تتصاعد حدة الاشتباكات المسلحة في العاصمة الليبية والتي تقترب من شهرها العاشر دون بوادر تهدئة أو حسم.وفي الوقت الذي اتجه فيه الجيش الليبي لمنح مليشيات مصراتة التي تقاتل في صفوف قوات حكومو الوفاق مهلة للانسحاب من معركة طرابلس تواصل الأخيرة تعنتها وسط حديث عن تدخل تركي ينذر بمزيد من تأزيم الأوضاع وتاجيج الصراع في هذا البلد الممزق منذ سنوات.

وأعلن الجيش  الليبي،الجمعة الماضي، أنه يمهل  مصراتة 3 أيام لسحب مقاتليها من طرابلس وسرت، وقال الجيش الليبي في بيان إنه يوجه "رسالة جديدة لحكماء وعقلاء مصراتة بأن يقدموا مصلحة مدينتهم وأمنها وسلامتها على مصالح المتطرفين الذين يقودونها للدمار والقتل والتطرف والإرهاب".وحث الجيش "الحكماء في مصراته على أن يدعوا أبناءهم الذين يقاتلون في صفوف ميليشيات حكومة الوفاق المزعوم لترك السلاح ومغادرة جبهات القتال في طرابلس وسرت فورا ودون تأخير".

وأعاد الجيش الليبي،امهال ميليشيات مصراتة، 3 أيام إضافية، لسحب مقاتليها من طرابلس وسرت،وقال أحمد المسماري الناطق باسم الجيش الليبي، في بيان له، "أن هذه المهلة جاءت استجابة للاتصالات من بعض الشخصيات الوطنية من أحرار أبناء مصراتة مع القيادة العامة لتمديد المهلة أسبوعا لإعطاء فترة زمنية كافية لجهودهم ومساعيهم لإقناع أبناء مصراتة للعودة إلى مدينتهم".وأكد اعتذار قيادة قوات شرق ليبيا عن هذه المدة، واكتفائها بثلاثة أيام فقط مهلة إضافية، تنتهي الساعة 12 منتصف ليل الأربعاء المقبل.

وبالرغم من أن هذه الدعوة تمثل بحسب الكثيرين فرصة لحقن دماء الليبيين،فان ردود الفعل من حكومة الوفاق وحلفائها ذهبت نحو مزيد من التعنت.حيث رفضت حكومة الوفاق، المهلة وجاء إعلان الرفض على لسان المتحدث باسم "بركان الغضب" مصطفى المجعي، في تصريح له لموقع "الأناضول" التركي.

واعتبر المجعي في تصريحه إن المهلة التي أعطتها القيادة العامة، دليل على فشلها في دخول العاصمة، على حدّ تعبيره، مضيفا بقوله:"تمديد قوات حفتر مهلتهم لقوات مصراتة للانسحاب ما هو إلا مبرر لفشلها بساعة الصفر لاقتحام طرابلس، التي تم الإعلان عنها سابقا".ونفى المتحدث باسم الوفاق، أن يكون هناك أي وفد تفاوض مع القيادة العامة لتمديد المهلة.

ومن جهتها نفت مكونات مدينة مصراتة وجود تواصل بينها وبين قوات الجيش الليبي بشأن انسحاب أبنائها من معركة طرابلس.وأكدت بلدية مصراتة في بيان لها أن الأجسام المنتخبة بالبلدية من مجلس بلدي وممثلوا المدينة من مجلس الدولة والبرلمان وغرفة الطوارئ بالمدينة يؤكدون بأن المدينة لم ولن تتواصل مع قوات الجيش.

وفي ذات السياق،قال رئيس المجلس العسكري لثوار مصراتة سابقا ووزير الجرحى الأسبق رمضان زرموح أن مدينة مصراتة لديها إمكانيات لصد أي هجوم عسكري عليها.وأضاف زرموح في تصريح لبوابة إفريقيا الإخبارية إن المنطقة العسكرية في مصراتة قادرة على رد أي هجوم تتعرض له المدينة مضيفا "إذا وصل القتال لمدينتنا سوف نقاتل دفاعا عنها".

وحول إمكانية انسحاب التشكيلات المسلحة التابعة لمصراتة من الحرب في طرابلس أكد زرموح "أن هذه أوامر عسكرية تم توجيهها من قيادة عسكرية برئاسة فائز السراج للدفاع عن العاصطمة طرابلس" حسب تعبيره.ونفى زرموح وجود مفاوضات مع شخصيات في مصراتة للانسحاب من المعركة داعيا الناطق باسم الجيش أحمد المسماري إلى الإعلان عن أسماء الشخصيات التي تتفاوض مع الجيش بشأن الانسحاب.

ويثير هذا التعنت تساؤلات حول أسبابه بالرغم من الخسائر المتتالية للقوات الموالية لحكومة الوفاق في محاور القتال في العاصمة الليبية والتقدم المتواصل لقوات الجيش الوطني الليبي بصفة يومية في عدة مواقع جديدة ما يعني أنه قد تقدم بحسب المراقبين بالمهلة من موقع قوة وذلك بهدف تجنيب أبناء ليبيا المزيد من الدماء التي أريقت طيلة السنوات الماضية في حروب متجددة.

وكان اللواء أحمد المسماري، الناطق باسم الجيش الليبي،أعلن إن الجيش كبد الميليشيات الإرهابية خسائر فادحة وصلت إلى 1000 قتيل خلال الأيام القليلة الماضية.وأضاف المسماري، خلال لقائه ببرنامج "الحكاية"،مساء الأحد، أن الجيش الليبي يحقق انتصارات على الأرض بالقرب من طرابلس، مشيرا إلى أن الشعب الليبي في العاصمة يساند الجيش الوطني الليبي وينتظر دخوله العاصمة من أجل التخلص من الميليشيات الإرهابية المسيطرة على طرابلس.

