترافيًا ومبنيًا على خطة، فهذا لأنه كذلك بالفعل، كما يقول أبو بكر الجنابي، الداعم لداعش في العراق. وفقًا للجنابي، يدير داعش حسابات تويتر مركزية، (وعندما لا تكون محظورة من قِبل إدارة تويتر) تغرّد التصريحات الرسمية وتحديثات الأخبار. ثم هناك حسابات المحافظات "لكل محافظة يتواجد فيها داعش - وهي تنشر بثًا مباشرًا عن عمليات داعش [المحلية]".

an-isis-propaganda-video.-012.jpg

صورة دعائية لداعش: "أنت تموت مرة واحدة فقط، لماذا لا تجعلها شهادة."

تم بناء التطبيق من قِبل الأعضاء الفلسطينيين التابعين لداعش، وبالتشاور مع القادة في العراق وسوريا، كما يقول الجنابي. ولّدت الجماعة الأوسع مصممين مدربين. وقال "هناك الكثير من الناس في داعش لديهم معرفة جيدة بتطبيقات أدوبي وبالجرافيك، وفوتوشوب، وغيرها وهناك أناس كانت لديهم حياة مهنيّة في التصميمات، وغيرهم علم نفسه بنفسه".

جرى إنتاج صليل الصوارم ٤ من قِبل صانعي أفلام محترفين، كما يدّعي الجنابي - ويعتقد مراقبون مستقلون أنه قد يكون على حق. "أفرجت عملية داعش الرسمية عن صور لهم أثناء تصويره - وكلها بالمعدات التي نستخدمها في مجلة فايس"، بحسب قول صحفي فايس، أريس روزينوس، الذي يقدّم تقاريره على نطاق واسع حول كل من الجهاديين ونشاطهم عبر الإنترنت (تحذير: تحتوي على صور بشعة). وأضاف "إنها معدات عالية الجودة وهم في الواقع من ذوي المهارات الفنية في استخدامها، بطريقة لا يقدر عليها متمردون آخرون. إنهم أيضًا جيدون حقًا في استخدام فوتوشوب".

ولكن في حين أن أجزاءً من رسائل داعش مركزية ويديرها محترفون، فهو يستمد قوته على الإنترنت أيضًا من مشاركة رقعة واسعة من الجهات الفاعلة المستقلة. أولًا، هناك معجبون بداعش على الإنترنت: الآلاف من أنصار داعش الذين ليس لهم أي دور رسمي داخل الجماعة، ولكنهم يعززونها بإعادة إرسال رسائلها وذكرها، ويترجمون حديثها بالعربية إلى المتعاطفين المحتملين في الغرب. وكثير منهم صنع شعارات لتعزيز المجموعة - في الواقع، العديد من إعلانات داعش تأتي عن هذا الطريق، كما يدعي الجنابي. "غالبًا ما يكون تصميم جرافيك مستقل، ويتم من قِبل أفراد. على سبيل المثال، الصورة التي كانت تقول "بغداد، نحن قادمون" - لم يطلب أحد (من صانعيها) أن يصنعوها، ولكنهم فعلوا ذلك على أي حال".

ثم هناك أعضاء داعش أنفسهم. فهم يغرّدون عن تجاربهم في القتال، وينشرون صورهم الخاصة بهم - وأحيانًا تكون صورًا دامية بها رؤوس مقطوعة، وفي أحيان أخرى تكون صورًا عادية للطعام والقطط - ويقدّر ذلك بعض الجماهير.

"مرّتي الأولى!" هكذا كتب جهادي بريطاني تحت صورة على فيسبوك تظهر يده فيها ملطخة بالدماء - على ما يبدو بعد أن قتل الخصم. ويرد عليه صديق "أول كثيرين"، ويرد صديق آخر: "مبروك".

ويستخدم آخرون حسابات انستاغرام لنشر شعارات مؤيدة للجهاد جيدة الصنع، موجهة إلى المشاهدين الغربيين، وهي على ما يبدو موضع تقدير عندهم. يقول شعار أعجب به 72 شخصًا على تويتر "أنت تموت مرة واحدة فقط، لماذا لا تجعلها شهادة".

