لم يكن الإعلان عن استقالة القيادي البارز في حركة نداء تونس، فوزي اللومي، أمرا مُستغربا في ظل موجة الاستقالات التي تعصف هذه الأيام بغالبية الأحزاب التونسية، وهي ظاهرة تحولت إلى ما يُشبه النزيف الذي يفتك بالنسيج الحزبي التونسي عشية الاستحقاق الانتخابي المُرتقب.

وقالت مصادر من حركة نداء تونس، إن فوزي اللومي عضو المكتب السياسي للحركة قدم استقالته من رئاسة لجنة الانتخابات بسبب تجميد عضويته، في حين سارع الأزهر العكرمي الناطق الرسمي باسم نداء تونس إلى نفي هذه الاستقالة، لافتا إلى أن حزبه “يتعرض لحملة ممنهجة”، على حد تعبيره.

غير أن هذا النفي لم يكن مُقنعا لمختلف الأوساط السياسية التي ترى أن هذه الاستقالة كانت متوقعة بالنظر إلى الاضطرابات الداخلية التي تشهدها الحركة التي يرأسها رئيس الحكومة الأسبق الباجي قائد السبسي، والتي اتخذت منحى تصاعديا مع اقتراب الانتخابات التشريعية.

ويُنظر إلى استقالة فوزي اللومي على أنها ناتجة عن تراكم الخلافات بين الأجنحة المتصارعة داخل حركة نداء تونس، وهي أجنحة توزعت على ثلاثة تيارات سياسية، يُعرف الأول بأنه دستوري بورقيبي، والثاني يساري، والثالث نقابي.

ويقول المراقبون إن استقالة فوزي اللومي جزء من أزمة مُتشعبة تُعاني منها غالبية الأحزاب التونسية التي لم تخرج في عملها الحزبي والسياسي من دائرة المُشاحنات.

ويُرجع البعض هذه الظاهرة إلى المخاض الذي تعيشه التجربة الحزبية في تونس، وإلى مسألة الانضباط الحزبي التي لم تنضج، فيما يربطها البعض الآخر بقضية الانتماء الحزبي الذي يبدو أنه لم يترسخ بعد في أذهان أعضاء الأحزاب الذين مازالت المصلحة الشخصية تحكم تصرفاتهم.

وبحسب محمد الجويني أستاذ علم الاجتماع، فإن هذه الظاهرة “مُنتظرة باعتبار أن هذه المرحلة هي مرحلة توزيع الغنائم، والغنيمة هنا أن يكون هذا العضو الحزبي أو ذاك رئيسا لقائمة انتخابية”.

وقال في تصريح نشرته صحيفة ”العرب” اليوم السبت إن ظاهرة الاستقالات الحزبية التي تفاقمت خلال الأيام القليلة الماضية، تعكس أنه لا وجود لانتماء حزبي حقيقي، وتُبيّن أن المصلحة الشخصية مازالت تعلو على المصلحة الحزبية، ما يؤشر إلى وجود أزمة حوكمة داخل الأحزاب”.

وربط الجويني هذه الظاهرة بطبيعة العلاقة بين القيادة المركزية للأحزاب وبين ما هو جهوي ومحلي، وهي علاقة تتسم بتسلط المركز، وتوقع استمرارها “ما لم تنجح الأحزاب السياسية في بناء ديمقراطية داخلها تجعل الجميع يحترم قواعد اللعبة”.

وكان لافتا أن موجة الاستقالات الحزبية، باتت تشمل أغلب الأحزاب مع اقتراب الانتخابات التشريعية، حيث سبق للمشرف السابق على أعمال تنسيقية الائتلاف الحزبي اليساري “الجبهة الشعبية” بمحافظة بنزرت، أنور القوصري، أن قدم استقالته من مهامه بالتنسيقية، احتجاجا على عدم اختياره لرئاسة قائمة “الجبهة الشعبية” ببنزرت.

ولم تسلم حركة النهضة الإسلامية من تداعيات هذه الظاهرة، حيث عرفت هي الأخرى تململا وغضبا في صفوف بعض أعضائها، ولكن دون أن يصل ذلك إلى الاستقالة المعلنة في وسائل الإعلام.