إلى وقت قريب كان التأريخ الفرنسي و الطرح الوحيد المعترف به رسميا لدى السلطات الباريسية إلى يومنا هذا يقول إن "موريس أودان" الشاب الفرنسي المختص في الرياضيات و المساند للقضية التحريرية الجزائرية أنه اختفى عام 1957 مستثنية بذلك فرضية اغتياله. ولكن كتابا جديدا قدمه الصحفي الفرنسي "جان شارل دونيو" تحت عنوان "الحقيقة حول موت موريس أودان" قدم من خلاله شهادة الجنرال "أوساريس" التي كان قد أدلى بها قبيل أسابيع من وفاته (توفي في ديسمبر 2013) أكد فيها أن موريس أودان "طعن في القلب في 1957 بالجزائر العاصمة تحت أوامر الجنرال الفرنسي "ماسو" بعدما اختطفه مظليون فرنسيون وعذبوه. وخلص صاحب الكتاب إلى أن السلطات الاستعمارية وقتها اختارت هذه الطريقة لقتله لتغليط الرأي العام و جعله يفكر بأن الجزائريين هم من ارتكبوا الجريمة.
و كانت تصريحات مماثلة في مارس 2002 قد أيدت هذه فرضية و قدمتها وقتها الصحفية "ناتالي فونيس" في تحقيق نشرته "لو نوفال أوبسيرفاتور" استمد مرجعته من وثيقة بأرشيف "هوفر انستيتوشن" بجامعة "ستاندفورد" بكاليوفورنيا الأمريكية تعود للعقيد الأمريكي "غودار" وهو قائد سابق بمنطقة الجزائر-الساحل الذي تناقض مع الأطروحة الرسمية و التي تفيد بأن موريس أودان يكون قد لاذ بالفرار خلال عملية تحويل من معتقله وأكد في هذه الوثيقة أن المناضل الوطني قتله عسكريون احتجزوه و ذكر بالإسم العسكري الفرنسي الذي يكون قد قتل "موريس أودان".
أرملة "موريس أودان" تدعو إلى تجريم الاستعمار في الجزائر
يحق الآن للرأي العام في فرنسا والجزائر أن يتحدثوا عن جريمة دولة دون حرج بعد المعطيات التي جاءت بها شهادة الجنرال "أوساريس" والمنشورة في كتاب "الحقيقة حول موت موريس أودان" كما يحق لزوجة ذلك وهي التي أعربت في باريس عن أملها في أن تدين فرنسا التعذيب و عمليات القتل العشوائي التي ارتكبت في الجزائر خلال الحقبة الاستعمارية والتي كانت قد طالبتها بها الأسر الثورية والمجاهدين في الجزائر من خلال المنظمة الجزائرية للمجاهدين، كما يطالب 14 حزباً سياسياً يشكل ما يسمى ب"جبهة الدفاع عن السيادة والذاكرة" البرلمان بإقرار قانون يجريم الاستعمار الفرنسي ، رداً على قانون أصدره البرلمان الفرنسي في فبراير 2006، يزعم بإيجابيات التحضر التي حققها الاستعمار لدول شمال إفريقيا.
وكان الجدل في الجزائر بشكل أخص قد عاد في السنوات الأخيرة حول مسألة تجريم الاستعمار الفرنسي ومطالبته بإعلان اعتذار رسمي واعتراف بالجرائم الدموية التي ارتكبتها في الجزائر. و هذا بتجدد ذلك في كل المناسبات الجزائري تقريبا التي تمت بصلة للاحتفال أو تذكر الحقبة الاستعمارية والنضال فيها. ورغم اعتراف الرئيس الفرنسي "فرانسوا هولاند" خلال زيارته إلى الجزائر شهر ديسمبر 2013، بأن الاستعمار كان جريمة وظلماً قاسياً على الشعب الجزائري، دون أن يعلن عن اعتذار رسمي إلا أنه لم يطفئ اللهيب الجزائري. و يرجع ذلك محللون إلى اعتبارات كثيرة بينها الأنفة والاستعلاء الفرنسي وفي طبقة خاصة فيه ترى أن ما فعلته فرنسا إدماج لمستعمراتها في عالم التحضر والى اعتبار المطالبة المالية التي قد تلي عملية الاعتراف.
من هو "موريس أودان"
قد لا يعلم كثير من الجزائريين وسكان العاصمة على الخصوص من هو "موريس أودان" وهو الذي يحمل إسم أحد أبرز وأعرق الشوارع وسط العاصمة. "موريس أودان" هو مناضل جزائري من اصل أوربي مولود عام 1932 بباجة في تونس انتقل للعيش بالجزائر في سنوات الثلاثينيات والأربعينيات والخمسينيات قبل أن يغتال في سن 25 على أيدي جنود الجنرال "ماسو" يوم 11 جوان 1957 في قلب "معركة الجزائر"، ناضل ضدالاستعمار الفرنسي من خلال انتمائه للحزب الشيوعي الجزائري وهو الأمر الذي أدخله في صراع مع السلطات الاستعمارية التي اعتقلته قبل أن تعذبه وتقتله. وكان عالما في الرياضيات وتم تقديم رسالة الدكتوراه التي أعدها "موريس أودان" قدمت في ديسمبر 1957 أي بعد وفاته.