على مساحة تزيد على مليوني كيلومتر مربع (80% من المساحة الإجمالية للجزائر)، يختزن الجنوب الجزائري ثروات هائلة؛ ففي أعماق أرضه الشاسعة يوجد أكثر من 13 مليار برميل من النفط؛ احتلت من خلاله الجزائر المرتبة السابعة في ترتيب احتياطيات النفط العالمية؛ والمرتبة الرابعة من ناحية احتياطي الغاز، ناهيك عن مخزون كبير من الذهب ومعادن نفيسة أخرى، جلبت للخزينة الجزائرية أكثر من 1.2 تريليون دولار؛ تريليون دولار منها فقط في عهد الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة. تلك الخيرات الهائلة وتلك النعم لم يكن للجنوبي منها سوى الفتات.

منذ الانتفاضة المناهضة للغاز الصخري، أصبح الجنوب رقما صعبا في السياسة الجزائرية، وبالموازاة أصبح صوتا مهما لدى الوسط الجمعوي الجزائري.وقد سبق لبعض المتابعين والمحللين للشأن الجزائري أن ربطوا الانتفاضة المفاجئة للجزائريين في 22 فبراير 2019، بدور ناشطين في الجنوب الجزائري، الذي كان في الفترة التي سبقت الحراك مسرحًا للعديد من الاحتجاجات، التي استطاع الجزائريون من خلالها كسر حاجز الخوف.

الطاهر بلعباس، ناشط جمعوي من جنوب الجزائرتدرجت مسيرته النضالية في وسط الحركة الاجتماعية التي رفعت عدة قضايا  حقوقية وبيئية كان أبرزها اللجنة الوطنية للدفاع عن حقوق المعطلين التي أخذت زخما وطنيا أكثر ونفسا أطول، وترتب عن هذه المسيرة السلمية للحركة التي لم تستطع ضربها بكل الطرق صولات وجولات من القمع والاعتقال.


هو المنسق الوطني للجنة الوطنية للدفاع عن حقوق العاطلين عن العمل في الجزائر. عمل في الدفاع عن حق السكن، والحركات العمالية، والحق في الإنضمام إلى الأنشطة النقابية والمجموعات الطلابية.ومن بين الأسماء الفاعلة في النضال التي أشار إليها الطاهر، هناكمحاد قاسمي عضو قيادي في لجنة البطالين وناشط في الجبهة الشعبية للغاز الصخري مازال مسجونا.وهناكحمدان عبد سلام  منسق غرادية، وبوخاري محمد  مكتب تمنراست، ويحي بن عمار مكتب واد سوف،والتنظيم وطني وصل عدد مكاتبه إلى 32 مكتبا.

حول بدايته النضالية، يقول في تصريح لـ"بوابة إفريقيا الإخبارية": "محاكمتي في 2004 كانت  تحت تهمة "بلعباس ومن معه"، النيابة نسبت لي المعتقلين في تلك الأحداث الدامية  والعنيفة، ولا أعرف السبب الذي استندت عليه النيابة حتى تنسبهم لي رغم أنني كنت بدون صفة تنظيمية، ولا  انتماء لأي جمعية،  وكانت التهمة  التجمهر والاخلال بالنظام العام والاعتداء على رجال القوى العمومية". وأضاف: "كانت تلك المحاكمة مسرحية حقيقية في  جلب مجموعة من ضباط الشرطة ليشهدوا ضدي، لكنهم رفضوا  اتهامي، كونهم لم يتعرفوا على المعتدي. وخارج جلسة المحكمة قالوا ان الادارة أرادت توريطي، وهم رفضوا ذلك. كما تأسس محامون بسم الخزينة العمومية ضدنا، وتحت الضغط الشعبي تم اطلاق سراحنا بعد أسبوع من السجن، مع الحكم  بشهرين مع وقف التنفيذ".

وأبرز محطات هذه الحركة، يقول الطاهر بلعباس، كان  في خطة 75يوم التي سطرتها  الحركة وتوجت بمليونيةالمعطلين في ورقلة يوم 14مارس2013 وكانت بدايتها  يوم أحد الغضب 2يناير/كانون الثاني 2013، أول يوم من السنة التي شلت فيه الحركة في المدينة بنسبة 80/100".  

