نظم المركز الوطني لدعم القرار برئاسة مجلس الوزراء صباح يوم أمس الثلاثاء في فندق باب البحر بمدينة طرابلس ندوة بعنوان «حقوق المواطن في الدستور»

 بحضور عدد من أعضاء المؤتمر الوطني العام ولجنة صياغة الدستور والمهتمين ووسائل الإعلام المحلية، وافتتحت الندوة بكلمة ألقاها المدير العام للمركز الوطني لدعم القرار السيد «أحمد جلال كريسته»، قال فيها:

«نرحب بتواجدكم معنا ضمن الواجبات الأدبية للمركز الوطني لدعم القرار الذي دأب على القيام بعدة أنشطة والتي تتطرق لموضوع مهم وملح ألا وهو دستور ليبيا الجديدة، وكما نعلم فإن الدستور هو القانون الأساسي في الدولة، وهو القانون الأعلى الذي يبين شكل الدولة ونظام الحكم، وينشئ السلطات العامة، ويحدد اختصاصاتها، ويبين الحريات العامة وحقوق الأفراد وواجباتهم، وهو القيد المفروض على السلطة في مواجهة الأفر اد، فالدستور الناجح هو الدستور الذي يتوافق الناس على إقرار قواعده الأساسية ومبادئه العامة، والآن يجب أن يعبر الدستور عن رغبات الناس وأحاسيسهم وتطلعاتهم وثقافاتهم ورغبتهم الحقيقية في العيش بكرامة وحرية وسعادة، وشعورهم المشترك بوحدة التاريخ ووحدة المصير والمعاناة ووحدة الآمال المستقبلية.

نأمل أن تأخذ هذه الندوة حقها في الحوار وتبادل الأفكار من خلال المحاور المطروحة للنقاش، ونحن على ثقة من قدرتكم على التوصل لمخرجات مفيدة لصالح الوطن والمواطن»، كما تضمنت الندوة 4 محاور رئيسة، قدمت خلالها بعض الورقات البحثية التي جرى عرضها للنقاش العام، طرح المحور الأول رئيس المنظمة الليبية للحفاظ على الهوية الوطنية السيد «محمد شوبار»، وتناول فيه الحقوق الاجتماعية للمواطن الليبي في الدستور، قدم على إثره مجموعة من التوصيات، وهي:

• إجراء حوار مجتمعي واسع بين أطياف المجتمع للتوافق على الحقوق التي تتعلق بالمكونات الثقافية في البلاد، وعدم اللجوء للاستفتاء عليها لأنها حقوق اجتماعية بالأساس.

 • تأكيد مبدأ الإعلان عن الإجراءات والخطوات والقوانين التي تقوم بها الدولة وصولاً إلى مرحلة الشفافية في التعامل مع المواطن.

• تأكيد مبدأ تعزيز الثقة بين المواطن والسلطة.

وطرح المحور الثاني أستاذ الاقتصاد بأكاديمية الدراسات العليا جامعة المرقب الدكتور «ناصر ساسي الكريوي»، وتناول فيه الحقوق الاقتصادية للمواطن في الدستور المرتقب، قائلاً: «تهدف هذه الدراسة إلى إلقاء الضوء على أهم الحقوق الاقتصادية للمواطن والتي يفترض أن يتضمنها الدستور المرتقب في ليبيا من خلال ربطها بعناصر ومقومات التنمية والنمو الاقتصادي مع الأخذ في الاعتبار طبيعة القطر الليبي من حيث الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.

وتشمل حقوق الإنسان خمسة جوانب، هي:

• الحقوق الاقتصادية (التنمية الاقتصادية).

• الحقوق الاجتماعية.

• الحقوق الثقافية.

• الحقوق المدنية.

• الحقوق السياسية.

وتتمثل أهداف التنمية الاقتصادية في الآتي:

• زيادة الدخل القومي.

• رفع مستوى المعيشة.

• تقليل التفاوت في الدخل والثروة.

• بناء الأساس المادي المتقدم.

• تحقيق الرفاه الاقتصادي.

وتشمل مستلزمات التنمية الاقتصادية:

• تجميع رأس المال.

• الموارد الطبيعية.

• الموارد البشرية.

• التكنولوجيا.

ومن أهم المطالب والحقوق الاقتصادية التي يقترح تضمينها في الدستور المرتقب:

• العمل.

• الأموال العامة والثروات الطبيعية.

• الضرائب.

• المصادرة العامة والملكية الخاصة.

• التكافل الاجتماعي.

• الموازنة العامة.

