قال مهدي مبروك، أستاذ علم الاجتماع في الجامعة التونسية ووزير الثقافة السابق ورئيس فرع المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بتونس، إن بلاده تمثل أرض عبور للمهاجرين غير النظاميين ولن تكون مطلقا أرض توطين لهم.
وأكد مهدي مبروك، في حوار ل "بوابة إفريقيا الإخبارية" اليوم الجمعة، أن تونس لا يمكن أن تصبح مكانا ترحل إليه أوروبا المهاجرين غير النظاميين، مبينا أن اتفاقية "دبلن" تمنع بشكل مطلق على الدول الأوروبية ترحيل المهاجرين إلى دول أخرى.
وذكر أستاذ علم الاجتماع في الجامعة التونسية بأن كل الاتفاقيات (التي نشرت أو التي لم تنشر خلال السنوات الأخيرة) المبرمة بين تونس وكل من إيطاليا وألمانيا تنص على أن قبول تونس مبدأ ترحيل مواطنيها الذين هم في وضعية غير قانونية فقط فيما لم تنصل هذه الاتفاقيات مطلقا على أن تكون تونس مكانا لترحيل أي أجنبي إلى أراضيها.
وأضاف أن قضية المهاجرين غير النظاميين تحديدا وكذلك علاقة تونس بالاتحاد الأوروبي مثلت محل مفاوضات ومحادثات انطلقت منذ عقدين من الزمن في إطار مجموعة "5 زائد 5" وأيضا في إطار اتفاقية "الشراكة المتميزة" لكن عمليا لم تظهر نتائج ترضي الطرفين في حين ظلت بعض المسائل عالقة وأساسا ملف الهجرة غير النظامية.
وأضاف مهدي مبروك أن ملف الهجرة غير النظامية ظل يراوح مكانه ولم يشهد تطورا ملحوظا في عهد الحكومات التونسية المتعاقبة بعد "الثورة"، موضحا أن الحكومات المتعاقبة منذ تاريخ ما بعد 14 جانفي/يناير 2011 لم تشتغل على هذا الملف وكذلك نفس الأمر بالنسبة لاتفاقية الشراكة التي راوحت أيضا مكانها باستثناء الزيارة التي قام بها رئيس الحكومة السابق الباجي قائد السبسي في عام 2012 إلى العاصمة الإيطالية روما والتي تم خلالها تسوية وضعية نحو 25 ألف مهاجر غير نظاميين تونسيين وعدم ترحيلهم.
وتابع مهدي مبروك بأنه بعد عقد من الزمن تؤكد كل المؤشرات ازدياد أعداد المهاجرين غير النظاميين بشكل لافت وتحولت تونس إلى دولة عبور للمهاجرين غير الشرعيين كما أقام بها البعض منهم لأشهر على غرار اللاجئين السوريين ولاجئي جنوب الصحراء.
وأشار إلى أن ملف الهجرة غير النظامية قد شكل عبء على دول العبور ودول الوصول (إيطاليا بدرجة أولى) على حد السواء خاصة أن هذا الملف يأتي في ظل سياق إقليمي يشهد عدم استقرار سياسي وفي مناخ يتسم بتصاعد الخطاب الشعبوي وكراهية المهاجرين.
وأوضح وزير الثقافة التونسي السابق أن رئيسة الحكومة الإيطالية جورجيا ميلوني استثمرت ظاهرة تصاعد الخطاب الشعبوي إزاء المهاجرين، مبينا في السياق ذاته أن مليوني هي أول من استعمل لفظة "الانهيار التونسي" وذلك بهدف مزوج يتعلق الأول بالضغط على السلطات التونسية من أجل المساهمة الفعالة في مكافحة الهجرة غير النظامية فيما يتعلق الثاني بإجبار الاتحاد الأوروبي على تمويل الميزانية الإيطالية المخصصة لمكافحة الهجرة، كما أنها دخلت كذلك في "ملاسنات" حادة مع نظرائها (الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون).
وأردف مهدي مبروك بقوله: "ذكاء ميلوني يكمن في تعاملها مع ملف الهجرة غير النظامية من باب صندوق النقد الدولي وليس من باب الهجرة في حد ذاته..ميلوني دخلت من باب الوسيط بين تونس وصندوق النقد الدولي وبتشكيل "لوبي" لمؤازرة تونس في هذه المفاوضات وبالتالي هي عزفت على وتر حساس قد يرضي السلطات التونسية.. ويبدو أن هذه المساعي قد لينت كذلك من موقف الاتحاد الأوروبي..إلا أن بعض المسائل مازالت عالقة ودليل ذلك حديث وزير الخارجية الأمريكي مع نظيره الإيطالي مؤخرا..".
وبخصوص تقييمه للموقف التونسي الرسمي تبعا لمخرجات زيارة رئيسة الحكومة الإيطالية والبيان الأوروبي المشترك، قال د. مهدي مبروك إن الموقف التونسي "ملتبس" و"مثير" لثلاثة أسباب أولها الخطاب السيادي القطعي ودليل ذلك أن رئيس الجمهورية قيس سعيد قد زار محافظة صفاقس قبل ساعات من زيارة ميلوني، وثانيهما أن الموقف الرسمي التونسي براغماتي حيث تجرأت تونس على مقايضة تحكمها في إدفاق الهجرة غير النظامية نحو إيطاليا بمساعدتها اقتصاديا ودليل ذلك أن عدد المهاجرين نحو إيطاليا قد انخفض بشكل لافت خلال شهر ماي/أيار 2023.
أما السبب الثالث الذي اعتبر محدثنا بموجبه أن الموقف الرسمي التونسي من هذا الملف "مثير و"ملتبس"، فأوضح مهدي مبروك أن الموقف الرسمي التونسي يثير أحيانا انتقادات من المنظمات الحقوقية.
كما اعتبر محدثنا أن الخطاب الرسمي التونسي إزاء ملف المهاجرين غير النظاميين قد شهد تغيرا ولاسيما خلال الزيارة التي قام بها رئيس الجمهورية قيس سعيد إلى صفاقس مؤخرا حيث حاول سعيد التدارك واعتبر هؤلاء المهاجرين "ضحايا النظام العالمي" وأبدى تعاطفا معهم، وفق تعبيره.