تشهد منطقة الساحل والصحراء في أفريقيا تشابكات معقدة للتنظيمات الإرهابية التي تهدد أمن واستقرار هذا الجزء من القارة السمراء، بعض من تلك التشابكات تتمسح بالدين حينا وبعضها الآخر يقوم على تأجيج النزعات القبلية أو التعصب العرقي أو بين ها وذاك، لتصبح تلك التنظيمات الإرهابية انعكاسا لكل ألوان الطيف الديني والإنساني والعرقي في هذا الجزء من القارة.
وتشير الإحصاءات إلى أن عدد العمليات الإرهابية التي تنفذها الجماعات المتطرفة والتكفيرية في منطقة الساحل والصحراء الكبرى الإفريقية ارتفع من 90 عملية في العام 2016 إلى 194 عملية في العام 2017 ثم زاد العدد إلى 465 عملية في العام الماضي 2018، وكذلك ارتفعت أعداد الضحايا جراء تلك العمليات من 218 قتيلا في العام 2016 إلى 529 قتيلا في العام 2017، وإلى 1110 قتلى في العام الماضي، واتسع نطاق هجمات تلك الجماعات الإرهابية على المدنيين خلال الأعوام الثلاثة الماضية من 18 عملية استهداف للمدنيين في العام 2016 إلى 39 عملية في العام 2017 ليقفز العدد إلى 160 عملية خلال العام 2018، وبذلك شكلت العمليات الإرهابية الاستهدافية الموجهة ضد المدنيين نسبة 34 في المائة من إجمالي العمليات التي نفذتها جماعات الإرهاب في إقليم الساحل والصحراء الكبرى حتى نهاية العام الماضي.
ويعد إياد حاج غالي من أبرز قادة تلك الجماعات الإرهابية حيث حاج غالي هو مؤسس حركة "أنصار الدين" في العام 2015 بعد فشله في تولي قيادة الحركة الوطنية لتحرير ازواد في مالي والتي اعلنت تمردها المسلح على حكومة مالي في العام 2012، وتعد منطقة كيدال بشمال مالي مسرح العمليات الرئيسي لتلك الجماعة.
وتوجد أيضًا جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" التي تعمل في مالي والتي تعد تحالفا بين عدة تنظيمات اصولية متشددة، وقد تأسست في مارس من العام 2017 وبايعت زعيم حركة أنصار الدين إياد حاج غالي زعيما لها، ومنذ العام 2015 ظهرت منظمة ارهابية أطلقت على نفسها اسم "جبهة تحرير ماسينا" التي أسسها احمدو كوفا الذي يعتقد انه قتل برصاص الأمن في جمهورية أفريقيا الوسطى، وتنشط عمليات تلك الجبهة التي ينتمي غالبية أعضائها إلى أقلية الفُولاني العرقية المهمشة في وسط مالي في منطقة موبتى في صحراء مالي.
ويرجح مركز الدراسات الاستراتيجية في أفريقيا ومقره اديس إبابا أن تكون تلك الجبهة قد استقطبت عناصر سبق لها الانضمام إلى حركة الوحدة والجهاد في غرب أفريقيا وهي منظمة جهادية، كما أن لجبهة تحرير ماسينا ذراعا مسلحا يطلق عليه اسم "كتيبة ماسينا".
تجدر الإشارة إلى أن كلمة "ماسينا" يراد منها التذكير والإشارة إلى إمبراطورية ماسينا الفولانية التي قامت في القرن التاسع عشر في هذا الجزء من أفريقيا، وتاريخيا فقد حصل بعض الفولانيين الذين يمثلون تسعة في المائة من سكان مالي على أسلحة من ميليشيات موجودة منذ فترة بعيدة تشكلت لحماية أراضي الرعي، وتوجد ميليشيا مماثلة من الفولانيين في مختلف أنحاء منطقة حزام الساحل القاحلة الممتدة من السنغال إلى السودان.
ومن المعروف أن لعرقية الفولانى كذلك تواجدا ممتدا من موريتانيا إلى الكاميرون، مروراً بالسنغال ومالي والنيجر وبوركينا فاسو وتوجو ونيجيريا وتشاد وجمهورية وسط أفريقيا وغينيا بيساو وغينيا كوناكري. وتشير بعض الإحصاءات إلى أن عدد الفولان ربما يصل إلى 18 مليون شخص موزعين على 13 دولة عبر القارة الأفريقية.