يقول الطاهر بلعباس في تصريحه للأسبوع المغاربي: "تم اعتقالي على إثرها خمسة أيام تحت النظر، ثم تم تقديمي إلى وكيل الجمهورية الذي أرغمه مناضلو الحركة على اطلاق سراحي وتقديم استدعاء مباشر في نفس الشهر، لكن رد الحركة كان هنا على قمع احتجاج "أحد الغضب" واعتقال مناضلين وتقديمهم للعدالة،  كان يوم 24 فبراير/شباط 2013 بمسيرة حضرها أكثر من 10  آلاف معطل باتجاه آبار النفط في حاسي مسعود.  وبعد مسيرة 24كلم  صدت قوات الأمن مسيرتنا السلمية، لكن الرد لم يتأخر وكان يوم 14مارس بمليونية المعطلين في الجنوب وكانت وطنية تحت راية التنظيم، هكذا كان الرد في كل مرة على القمع لكن النظام لم يستوعب الدرس بعد، ولا يملك غير المقاربات الأمنية المجحفة في حق الحركات الاجتماعية.

يؤكد الطاهر بلعباس: "من يراقب أحداث الجنوب يعرف أن النظام يتغذى على معاناة أهل الجنوب سياسيا بعد نهب ثرواته". ويتساءل الطاهر: "هل يعقل أن الجنوب الجزائري الذي تنتشر فيه الشركات البترولية كالفطر في صحرائنا، من الشركات الأجنبية وخاصة متعددة الجنسيات  التي يصفها ساكنة المنطقة بالاستعمارية، شركات لا تضمن حقوق العمال، وليس  فيها تمثيل نقابي، ولا يحكمها قانون، ولا تخضع لأي شفافية، ترفض توظيف الكفاءات المحلية. مشاكل الجنوب كثيرة أبرزها الجرائم البيئية بحق المنطقة من مخلفات الشركات الاستعمارية، إلي  الاستثمارات  المسمومة  مثل الغاز الصخري".

كما تحدث الطاهر بلعباس عن "التواطؤ المركزي مع الفساد المحلي والتناغم معه بدل محاربته، حيث  وصل الأمر إلى التلاعب بالقانون والتحايل عليه بهدف هضم حقوق الضحايا. الخاسر الأكبر  خلال هذه الأحداث  الدامية  كان في وسط المحتجين بين جريح ومعتقل، بالإضافة إلى توقف شبه تام  للحياة العادية في الولاية، وكرة الثلج امتدت إلى الجنوب كله جراء اعتماد النظام لسياساته الأمنية، وإجراءات القمع الوحشي الذي غزت صوره شبكات التواصل الاجتماعي في ظل غياب تام للإعلام الرسمي وحتى (المستقل)، وبدل فتح باب الحوار مع  المعنيين وتجاوز هذا المشكل بالحوار واستلام المطالب والرد على المحتجين بتلبية مطالبهم  الشرعية، لكن الإدارة كانت تريد غير ذلك، وهذا ما تجلي للعيان في تعاملها مع الأحدث بوحشية وشطط في استعمال السلطة،  وجر المنطقة بشكل ممنهج ومقصود إلى مربع العنف والعنف المضاد للتنكيل بشبابها وساكنتها بهذه الوحشية، وكأنها رسائل أخرى ربما هذه المرة للداخل. لقد فشلت الإدارة ضرب سلمية الاحتجاجات".

"الشارع المنتفض مطالبه بسيطة وليست تعجيزية، يقول الطاهر،لكن الادارة تريد إطالة عمر هذه الأحداث الدامية لغاية أو لأخرى، وعندما تريد إيقافه ستفعل وسيكون الإخراج على طريقتها الخاصة التي عودتنا عليها، كأن تعالج بعض المشاكل الاجتماعية بطريقة سطحية ويبقي المشكل الحقيقي قائما وقابلا للانفجار في كل وقت".