استقال من الحركة بصمت و عاد إليها بصمت أيضا و دون تقديم تفسيرات واضحة للاستقالة و للعودة في آن معا، رافضا في الأثناء الإدلاء بأية تصريحات اعلامية طيلة فترة انسحابه من حزبه الأم...هو القيادي في حركة النهضة الإسلامية و نائب رئيسها راشد الغنوشي، عبد الحميد الجلاصي، المثير للجدل، من ناحية  تصنيفه و تموقعه الحقيقي صلب النهضة، بمعنى هل هو في شق "الحمائم"؟ أم في شق "الصقور"؟ رغم أنه لم يعرف للرجل مواقف أو تصريحات يمكن أن تضعه في الشق الثاني الموسوم بالتشدد وفق البعض.

عبد الحميد الجلاصي فتح صدره لـ "بوابة إفريقيا الإخبارية" في أول حوار له في الصحافة المكتوبة منذ استقالته من حزبه بعد أن كان قد قدم لنا وعدا بأن أول حديث اعلامي مطول سيجريه سيكون لفائدتنا..و فيه تطرق محدثنا إلى قضايا سياسية و هيكلية و تنظيمية تخص حركته على غرار التحضيرات للمؤتمر المقبل و أخرى تخص المشهدين التونسي و الإقليمي و على رأس هذا الأخير الملف الليبي الذي ارتأى له محاورنا الحلول اللازمة مشددا على ضرورة تفعيل وصفة معينة رآها سحرية لإنهاء تقاتل الأشقاء الليبيين، معرجا من جهة أخرى على المشهد المصري و آخر مستجدات محاكمة قيادات تنظيم الإخوان هناك.

و في ما يلي نص الحوار.

*كيف تقيمون التعاطي الديبلوماسي التونسي إزاء الأزمة الليبية؟

- الأوضاع الإقليمية شديدة التعقيد و التأثير على المشهد التونسي الداخلي و لأجل ذلك لا بد أن نتفاعل معها بأقصى درجات الحيطة و الحذر مراعاة لأمننا القومي و مصالحنا العليا. و لهذا يمكن القول إن الاتجاه العام لسياستنا الرسمية تجاه الملف الليبي سليم، إذ أنه من الواجب علينا  أن نتعامل مع تضاريس و تعقيدات الوضع في ليبيا و أن نكون عاملا مساعدا على فض المشكلات هناك لا طرفا في النزاعات حتى لا يؤدي الوضع في الجارة الليبية الى الإضرار ببلادنا أو يسبب تهديدات لمواطنينا.

*ألا ترون أنه كان من الأجدى أن تدعم  تونس الحكومة الشرعية و المنتخبة في ليبيا مثلما اعتبرت بعض الأطراف؟

-لقد قلت إن اتجاه السياسة التونسية تجاه الأزمة في ليبيا سليم لأن الوضع هناك معقد. يوجد تنازع على الشرعيات في ليبيا كما أنها مهددة بانفجار حرب أهلية و لذلك فعبقرية الديبلوماسية التونسية و أيضا عبقرية الجهد الشعبي التونسي تكمنان في مساعدة الليبيين على إيجاد حلول للأزمة عبر الحوار و التشاركية فيما بينهم و هذا الحوار يكون أيضا بالوصفة التونسية أو إن شئت بالعملة الصعبة التونسية التي تتمثل في التوافق.

*إذن ترون أن الحل الأمثل لإنهاء الصراع بين الفرقاء الليبيين لا يكون إلا عبر التوافق؟

- أجل لا وجود لحلول للأزمة في ليبيا سوى التوافق بين الفرقاء.

*و ما مآلات الصراع الليبي في رأيكم؟ و هل يسير هذا البلد نحو الصوملة كما ترى بعض الجهات؟

- ندعو الله إلى الاستجابة. و نعمل على أن يكون المسار الليبي مفضيا إلى توافقات و نجاحات رغم العوائق التي تعترض طريقه و لا شك.

*و هل يمكن أن ينفتح المشهد الليبي على تدخل عسكري أجنبي قد يكون حتميا لإنهاء الصراع هناك حسب ما يعتبره محللون؟

-الحل السياسي التوافقي هو الذي يقطع الطريق أمام أية محاولات توسعية أو تدخلات قد تهدد وحدة ليبيا و وحدة ترابها.

*ما هي حظوظ نجاح الحوار الليبي المنعقد في الجزائر في تقديركم؟

- حوار الجزائر يمكن أن ينجح و نجاحه مرتبط بإرادة الليبيين.

*كأنكم واثقون من انتصار ليبيا على واقعها المتأزم؟

- ليبيا ستنتصر لأن الحكمة هي من تنتصر دائما.

*ما علاقة حركة النهضة ب"فجر ليبيا"؟

-علاقة النهضة بكل الفرقاء الليبيين هي علاقة جيدة و نعمل على أن تتكامل جهودنا مع جهود الدولة التونسية و جهود المجتمع المدني من أجل رأب الصدع و الإصلاح بين الإخوة في ليبيا.

*و لكن تنظيم ما يسمى بـ "فجر ليبيا" متهم بالتورط في الإرهاب وفق البعض؟

-من يحكم على "فجر ليبيا" و على غيرها هو الشعب الليبي.

