في سنة 1953، اكتشفت شركات تنقيب ليبية مخزونا هائلا من المياه الجوفية التي يمكن نقلها إلى المناطق الساحلية واستغلالها عوض مياه التحلية، لتتبلور فكرة مشروع النهر الصناعي العظيم، بشكل رسمي، سنة 1983 ويُفعل رسميا سنة 1984. ففي 3 أكتوبر 1984، خرج العقيد معمر القذافي، ليُعلن أنه سيبني مشروعا لإنقاذ ليبيا من كارثة عطش، عبر نقل المياه العذبة عبر أنابيب ضخمة تحت الأرض، وفي 28 أغسطس، من سنة 1984، دشن العقيد الراحل معمر القذافي المشروع.
إلا أنه منذ سنة 2011 حيث انطلقت موجة الفوضى التي تشهدها البلاد لم يسلم هذا المشروع العملاق الذي يحمي الليبيين من العطش و غيره من أسهم الإعتداءات مما جعل جعل مياه الليبيين مهددة بشكل متواصل مما جعل من تزويد الليبيين بالمياه يمسي أزمة تتعقد يوم بعد يوم.
إلى ذلك، أعلن جهاز "مشروع النهر الصناعي" إغلاق مجموعة مسلحة موقع الشويرف وإجبار العاملين على إغلاق صمامات التحكم إلى حين تحقيق مطالبهم.
وأشار الجهاز إلى أن إدارة مشروع النهر الصناعي تبتعد عن جميع الخلافات والصراعات، مطالبة الجهات الأمنية والعسكرية بتحمل مسؤولياتها لحماية حقول آبار المياه.
من جانبها، قالت حكومة الوفاق، الاثنين، إنه "بعد التحري وجمع المعلومات الأمنية تبين أن المجموعة المسلحة تأتمر بإمرة خليفة احنيش محاولا الضغط على حكومة الوفاق للإفراج عن أخ له يدعى المبروك احنيش الموقوف على ذمة قضية جنائية بتهمة الانتماء لجماعة محظورة".
وأكد بيان لوزارة داخلية الوفاق أن هذه المحاولة ليست الأولى لهذه المجموعة، "إذ ضلع المدعو طارق احنيش في خطف عدد من الأشخاص من حاملي الجنسية الكورية الجنوبية ومن الفلبين وحاول المقايضة بهم، واتخذت الإجراءات القانونية حياله، وتم إخلاء سبيلهم منذ يومين بوساطة خارجية وبالتنسيق مع خليفة حفتر".
في نفس السياق،أعيد فتح الصمامات المتحكمة في تدفق مياه النهر الصناعي باتجاه العاصمة الليبية طرابلس بعد ساعات من قيام مجموعة مسلحة بإجبار العاملين في مركز تحكم على قطعها بالقوة.
أكد اللواء، محمد بن نائل، آمر منطقة براك العسكرية بالقيادة العامة لـ"الجيش الوطني الليبي" أن المياه من منظومة آبار النهر الصناعي بدأت تتدفق عبر مساراتها بعد يوم من انقطاعها.
ووصف بن نايل عملية قطع المياه عن العاصمة الليبية بأنه حادث عرضي وعمل فردي وعابر قد انتهى ولا يمثل أي منطقة ولا قبيلة، معلنا كذلك إرسال دعم وتعزيزات عسكرية إلى الكتيبة المكلفة بحماية مشروع النهر الصناعي، وذلك لتفادي تكرار ما حدث.
من جانبه،نفى مركز الإعلام لغرفة عمليات الكرامة حجب القوات المسلحة الليبية المياه عن العاصمة طرابلس، إثر الاشتباكات الدائرة بينها وبين المليشيات.
وقال المركز، في بيان: "القوات المسلحة لا يمكن أن تستخدم الأساليب الرخيصة، وأن تحجب المياه عن طرابلس، رغم ما تقوم به المليشيات من تفتيش لأهالي ترهونة وغريان والمدن الواقعة في نطاق وجود القوات المسلحة، ومنع البنزين والغاز".
وتابع البيان: "هذه أفعال تقوم بها المليشيات، وأن هذا العمل لا تسمح به القوات المسلحة، وهو محاولة رخيصة وواضحة من تنظيم الإخوان الإرهابي وأدواته للإساءة للقوات المسلحة، وسينفضح الأمر وتظهر الحقيقة، فالذي أقفل الصمامات يطالب بإطلاق سراح شقيقه من قوة الردع، لماذا هذا التوقيت وكم من الأموال الليبية ستهدر في سبيل بقاء هذه الشراذم الإخوانية؟ ستصلكم الحقيقة بكل تأكيد".
في نفس السياق،بحسب تقرير أعدّته الشركة العامة للمياه والصرف الصحي، فإنّ ليبيا تعتمد على المياه الجوفية بنسبة 95 في المائة، مع كمية استهلاك سنوي يُقدّر بنحو مليار متر مكعب.
والتقرير الذي رفع إلى وزارة الموارد المائية في حكومة طرابلس، يؤكد أنّه تبعاً لذلك صارت البلاد تواجه فقراً مائياً منذ عام 2015، ومن المتوقع تفاقمه بتوالي السنين مع تزايد عدد السكان.
ويشير إلى أنّ 76 في المائة من الإمداد المائي من مجمل نسبة المياه الجوفية تصل إلى المدن عبر مشروع النهر الصناعي الذي يعاني بدوره إنهاكاً كبيراً في بنيته التحتية بسبب الإهمال وعدم صيانة محطاته، لا سيّما بعد تعرّض العشرات منها لاعتداءات مسلحة أوقفتها عن العمل.
فمسلسل الاعتداء على مصادر المياه تتواصل حلقاته دون نهاية أو ملاحقة من يقف وراءه، في وقت لا يحتاج فيه الليبيون أزمات جديدة تضاف لأخريات يعيشونها يوميا.
يرى مراقبون أن فشل الدولة الحقيقي يتجسد في عجزها على تأمين الخدمات العامة للمواطنين حيث تنضاف أزمة المياه إلى كارثة انقطاع الكهرباء واستمرار أزمات السيولة النقدية وتتفاقم هذه الأزمات بسبب تواصل الفوضى و عدم التوصل إلى ينهي دوامة النزاع.