هذا النوع من استخدام وسائل التواصل الاجتماعي هو الذي يشير إلى الهدف الثالث من حرب داعش الدعائية. في حين أن وجود داعش على تويتر أولًا وقبل كل شيء يعمل على إخافة أعدائه في العراق وسوريا، وإبلاغ أعضائه هناك، فإنه قد يساعد داعش أيضًا على توسيع نفوذه بين الجهاديين من خارج الشرق الأوسط. فرغم أنه اسميًا يعتبر فرعًا لتنظيم القاعدة، فقد تبرأ من داعش المنظمة الأم. ونتيجة لذلك، فهو الآن في منافسة نشطة مع الجماعة التابعة لتنظيم القاعدة في سوريا، وهي جبهة النصرة، فضلًا عن فروع تنظيم القاعدة في جميع أنحاء العالم.

جزء من أغراض نشاط وسائل التواصل الاجتماعي لداعش "هو بالتأكيد تخويف الناس"، كما يقول أيمن التميمي، وهو زميل في منتدى الشرق الأوسط، مركز أبحاث أمريكي. ويضيف "لكن أيضًا لإعطاء داعش أهمية أكبر في التغطية الإعلامية على نطاق أوسع، لقد أصبح ذلك نوعًا من إعلانات التوظيف في منافسة مع تنظيم القاعدة من حيث ريادة الجهاد العالمي، وكسب تأييد الجهاديين في جميع أنحاء العالم. لقد فازوا بالمعركة بطريقة ما: فمعظم المقاتلين الأجانب الذين يذهبون إلى سوريا ينضمون إلى داعش ولكن في جميع أنحاء العالم، لم يفز تمامًا بطريقة أو أخرى. فأنصار الشريعة في تونس وليبيا يميلون إلى تأييد داعش. ولكن لديك الجماعة التابعة لتنظيم القاعدة في الصومال والتي تقف بشكل واضح مع تنظيم القاعدة".

داعش ليست بأي حال المجموعة الجهادية الوحيدة التي تستخدم الإنترنت لصالحها. لدى جبهة النصرة أيضًا شبكة من كاتبي تويتر الخاصين بالمحافظات، وهو أمر مستوحى على ما يبدو من داعش. إحدى الجماعات التابعة لتنظيم القاعدة في اليمن أصدرت مقطع فيديو لأفعالهم قاموا بتحريره ليبدو وكأنه لعبة إطلاق النار من المتكلم. في مصر، التهديد الإرهابي المهيمن - أنصار بيت المقدس المتصلة بتنظيم القاعدة – تصدر مقاطع فيديو بانتظام لتشرح الكيفية التي نفذت بها هجمات معينة، ويشوب إنتاجها أحيانًا روح الدعابة. عندما ادّعت الشرطة المصرية أنها قتلت زعيم الجماعة هذا العام، سرعان ما نشرت الجماعة صورة للرجل الذين يزعمون موته يقرأ تقريرًا حول اغتياله.

يقول المحللون إنه لا توجد أي جماعة أخرى لها فهم متطور لوسائل الإعلام الاجتماعي مثل داعش. ويقول زيد العلي "إن أعضاء أحد الجماعات السُنيّة الرئيسية المنافسة لداعش في العراق - جماعة النقشبندية المرتبطة بحزب البعث - هم أكثر عرضة لتحميل خطب قادتهم على موقع يوتيوب، وأنا لا أعتقد أن أحدًا يُبدي أي اهتمام لتلك الأشياء". وعبر الحدود في سوريا، تنتهج جبهة النصرة نهجًا أكثر دقة، وربما يكون لديها أعدادًا مماثلة من المؤيدين عبر الإنترنت. ولكن عندما حلل جيه إم بيرجر أداء كل منها في فبراير الماضي، اكتشف أن "الهاش تاجز" المرتبطة بداعش تلقت ما يصل إلى أربعة أضعاف ما يُكتب لتعزيز جبهة النصرة.

ويختم صحفي مجلة فايس أريس، روسينوس، حديثه قائلًا "إن جبهة النصرة قد تفوقت عليها داعش على كل المستويات - في ساحة المعركة، وفي معركة وسائل الإعلام. إما أن لديها موارد أقل - أو أنها أقل تناغمًا مع العالم الحديث بطريقة لا تعاني منها داعش".

المصدر: Patrick Kingsley - The Guardian