وأكد المتحدث باسم الجيش الليبي، إن الجيش يسيطر على 80% من الأراضي الليبية،وأن الميليشيات الإرهابية لا تسيطر إلا على أقل من 20%،مشيرا الى أن الجيش الليبي قريب جدا من العاصمة الليبية طرابلس وهناك قوات ليبية داخل أحياء مدينة طرابلس والجيش الليبي يبعد عن قلب طرابلس مسافة 6 كيلو مترات.

ويبدو أن هذا التعنت والرفض المتواصل مرده تعويل حكومة الوفاق على الدعم التركي الذي تعتبر أنه سيقلب موازين القوى في معركة طرابلس لصالحها وخاصة في ظل التصريحات المتتالية لمسؤولين أتراك حول عزم أنقرة التدخل عسكريا لدعم حكومة السراج وحلفائها من تيار الاسلام السياسي التي تصاعدت وتيرتها في أعقاب توقيع مذكرتي تفاهم بين رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج والرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

هذا الاحتمال أكده رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الليبية، فائز السراج،الاثنين، في مقابلة مع صحيفة "كوريري ديلا سيرا" الإيطالية،حين قال إن طرابلس مهتمة حاليا بإحضار دبابات وطائرات مسيرة تركية.وتطرق السراج إلى الدعم العسكري الذي تأمل حكومة طرابلس أن تحظى به، بقوله "الحكومة الليبية ليس لديها بديل سوى طلب المساعدة العسكرية من تركيا".

وأضاف السراج "نحن مهتمون بالحصول على دبابات وطائرات بدون طيار، ماذا كنتم تتوقعون معذرة؟ ألا نحصل على دبابات وطائرات بدون طيار تركية وتقف حكومتنا مكتوفة الأيدي، بينما نرى تدمير العاصمة طرابلس أمام أعيننا ونرى الدماء في كل مكان؟ كنتم تريدونا أن نقف مكتوفي الأيدي ونرى عاصمة ليبيا تحتل؟".على حد تعبيره.

ومنذ التوقيع على المذكرتين تزايد الحديث عن بدء وصول شحنات السلاح الى القوات الموالية لحكومة الوفاق،وأعلن الجيش الوطني الليبي في بيان له، الأحد، أنه رصد طائرة مدنية بوينج، قامت بنقل عتاد عسكري، من مدينة اسطنبول التركية، إلى مدينة مصراتة قرب العاصمة الليبية.وحذر البيان الذي تلاه الناطق باسم الجيش، اللواء أحمد المسماري شركات النقل الجوي من نقل الأسلحة باستخدام الطائرات المدنية، مشيرا إلى أن "القوات الجوية لن تتردد في إسقاط أو استهداف الطائرات التي تقوم بإدخال الأسلحة".

وأعلن الجيش الليبي في وقت سابق أن مقاتلات سلاح الجو شنت عملية استهداف نوعية طالت عدة مواقع عسكرية في مصراتة، تم استخدامها لتخزين الأسلحة والمعدات العسكرية التركية من قبل ميليشيات حكومة الوفاق المزعوم التي أكدت الليلة ارتهانها الكامل وتبعيتها المطلقة لحكومة تركيا".وأوضح أن الغارات أسفرت عن سلسلة انفجارات متتالية دلت على حجم المخزون العسكري التركي فيها".

ويعد النظام التركي من أكبر الداعمين لجماعة الإخوان والميليشيات التابعة لها في ليبيا،إذ قدم لهم الدعم غير المحدود لبسط سيطرتهم على عدد من المناطق في ليبيا.وبرز التورط التركي في دعم الجماعات الراديكالية من خلال سفن السلاح الممتالية التي كانت تصل ليبيا من تركيا وجرى ضبط العديد منها كما كشفت تصريحات المسؤولين الليبيين في أكثر من مناسبة عن انخراط تركيا في الصراع الليبي منذ سنوات دعما لأذرعها التخريبية في البلاد.

وبعد أن كان الدعم التركي سريا حيث كان نظام أردوغان يحاول التملص من مسؤوليته عن ارسال سفن الموت الى ليبيا،برز هذا الدعم للعلن مع اطلاق الجيش الليبي لعملية "طوفان الكرامة" في الرابع من أبريل/نيسان الماضي لتحرير طرابلس من سطوة المليشيات،حيث أظهر أردوغان وجهه الحقيقي وتتالت تصريحاته المؤكدة لانخراطه في الصراع الليبي ووصل الأمر به الى حد اعتبار ليبيا جزءا من ارث أجداده،ليظهر عقب ذلك،في مقطع مرئي بثته أحد القنوات الفضائية،قائلا "إن هناك مليون تركي يعيشون في ليبيا، والزعيم كمال أتاتورك كان مقاتلًا بالجيش العثماني في ليبيا وكان يكافح هناك في الجبهات، لذا يجب علينا اليوم أن نتواجد في ليبيا ونقاتل أيضًا".

ويجمع الكثير من المتابعين للشأن الليبي أن حكومة الوفاق باتت البوابة المثالية لنظام أردوغان للتدخل بشكل مباشر في ليبيا أملا في دعم حلفائه من تيار الاسلام السياسي وايجاد موطئ قدم له في البلد الغني بالثروات ومد نفوذه في المنطقة ككل.ويشير هؤلاء الى أنه من المتوقع أن يؤجج التدخل التركي المباشر الصراع الإقليمي والدولي على ليبيا،لاسيما مع تصاعد الرفض الأوروبي والمصري للاتفاقيتين اللتين وقّعتهما تركيا مع حكومة طرابلس،وهو ما يعني مزيدا من الضحايا والخسائر في بلد ممزق منذ سنوات.