تشعّبت الأمور على ثوّار مصراتة وميليشياتها حتّى أصبحوا يسوقون كلّ يوم هدفا جديدا لمواصلة العدوان على طرابلس العاصمة ومطارها الدولي بالتحالف مع جماعة الإخوان والتيّار المتشّدد في ليبيا، فضلا عن القيام بكلّ التحرّكات الممكنة لإسقاط البرلمان المنتخب وتعميم صوت المدافع ونشر فوضى الدمار وتعميق التطرّف والانقسام.

أكّدت الميليشيات، التي تقود ما يُسمّى بعملية “فجر ليبيا”، أنّ عملياتها القتالية في العاصمة الليبية طرابلس تهدف أساسا إلى الردّ على عملية “كرامة ليبيا” بقيادة اللواء خليفة حفتر، مُتحدّثة في كلّ مرّة عن أهداف جديدة لهجومها العسكري، تبريرا للدمار الذي أحدثته في المطار وعدد من نواحي العاصمة.

وتقول هذه الميليشيات، المتكوّنة أساسا من تحالف يجمع ميليشيات مصراتة وميليشيات إسلاميّة متشدّدة، إنّها تسعى كذلك إلى طرد ثوّار الزنتان من مطار طرابلس الدولي، لاسيما أنّ ثوار الزنتان وجموعا من حلفائهم تجنّدوا خلال الأسابيع والأيّام الأخيرة لصدّ العدوان على المطار والدفاع عن حياض العاصمة.

وتوعّد الرائد محمد الحجازي، المتحدّث باسم “الجيش الوطني الليبي برئاسة اللواء خليفة حفتر” بتوجيه المزيد من الضربات الجويّة ضدّ الميلشيات التي تقود منذ 13 يوليو الماضي عملية “فجر ليبيا”، وخاصة ضدّ ميليشيات مصراتة وحلفائها من التيار المتشدّد.

يذكر في هذا الصدد أنّه بعد أن أطلق صلاح بادي، ضابط سلاح الجوّ في الجيش الليبي السابق، صيحته المشهورة: “الله أكبر.. المطار يحترق”، أصبح ما كان مرفوضا بالأمس قضية حياة أو موت بالنسبة إلى معظم قيادات الثوار والميليشيات “المصاريت".

وما يُلاحظ، لدى الكثير من المتابعين والخبراء، أنّ قيادات مصراتة تولّت قيادة العمليّات القتالية في طرابلس تحت مبرّرات متعدّدة ومتغيّرة وأحيانا متناقضة، إذ يتمّ تطويرها بما يتناسب مع الوضع العسكري على الأرض.

وكان الهدف المعلن لتلك الميليشيات، في بداية العملية، هو استرداد مؤسّسات الدولة المتمثلة حصرا في المطار، على غرار قوات “الصواعق” و”القعقاع″ و”المدني”، مع غضّ الطرف عن المؤسّسات التي صادرتها المليشيا الإسلامية المسماة “غرفة عمليات ثوار ليبيا” كوزارة الخارجية التي أصبحت تدار من خارج البلاد.

وتحوّل الهدف الظاهري المُرَوَّجُ له إلى المطالبة بإخلاء طرابلس من التشكيلات المسلّحة، غير أنّ تحالفات ميليشيات مصراتة حصرت التشكيلات المسلّحة في الزنتان، بينما يتمّ تجاهل سواها من التشكيلات المسلّحة التي اكتوى سكّان طرابلس بنارها. كما أنّ العاصمة لم تشهد أجواءً من الرعب المسلّح بقدر ما عانته بعد هجوم ميليشيات مصراتة عليها لمناصرة جماعة الإخوان والجماعات المتشدّدة الأخرى.

وقد اتّضحت نوايا ميليشيات مصراتة بشكل أكبر بعد أن كشفت أنّ هدفها الرئيس يكمن في الردّ على عملية الكرامة التي يقودها اللواء خليفة حفتر في بنغازي. ففي أوّل بيان لهم إبّان بدء العملية في شهر مايو الماضي، وصف ثوّار مصراتة عملية الكرامة بـ”الانقلاب”، معتبرين أنّها تهدف إلى “الانقضاض على السلطة وتقويض المسار الديمقراطي”.

ويؤكّد مراقبون أنّ ما ذهبت إليه ميليشيات مصراتة يُعدّ ادّعاء لا أساس له من الصحّة باعتبار أنّها تتحالف تحديدا مع جماعة الإخوان والتيّار المتشدّد الذي لا يؤمن مطلقا بالديمقراطية، بل يعتبرها “كفرا ورجسا من عمل الشيطان”، في حين انطلقت عمليّة الكرامة لتستهدف أوكار الإرهاب والتشدّد في مناطق غرب البلاد.

كما يلفت هؤلاء، حسب صحيفة العرب، إلى أنّ تعلّة الدفاع عن المسار الديمقراطي التي تروّجها ميليشيات مصراتة لم يعد لها أيّ معنى، بإعلانها رفض مجلس النوّاب المنتخب ديمقراطيّا باسم تصحيح مسار ثورة فبراير، في حين كانت القوّى الوطنيّة تحمي مطار طرابلس الدولي الذي لم يشهد طيلة تاريخه خسائر ودمارا مثل ما أحدثته فيه نيران ميليشيات مصراتة.

والجدير بالذكر أنّ قيادات مصراتة قد أجرت، خلال الأيام الأخيرة، تحرّكات سياسيّة لدعم عملياتها القتالية بهدف تقويض العملية السياسية وأساسا إسقاط البرلمان المنتخب. وفي هذا الصدد أوفدت إلى مدينة سبها وفدا بقيادة سليمان محمد الفقيه رئيس “مجلس الحكماء والشورى” والقيادي بجماعة الإخوان بمصراتة، وفتحي باش آغا منسّق عمليات الناتو السابق بمصراتة، وكذلك محمد عبد الكريم الرعيض صاحب مصانع النسيم للزبادي والألبان.

وتمكّن وفد مصراتة، خلال الزيارة، من إقناع ثلاثة من ممثلي سبها في مجلس النوّاب، ينتسبون جميعا إلى “أولاد سليمان”، بعدم التحوّل إلى مدينة طبرق للمشاركة في جلسات البرلمان الجديد. وهو ما يعكس تعمّد تعميق الانقسام والفرقة بين أولاد سليمان والتبو باعتبارهما المكوّنين الأساسيين المتنافسين في سبها.

والمعلوم أنّ أولاد سليمان والتبو يمتلكان أكبر ترسانة أسلحة في الجنوب، كما يتقاسمان السيطرة على شمال سبها وجنوبها، ويتحكّمان في منافذ التهريب الرائجة في جنوب البلاد. أما في شمال ليبيا وتحديدا في العاصمة طرابلس فقد ساند التبو قوّات صدّ العدوان على المطار المحسوبة على الزنتان.

وفي المقابل، كان متوقعا أن ينحاز أولاد سليمان إلى الشقّ المضاد عملا بمقولة “ليس حُبًّا في عليّ وإنمّا كُرْهًا في معاوية”، وبذلك يكون وفد مصراتة قد سجّل لنفسه نقطة جديدة في مسار تعميق الانقسامات في ليبيا، فضلا عن مواصلة الممارسات الثأرية لتلك الميليشيات غير المبالية بتدمير طرابلس وليبيا برمّتها.