لقد أثرت مأساة مانشستر أكثر على مستقبل ليبيا بطرق كثيرة وبشكل أعظم مما يدركه الناس. وأصبحت الحكومات الغربية مضطرة لمطالبة أجهزة الاستخبارات بإعادة تركيزها على ليبيا، وهو موضوع بات على رأس الأولويات في كل من المملكة المتحدة والولايات المتحدة.

الآن وبسبب الربط بين مقاتلي القاعدة الليبيين السابقين (الجماعة الليبية الإسلامية المقاتلة) وانتحاري مانشستر الذي تأكد الآن أنه كان جزءا من خلية (أو خلايا) للتنظيم، فقد صعدت ليبيا إلى قمة قائمة الأولويات.

ولوضع الأمر في السياق، فإن فراغ السلطة الذي خلفه سقوط نظام القذافي عرَّض ليبيا إلى صراع على السلطة بين الجهات الفاعلة الأجنبية.

من جانب ، دعمت قطر وتركيا، المعنيتان أساسا بجماعة الإخوان المسلمين، العديد من الميليشيات الإسلامية، بعضها موال لحكومة الوفاق الوطني الهشة التي تم الاعتراف بها دوليا، والتي يشار إليها أيضا باسم المجلس الرئاسي في طرابلس.

وعلى الجانب الآخر، دعمت مصر وفرنسا والأردن وروسيا والإمارات العربية المتحدة الجيش الوطني الليبي الذي يقوده المشير خليفة حفتر ويحارب لحساب حكومة منتخبة في طبرق، مجلس النواب.

وقد اعتبرت دولة الإمارات العربية المتحدة جماعة الإخوان المسلمين منظمة إرهابية في عام 2014، كما أن صعود الإخوان في ليبيا والعديد من دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أزعج على وجه الخصوص الإمارات ومصر والسعودية. وتفضل هذه الدول الثلاث أن تكون منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بيئة خالية من الإخوان.

ومنذ منتصف عام 2014، كانت دولة الإمارات حليفا حيويا لحفتر. ولم تزود أبو ظبي ومصر قوات حفتر بالإمدادات العسكرية فحسب، بل قامت الإمارات والقوات المسلحة المصرية أيضا بضربات عسكرية برا وبحرا ضد بعض أعداء الجيش الوطني الليبي.

وفي الوقت نفسه، من خلال تقديم الدعم لحكومة مصر منذ عام 2013، والتعاون مع القاهرة في قضايا الدفاع، والعمل مع الكرملين لتسليح الجيش الوطني الليبي، كانت أبو ظبي المنسق الرئيسي مع الداعمين الأجانب لحكومة طبرق لتعزيز الجيش الليبي بقيادة حفتر.

وقد لعبت روسيا دورا أكبر في الشؤون الليبية ووافقت سرا على الدعم المصري والإماراتي لحفتر، أكثر بكثير مما يقدره الغرب، ولا يزال هذا التأثير في ازدياد.

وفي 2 مايو، التقى رئيس المجلس الرئاسي فايز السراج ، وجها لوجه مع حفتر في أبو ظبي في ثاني لقاء للرجلين المتنافسين منذ الاتفاق السياسي الليبي، الاتفاق الذي أبرمته الأمم المتحدة في كانون الأول / ديسمبر 2015.

 وأشاد الجميع باجتماع 2 مايو باعتباره علامة فارقة فى طريق ليبيا نحو حل حربها الأهلية. ومع ذلك، كانت هناك مخاوف من جانب المجلس الرئاسي وحكومة الوفاق، من أن محادثات السراج مع حفتر يمكن أن تضعف الاتفاق السياسي بدلا من إصلاحه.

واتفق الاثنان على الاجتماع مرة أخرى في الأسبوع اللاحق بالقاهرة بتنسيق من الرئيس السيسي. وعلى الرغم من مجيء حفتر، لم يظهر السراج. وقد تردد أنه تلقى تهديدا بالقتل من ميليشياته الخاصة ، فكان أن سافر لبعض الوقت إلى غينيا.

ومما لا شك فيه أن الهجوم الذي شنته ميليشيا القوة الثالثة المتحالفة مع حكومة الوفاق، والمدعومة وفق بعض المصادر من قطر، والذي أدى إلى مقتل 141 من قوات الجيش الوطني الليبي في 18 مايو / أيار، وجه لمحادثات أبو ظبي صفعة في الوجه وأيضا إلى حفتر من قبل المتطرفين.

إن العدوانية التي شنت بها ميليشيات "القوة الثالثة" الإسلامية، وهي في الأساس من مصراتة، الهجوم على قاعدة براك الشاطىء الجوية، والوحشية التي أعدمت بخا واحدا واحدا مجندي الجيش الوطني الليبي العائدين من الذكرى الثالثة لعملية الكرامة، كانت القشة الأخيرة بالنسبة للكثير.

ولا تمارس حكومة الوفاق أي سيطرة حقيقية على مساحات واسعة من الأراضي الليبية خارج طرابلس، وحتى في تلك المدينة تدور مواجهات روتينية بين الميليشيات المختلفة بما يؤكد ضعف الحكومة المعترف بها دوليا.

إن قدرتها على السيطرة على الميليشيات القوية أمر مشكوك فيه نظرا لأن حكومة الوفاق / المجلس الرئاسي لا ترأس إلا بشكل صوري الهياكل الحكومية في طرابلس، والتي هي في الواقع مقسمة فعلا بين العديد من الميليشيات المسلحة.

وإذا وافق المجلس الرئاسي (حكومة الوفاق) على تقاسم السلطة مع حفتر، فإن بعض الميليشيات التي تتماشى بشكل فضفاض مع حكومة الوفاق يمكن أن 'تغير الولاء' ووربما حتى تنضم إلى حفتر.

ولا شك أن الزخم الذي حصل مؤخرا في الحرب الأهلية سببه مذبحة براك الشاطيء، وبالتالي فإن ليبيا قد تغرق في نهاية المطاف في أعماق أعمال العنف والاضطراب الفوضوي إذا فشلت المبادرات الدبلوماسية. وفي هذه الحالة ستحاول قوات حفتر السيطرة على طرابلس، وحتى مصراتة.

حفتر قد يختار بذكاء أن يكون أقل ميلا للتسوية. الوقت سوف يوضح لنا ذلك. الدعم الذي تقدمه قطر لـ "عملائها" الليبيين ، بالنسبة له يعد أمرا لا يطاق.

ومع ذلك ، هناك فرصة سانحة في المستقبل القريب للمتحاربين الليبيين لإفساح المجال لبعضهم البعض واستكشاف السبل الدبلوماسية التي تتطلب تنازلات من جميع الجهات الفاعلة المعنية.

ولا يزال حفتر الحل الأفضل في رأي الكثير من الليبيين ولكن أعتقد أنه أكثر مرونة مما يقدّر الغرب. ويمكن أن يكون شهر رمضان توقيت نقطة التحول هذه عسكريا ودبلوماسيا.

 

*بقلم ريتشارد غالوستيان مستشار سياسي وأمني بريطاني أقام في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ما يقرب من 40 عاما

**بوابة افريقيا الإخبارية غير مسؤولة عن مضامين الأخبار والتقارير والمقالات المترجمة