وفى غرب أفريقيا، تنشط منظمة تحت مسمى "كتيبة سيرما" بقيادة العنصر المتطرف أبوجليل الفولاني وهي تنشط في منطقة سيرما بوسط غرب أفريقيا، وينتمي معظم عناصرها إلى أبناء عرقية الفولاني وهي عرقية واسعة الانتشار في منطقة غرب أفريقيا والساحل والصحراء الكبرى، وهذه الجماعة تتمتع بما يشبه استقلالية في نشاطها وعملها.
ولتنظيم القاعدة أيضًا تواجده في إقليم الساحل وغرب إفريقيا فيما يعرف بتنظيم "القاعدة في بلاد الصحراء" وهو في حقيقته تنظيم تابع لتنظيم أوسع نطاقا وهو "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" الذي يقوده العنصر المتطرف ذو الخطورة العالية جميل أوكاكا والمعروف حركيا بالاسم الكودي يحيى ابو الهمام، وتعد مناطق مالي وجنوبي غرب جمهورية النيجر هي مسارح العمليات والنشاط لهذا التنظيم.
وينشط في إقليم الساحل الأفريقي تنظيم لا يقل خطورة وهو تنظيم "المرابطون" بقيادة حسان الأنصاري الذي تولى القيادة بعد اختفاء ومقتل مؤسس التنظيم مختار بوالمختار والذي لا يزال يعد الأب الروحي للتنظيم الذي ينشط في الامتدادات الصحراوية في مالي والنيجر وتشاد.
وفى بوركينا فاسو، توجد حركة "أنصار الإسلام" المصنفة إرهابيا والتي تأسست في العام 2016 بقيادة معلم إبراهيم ديكو وتنشط عناصرها في الأقاليم الجنوبية لبوركينا فاسو، ولداعش أيضا تمثيله على خارطة الإرهاب في إقليم الساحل الأفريقي والصحراء الكبرى، ففي مايو 2015 أسس أبو الوليد الصحراء القيادي السابق في تنظيم "المرابطون" جماعة أطلقت على نفسها "الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى" وتنشط تلك الجماعة في مناطق المتاخمة الحدودية بين جمهوريات مالي والنيجر وبوركينا فاسو.
ومن مظلة تنظيم القاعدة خرج العنصر الإرهابي سلطان ولد بادي العضو السابق في تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وأسس ما يعرف بحركة "كتيبة صلاح الدين" التي تعمل كقوة إرهابية متخصصة في العمليات النوعية ووكيل عن تنظيم "الدولة الاسلامية في الصحراء الكبرى" السابق الإشارة إليه.
وتشهد مالي النصيب الأكبر من عدد العمليات الإرهابية المنفذة في إقليم الساحل والصحراء الأفريقي، ففي العام الماضي شهدت مالي نسبة 64 في المائة من إجمالي العمليات الإرهابية المنفذة على مستوى دول الأقاليم كلها، وكان لجماعتي الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى وأنصار الإسلام نسبة تنفيذ لا يقل عن 26 في المائة من العمليات في مالي.
وخلال العام الماضي، كانت الفصائل التابعة لجماعة نصرة الإسلام والمسلمين – التي تأسست في مارس 2017 – هي الأكثر تنسيقا على صعيد تنفيذ العمليات فكانت وراء نصف عدد الهجمات الإرهابية المنفذة تقريبا في العام 2018، ونفذت حركة جبهة تحرير ماسينا نسبة لا تقل عن 40 في المائة من هجمات الإرهاب في العام 2018، ونفذت جماعة أنصار الإسلام نسبة 15 في المائة من الهجمات الإرهابية في منطقة الساحل الإفريقي خلال العام الماضي.
وتعد بوركينا فاسو من بلدان الساحل والصحراء الإفريقية التي شهدت المعدل الأسرع لتنامى وتيرة العمليات الإرهابية فيها، فمن ثلاث عمليات فقط شهدتها بوركينا فاسو في العام 2015 صعد العدد إلى 12 عملية في 2016 ثم ارتفع إلى 29 عملية في العام 2017 وكانت القفزة الكبرى في العام 2018 عندما ارتفع عدد العمليات إلى 137 عملية خاصة في مناطق البلاد الشرقية، كما كان عدد العمليات الإرهابية وتنوعها في بلدان مالي وبوركينا فاسو والنيجر مجتمعة خلال العام الماضي أعلى بكثير عن عدد العمليات المنفذة خلال الفترة من 2009 وحتى 2015 في البلدان الثلاثة.