*و كيف تقرؤون التداعيات المحتملة للوضع الليبي على الأمن القومي التونسي؟

- هي مخاطر قائمة و لا شك. و لذلك قلنا إنه لا بد من سياسة استباقية حتى لا تنفجر الأوضاع هناك فتكون لها انعكاسات هنا.

*عارضتم الأحكام بالإعدام التي أصدرها القضاء المصري على قيادات اخوانية و على رأسهم مرشدهم، فهل من توضيح في الغرض؟

- نعم، لأننا من حيث المبدأ ضد المحاكمات السياسية و ضد استعمال القضاء لتصفية المعارضين. النهضة مع منهج التشارك و الحوار في حل المشكلات السياسية لأن أي خيار للتصادم أو الإستئصال تكون نتائجه مضرة بالسلم الأهلي و الوحدة الوطنية.

*موقف النهضة من تنظيم الإخوان عموما و إخوان مصر خصوصا اتسم بالتذبذب فتارة مع و طورا ضد، ففي أي صف تصطفون بالضبط؟

-كل بلد لديه معادلاته السياسية. نحن مع التدافع السياسي المدني السلمي بين المكونات السياسية التي يفرزها الواقع الخصوصي لكل مجتمع.

*لكن اتهامات عدة بالإرهاب موجهة لإخوان مصر؟ فكيف تستقيم معادلة دعمكم لهم في هذه الحالة؟

-نحن لا ندعم أحدا بل نحن مع التدافع السلمي المدني في كل المجتمعات. النهضة مع المضطهدين من أجل أفكارهم في كل العالم و مهما كانت عقائدهم. نحن ضد توظيف مؤسسات الدولة لتصفية القضايا السياسية.

*و هل تعارضون أيضا التنصيص على حكم الإعدام في مشروع مكافحة الإرهاب التونسي؟

-هذه مسألة بيد لجنة التشريع العام بمجلس الشعب. العقوبات يمكن أن تسن و يسمح بها دستور البلاد. شرط أن تراعي الإجراءات كأن تضمن فيها استقلالية السلطة القضائية و أن يفعل فيها الحق في محاكمة عادلة.

*و هل يجوز تفعيل المحاكمة العادلة للإرهابيين؟ بمعنى كيف لعناصر متورطة في اغتيال أعوان الأمن و الجيش و السياسيين أن تطالب أو تتمتع بمحاكمة عادلة في رأيكم؟

-المحاكمة العادلة حق دستوري و انساني و غير مرتبطة بنوعية الحكم الذي سيصدر لاحقا.

*هل النهضة مع ضرورة التسريع بالمصادقة على قانون مكافحة الإرهاب؟

- نحن مع ضرورة التسريع به و لكن كذلك مع ضرورة الإهتمام و الإنتباه إلى أن الإرهاب خطر على البلاد و يتطلب الوحدة الوطنية و التوافق على استراتيجية متعددة المسارات دينيا و تربويا و ثقافيا و اقتصاديا و اجتماعيا.

* ألا ترون أن الحسم الأمني هو الأساس في القضاء على الإرهاب على الأقل في المرحلة الحالية وبعد ذلك يمكن الحديث عن المقاربات الاقتصادية و التربوية و غيرها؟

- لا بد من الحزم في الجانب الأمني، هذا مطلب أكيد. أيضا لا بد من توفير الشروط الضرورية للمؤسسة الأمنية كالسند السياسي و المادي و الغطاء التشريعي. كل هذه الشروط مطلوب توفرها و لكن هذا الأمر ليس كافيا لوحده لأنه يبقى جانبا من جوانب معالجة الظاهرة الإرهابية.

* ما فحوى اللقاء الذي جمع مؤخرا رئيس الحركة و بعض قيادييها بالوفد الأمريكي؟

- اللقاء كان عاديا و يتنزل في إطار دعم الديبلوماسية الشعبية للنهضة. حركتنا تقوم بنشاط حثيث للترويج للتجربة التونسية و جلب الإستثمارات.

*ما خفايا استقالتكم من النهضة؟ و هل صحيح أنها جاءت على خلفية خلافات حادة مع شق "الصقور" حول قضايا داخلية و أخرى تخص المشهد السياسي العام بالبلاد؟

- في هذه الاستقالة ماهو ذاتي و ماهو يتعلق ببعض شؤون الحركة. النهضة حركة بشرية و فيها اختلاف و التقاء و لكن ما يميزها هو أنها توجد الآليات المناسبة لإدارة خلافاتها.

*نختم بالإستعدادات الجارية لمؤتمر الحركة المنتظر تنظيمه خلال الأشهر المقبلة، فأية ورقات سياسية و تنظيمية سيتم الإشتغال عليها في الغرض؟

- هناك قضايا رئيسية سنشتغل عليها في مؤتمرنا العاشر من بينها تقييم مسار الحركة  و تقييم تجربة الحكم و الانتخابات. كذلك سيتطرق جدول أعمال المؤتمر المقبل إلى هيكلة و إدارة الحركة.

* هل ستحدث تحولات في قيادة الحركة و هل من الوارد مغادرة الغنوشي؟

-هذه مسألة سيحسمها الحوار الداخلي للحركة و إرادة المؤتمرين. الغنوشي ممكن أن يبقى على رأس النهضة و ممكن أن يغادر و كل هذه الأمور تخضع لرغبته و كذلك لرغبة المؤتمرين.