وبناء على ما سبق أوصي بتضمين التنمية الاقتصادية ضمن حقوق الدستور، لأنه

لا طائل من الحديث عن الحقوق الاقتصادية دون تحقيق تنمية حقيقية متضمنة نصاً في الدستور، كما أوصى بإطلاق يد القطاع الخاص ليأخذ فرصته في تنمية الاقتصاد وتضمين نصوص واضحة في الدستور تضمن وتنظم عمله، وأسفرت المناقشات في المحورين الأول والثاني عن ضرورة التأكيد على المطالب التالية:

• ترسيم الهوية واللغة الأمازيغية في الدستور الذي يعد ضماناً لحقوق جميع الليبيين وعدم عودة الدكتاتورية.

• أن يضمن الدستور كرامة المواطن الليبي.

• أن يضمن الحصول على المعلومة.

• وضع حقوق شهداء 17 فبراير ضمن الدستور.

• ضمان سيادة الشعب وجعله فوق كل السلطات التي تمثل الدولة، وصولاً إلى كسر احتكار السلطة.

• تحديد ملكية الموارد الطبيعية في ليبيا بدقة في الدستور، ومعرفة وكيفية التصرف فيها من حيث التوزيع والاستفادة منها.

• التركيز على شريعة المواطنين، وتضمين حقوقهم بشكل تفصيلي ودقيق في الدستور تجعلهم ينعمون بحياة مريحة وتضمن لهم سبل العيش الكريم والإنساني.

• تضمين حقوق المستهلكين بشكل صريح وواضح.

كما طرح المحور الثالث نائب المدير التنفيذي للمجلس الوطني للحريات العامة وحقوق الإنسان السيد «فرج العجيلي»، وتناول فيه الحقوق والحريات العامة، واختتمت الندوة بالمحور الرابع الذي طرحه رئيس التجمع الوطني للشباب المهندس «عبدالقادر معيتيق»، والذي قال: «ينبغي أن نعرف إن دور الشباب ومساهمته في الثورة كان كبيراً وجليلاً، وأمام الشباب فرصة حقيقية للمشاركة في صياغة الدستور، وضمان حقوقه ومشاركته في التنمية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية للبلاد، كما يجب ومن خلال الدستور أن تكون هناك مكانة لائقة للشباب الليبي وحقوقهم، ويجب أن تتضمنها مواد الدستور الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية والمشاركة السياسية وتقديم خدمات أفضل للشباب بما يضمن وضع ليبيا على المسار الصحيح، وعلى الدولة ومؤسسات المجتمع المدني تعريف الشباب بحقوقهم وواجباتهم ليتم كفلها في الدستور والمساهمة في حثهم على المشاركة السياسية بجميع أبعادها وأشكالها، وتتمثل حقوق الشباب وفقاً لدساتير الدول الديمقراطية والتشريعات والقانون الدولي في الحقوق السياسية، والحقوق الاجتماعية، والحقوق المالية، والحقوق الثقافية، وتأتي هذه الندوة بهدف التعريف بالدستور وما يحتويه من حقوق وواجبات للمواطن، والمساهمة في تعزيز الثقافة الدستورية للمواطن الليبي

ومعرفة حقوق المواطنين في الدستور والوصول إلى رؤية واضحة للحقوق والحريات العامة التي يجب توافرها في الدستور الليبي ومحاولة بناء رؤية توافقية حول الدستور القادم من مختلف المكونات للدولة، وقد حرص ديوان رئاسة الوزراء على إنشاء المركز الوطني لدعم القرار ليكون مركزاً للدراسات والأبحاث والرصد الإعلامي، ولتقديم التوصيات والاستشارات والدراسات والمقترحات لصناع القرار في الحكومة الليبية، كما يسعى للبحث في الحلول وتطبيقاتها وتقديمها إلى الحكومة في أشكال متعددة.

من جهة أخرى وفي وقت سابق ذكر الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا «طارق متري» في كلمة  له خلال منتدى لحقوق الإنسان قامت بتنظيمه لجنة حقوق الإنسان في المؤتمر الوطني العام وبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا جاء فيها :

يطيب لي أن أشارك اليوم في الاحتفال باليوم العالمي لحقوق الإنسان والذي تنظمه لجنة حقوق الإنسان بالمؤتمر الوطني العام بالتعاون مع قسم حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية وسيادة القانون ببعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا بعنوان «حقوق الإنسان في الدساتير». فكما تعلمون أعتمد في هذا اليوم من العام 1948 الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وهو مايدعونا كل عام للعودة إليه، لا لمجرد التعريف به نصاً مرجعياً فحسب بل لأنه بات بنظر الكثيرين حمالاً لقيم إنسانية مشتركة ولمعايير في الحكم على أفكار وممارسات تتعلق بحرية الإنسان وكرامة الشعوب، كما يصادف اليوم الذكرى العشرين لإعلان فيينا الصادر عن المؤتمر الدولي لحقوق الإنسان في العام 1993 وهو علامة بارزة في مسار متواصل وطويل.

