أكد المبعوث الأممي إلى ليبيا عبد الله باتيلي خلال إحاطة أمام مجلس الأمن أنه ما تزال الأزمة السياسية في ليبيا قائمة دون أن تلوح في الأفق نهاية واضحة للمأزق الذي طال أمده بشأن السلطة التنفيذية.
إلى نص الإحاطة:
السيد الرئيس،
أعضاء مجلس الأمن الموقرون،
إنه لشرف كبير لي أن أقدم هذه الإحاطة الأولى منذ أن توليت مهامي كممثل خاص للأمين العام ورئيس لبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا في 25 أيلول/ سبتمبر. وأتطلع إلى العمل بشكل وثيق مع المجلس وكلي ثقة في أنه بإمكاني أن أعوّل على دعمكم.
قبيل وصولي إلى ليبيا في 14 تشرين الأول/ أكتوبر، تواصلت مع طيف واسع من ممثلي الدول الأعضاء في نيويورك، بمن فيهم أعضاء مجلس الأمن وممثلو المنظمات الإقليمية، للاستماع إلى أفكارهم بشأن الوضع في ليبيا وتصوراتهم حول كيفية التغلب على التحديات التي تواجهها البلاد. وشدّدت على أهمية ضمان دعم المجتمع الدولي للجهود الليبية بطريقة منسقة والالتفاف حول قيادة الأمم المتحدة والامتناع عن اتخاذ أي إجراء من شأنه أن يعمّق الانقسامات أكثر فأكثر.
السيد الرئيس،
ما تزال الأزمة السياسية قائمة دون أن تلوح في الأفق نهاية واضحة للمأزق الذي طال أمده بشأن السلطة التنفيذية. علاوة على ذلك، فإن الجهود المبذولة لحل القضايا العالقة المتبقية والمتصلة بالقاعدة الدستورية للانتخابات لا تصب، فيما يبدو، في سبيل اتخاذ إجراءات ملموسة من جانب الجهات الفاعلة ذات الصلة، مما يزيد من تأخير احتمالات إجراء انتخابات شاملة وحرة ونزيهة لإنهاء المرحلة الانتقالية واستعادة شرعية المؤسسات.
وبغية صياغة الاستجابة لهذه التحديات السياسية الرهيبة، فقد قررت إيلاء أولوية للمشاورات مع الجهات الفاعلة المؤسسية والسياسية والأمنية والمجتمع المدني في ليبيا وعبر جميع أنحاء البلاد، بما ذلك جنوبها وشرقها وغربها.
وعلى هذا الأساس ومنذ وصولي إلى ليبيا، شرعت في سلسلة من المشاورات مع طيف واسع من الفاعلين السياسيين والأمنيين والاقتصاديين الليبيين، فضلاً عن ممثلي المجتمع المدني من جميع مناطق البلاد، بهدف اكتساب فهم أفضل للتحديات الحالية والحلول الممكنة وتطلعات الشعب الليبي.
أنا ممتن لمختلف الفاعلين على الساحة الليبية الذين التقيت بهم ورحبوا بي بدون استثناء وأعربوا عن أملهم في وساطة الأمم المتحدة ومساعيها الحميدة.
وبشكل أكثر تحديداً، تبادلت الآراء مع رئيس المجلس الرئاسي وأعضاء حكومة الوحدة الوطنية، بمن فيهم رئيس الوزراء عبد الحميد الدبيبة ووزيرة الخارجية نجلاء المنقوش وأعضاء آخرين في حكومة الوحدة الوطنية. كما التقيت برئيس الأركان العامة، الفريق أول محمد الحداد وأعضاء اللجنة العسكرية المشتركة من الغرب. علاوة على ذلك ، تشاورت مع المفوضية الوطنية العليا للانتخابات والمؤسسة الوطنية للنفط ومصرف ليبيا المركزي. كما تبادلت وجهات النظر مع رئيس المجلس الأعلى للدولة، خالد المشري، عبر الهاتف حيث كان عليه السفر خارج البلاد في اليوم التالي لوصولي. وانتقلت إلى القبة للقاء رئيس مجلس النواب عقيلة صالح. وأول من أمس، انتقلت إلى بنغازي حيث التقيت المشير خليفة حفتر، القائد العام للجيش الوطني الليبي، وأعضاء اللجنة العسكرية المشتركة من الشرق ورئيس الوزراء المعيّن من قبل مجلس النواب، فتحي باشاغا، كما التقيت بممثلات المنظمات النسوية. واستقبلت أمس في طرابلس ممثلي بعض منظمات المجتمع المدني وعدد ممن تقدمن للانتخابات النيابية وممثلات عن منظمات مجتمع مدني نسوية.
