ينتظر التونسيون خلال الأيام القادمة خطاب المصارحة الذي سيلقيه رئيس الحكومة مهدي جمعة ، وهو الاول له منذ دخوله قصر القصبة قبل شهر، والذي سيكون وفق ما رشح من مصادر قريبة من أهل القرار الحكومي، تحذيرا من الوضع الكارثي الذي قد يسقط فيه الاقتصاد التونسي ،اذا لم يتم اتخاذ قرارات عاجلة ومؤلمة في ان٠

خطاب المصارحة والمكاشفة الذي سيلقيه جمعة بداية الأسبوع المقبل لن يركز كثيراً على تقويم مسار تنفيذ خارطة الطريق بكل بنودها، في وقت بدا فيه الرباعي الراعي للحوار الوطني راضيا عن شروع الحكومة في تنفيذ ما تعهدت به وما كلفهتها به مؤسسة الحوار الوطني، وخاصة في ما يتعلق بمراجعة التعيينات وتحييد المساجد وحل روابط حماية الثورة ٠٠٠

رئيس الحكومة رأى أن المؤشرات الاقتصادية لم تتحسن وليس هناك احتمال لاستعادة نسق النمو المعتاد، بل برزت تلميحات تؤكد أن التركة كانت أثقل مما تم الإعلان عنه من الحكومة المستقيلة وخاصة في ما يتعلق بنسبة عجز الموازنة التي تبين انها تقريبا ضعف ما أعلنته حكومة العريض التي حددته بنسبة  17 بالمائة في حين تبين أنه في حدود 32 بالمائة ٠

جمعة سيلتقي قيادات الأحزاب الوطنية وسيكشف لهم مواضع تردي القطاع الاقتصادي وسبل معالجته والتي تفترض حلين لا يقل الواحد منهما مرارة عن الاخر، وتفرض على جمعة وفريقه إيجاد وفاق وطني واسع يجعل الدواء المر مقبولا من الجميع وباقتناع حتى يعطي مفعوله ولا تتعكر الأوضاع أكثر٠

الحل الاول المطروح يتمثل في اللجوء الاضطراري الى التداين الخارجي، في وقت بدت نسبته محرجة للحكومة والدولة والأجيال المقبلة، خاصة وأن جزءا مهما من الديون السابقة لم تتجه الى الاستثمار وخلق الثروة وبعث مواطن الشغل بل الى دفع بعض النفقات المستعجلة التي لم تجد لها الحكومة الموارد اللازمة٠

الحل المر الثاني المطروح على الحكومة في هذا الظرف الذي يسعى فيه الجميع الى التهدئة وترسيخ الاستقرار الاجتماعي والضغط على الأسعار وتحسين المقدرة الشرائية للتونسيين ، يتمثل في الاضطرار الى رفع الدعم عن عديد المواد ذات الاستهلاك الواسع وبالتالي الزيادة في أسعارها، وهي قرارات لاشعبية ستفسد مناخ الثقة الذي بدأ في العودة بعد خروج حكومة الترويكا، وتهدد تشكل بيئة انتخابية ملائمة لتنظيم الاستحقاقات القادمة التي اتفق الفرقاء السياسيون على إتمامها قبل نهاية العام الحالي٠

هذا الحل ، ان تم إقراره ، سيثير ردة فعل مشتركة بين الفئات الشعبية والنخب السياسية ، فالأولى دفعت الكثير من التضحيات من خبزها اليومي خلال السنوات الثلاث التي تلت الثورة ، والثانية ترى أن الحكومة خضعت الى ابتزاز صندوق النقد الدولي وقبلت باملاءاته وشروطه الداعية الى مراجعة سياسة الدعم في اتجاه إلغائه نهائيا بعد ثلاث سنوات ، اضافة الى تجميد الأجور ،ووهو ما ترفضه الهياكل النقابية التي بدأت تضغط في اتجاه الانطلاق في مفاوضات جديدة للترفيع في الأجور لتدارك اهتراء المقدرة الشرائية 

جمعة سيدعو أيضاً ، وبغض النظر عن القرار الذي سيتم اتخاذه، الى ترسيخ ثقافة العمل والإنتاج والى تقاسم التضحيات بين كل التونسيين ، خاصة في وقت بدت فيه المساعدات الدولية شحيحة وأقل بكثير مما تم الإعلان عنه من الدول المانحة سنة  2011 في مؤتمر دوفيل الفرنسية٠

فماهي ملامح قرار المهدي المنتظر خلال الأيام القادمة ،وهل سيجد السند من الأحزاب و المنظمات الوطنية وكافة مكونات المجتمع لوصفته العلاجية ؟ وهل يمكن للقرار المختار أن يضمن عودة الحياة الى الاقتصاد الذي أنهكته عديد المعوقات؟