إن مسألة الضمانات الدستورية لحقوق الإنسان تكتسي أهمية قصوى في هذه المرحلة من تاريخ ليبيا، حيث مازال الليبيون يجهدون للتعامل مع إرث ثقيل لأربعة عقود عرفت انتهاكات مستمرة وممنهجة لحقوق الإنسان

وهاهم يجنون معاً ثمار ثورة انتزعت حريتهم من المستبدين، إلا أنها لم تضمّد جراحهم كلها، ولن يتحقق ذلك إلا بوضع أسس متينة للدولة الليبية الحديثة عمادها احترام حقوق الإنسان وسيادة حكم القانون والمصالحة الوطنية القائمة على الكشف عن الحقائق والمحاسبة.

وبطبيعة الحال يأتي إصدار المؤتمر الوطني لقانون العدالة الانتقالية خطوة مهمة على هذه الطريق، بعد أن سبقه قانون تجريم التعذيب والإخفاء القسري والتمييز لكنه لا يخفى علينا جميعاً أن الليبيين يتطلعون إلى وضع هذه القوانين في موضع التنفيذ. ويستدعي ذلك جهوداً إضافية على صعيد تحديد الكيفيات والإجراءات، وإننا مستعدون لتقديم المشورة الفنية دعماً لتلك الجهود.

وفي سياق متصل، أرحب بالمصالحات في بعض المدن الليبية وأخص بالذكر الإفراج عن بعض المحتجزين، كما حدث أخيراً في الزاوية من إطلاق سراح العشرات من بينهم بعض أعضاء المجلس الاجتماعي لقبائل ورفلة. ويحدونا الأمل أن يأتي هذا الإفراج فاتحة لإطلاق أعداد كبيرة من المحتجزين أو إحالتهم للقضاء، كما نصّ قانون العدالة الانتقالية.

أيها الأصدقاء: لقد بات لإحقاق الدول لحقوق الإنسان معياراً رئيساً في تقييمها ومن أهم شروط احترامها بين الأمم، ودفعها ذلك إلى إنشاء منظمات وطنية مستقلة لحقوق الإنسان تحظى بدعم الدولة مع الحفاظ على استقلاليتها، وباتت ليبيا في عدادها، منذ أن تأسس المجلس الوطني للحريات العامة وحقوق الإنسان والذي شهد تطوراً ملحوظاً خلال السنة الأخيرة يستحق التنويه والتأييد.

من جهة ثانية، فإن القوى الحية في المجتمع، بمنظماتها وناشطيها، تسهم كبير المساهمة في بناء دولة القانون والحريات. فممّا لا شك فيه أن الحرية في ليبيا أتاحت الفرصة لظهور العديد من المنظمات الحقوقية المهتمة بنشر الوعي وثقافة حقوق الإنسان في المجتمع، بالإضافة لاضطلاعها في رصد وكشف الانتهاكات التي تقع في أماكن الاحتجاز غير الشرعية. وهي  إذ مازالت في أول مسيرتها، تستحق الرعاية والدعم.

بات شائعاً أن تحتل مسألة حقوق الإنسان المكانة التي تليق بها في الدساتير. ذلك أن الدساتير بمثابة عقد اجتماعي يستند إلى القيم المشتركة التي تحدّد وعي الذات الوطنية، ولا غرابة في أن ينحو الليبييون هذا المنحنى فيما يستعدون للدخول في عملية صياغة الدستور الجديد، ففي الدستور الجديد نرى صورة ليبيا الجديدة ولا تكتمل الصورة من دون إعلاء حقوق الإنسان وضمان احترامها في كل مجالات الحياة الوطنية ولعّل تضمّن نصّ الدستور فقرات عن حقوق الإنسان، تكون مدماكاً من مداميك دولة القانون الليبية الجديدة، يكتسب معناه كاملاً إذا ما جاء تعبيراً عن اجماع وطني فالإجماع هذا مدعو أن يكون حافزاً لالتزام فئات واسعة من الليبيين، فكراً وممارسة أهداف ثورتهم ضد الطغيان، الذي هو الوجه الآخر لحرمان المواطنين من حقوقهم المدنية والسياسية ولابد لهذا الاجماع من أن يتكوَّن في الشهور المقبلة، وعلى إيقاع تصويب الممارسة وتعميق التجربة، فلا يكون وليد لحظة أو مجرد نتاج لعمل الاختصاصيين بل مندرجاً زمن أطول، زمن الإعداد وزمن المتابعة، وتعبيراً عن تطلعات فئات واسعة من المواطنين، نابعة ممّا قاسوه واختبروه وما باتوا متعلقين به.

*نقلا عن صحيفة ليبيا الجديدة