السيد الرئيس،
ما تزال هناك اختلافات كبيرة حول الطريقة التي يرغب بها الليبيون للتغلب على الأزمة الحالية. ورداً على إجماع يكاد يكون تاماً عبر كل الأطياف بإدانة تواجد المرتزقة والمقاتلين الأجانب والقوات الأجنبية في ليبيا والتدخل الأجنبي المستمر في شؤون البلاد، أكدتُ لجميع من تحاورت معهم أن حل الأزمة يجب أن يأتي من داخل ليبيا، استناداً إلى إرادة الشعب الليبي. وحثثتُ قادة البلاد على الإصغاء إلى تطلعات الشعب إلى السلام والاستقرار والتنمية الاقتصادية وإلى قيادة تستجيب لإرادتهم.
السيد الرئيس،
في الوقت الذي يتواصل فيه سريان وقف إطلاق النار، يحتاج المسار الأمني إلى إعادة تنشيط لأنه تأثر سلباً بالمأزق السياسي الذي طال أمده. وأسفرت الاشتباكات العنيفة في طرابلس في 27 آب/ أغسطس إلى تحول في ميزان القوى في العاصمة، مما زاد من عمق التوترات بين الجهات الأمنية في الشرق والغرب وأدى إلى استقرار هش.
ورغم الانخفاض الملحوظ في تحشيد المجموعات المسلحة والاشتباكات فيما بينها، إلا أن هناك تقارير عن أنشطة جارية لعمليات تجنيد واسعة النطاق. وقد أدى الاقتتال بين المجموعات المسلحة في الزاوية غربي طرابلس، في 25 أيلول/ سبتمبر، إلى محاصرة عشرات العائلات لعدة ساعات وخلّف ما لا يقل عن ثلاثة قتلى من المدنيين، بينهم فتاة تبلغ من العمر 10 سنوات.
وبالإضافة إلى مشاوراتي مع الجهات الأمنية في الشرق والغرب، يسرني أن أبلغكم أن اللجنة العسكرية المشتركة (5+5) قد وافقت على الاجتماع تحت رعاية الأمم المتحدة في مدينة سرت يوم الخميس المقبل لمناقشة استئناف الأنشطة التي تضطلع بها اللجنة لمواصلة تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار.
وفيما يتعلق بمحادثات رئاسة الأركان، التقى رئيسا الأركان في تونس العاصمة في 12 تشرين الأول/ أكتوبر على هامش معرض جوي ودفاعي. ولم تتحقق بعد الزيارة التي يعتزم القيام بها رئيس أركان الدفاع بالجيش الليبي إلى بنغازي. وهنا أحث على اللقاءات الدورية بين رئيسي الأركان لتبادل الآراء وإعطاء الزخم للخطوات الرامية إلى إعادة توحيد المؤسسات العسكرية.
السيد الرئيس،
من بين التطورات في المسار الاقتصادي إصدار التقارير السنوية لديوان المحاسبة الليبي وهيئة الرقابة الإدارية حول أنشطة المؤسسات العامة، بما في ذلك مصرف ليبيا المركزي وحكومة الوحدة الوطنية. واستجابة لبعض النتائج والتوصيات الواردة في التقريرين، أعلن رئيس الوزراء السيد الدبيبة عن سلسلة من التدابير الإدارية التصحيحية، كما وتم فتح تحقيقات في عمل مسؤولين ليبيين، استناداً إلى الملاحظات والتوصيات الواردة في التقريرين.
السيد الرئيس
مما يؤسف له أن حالة حقوق الإنسان في ليبيا ما تزال مبعث قلق، حيث تستمر الانتهاكات ضد المهاجرين وطالبي اللجوء مع إفلات من العقاب، وما يزال الاحتجاز التعسفي أيضاً من الممارسات الشائعة.
في 7 تشرين الأول/أكتوبر، وفي أعقاب اشتباكات بين عصابات الاتجار بالبشر المتناحرة في مدينة صبراتة، عُثر على إحدى عشرة جثة متفحمة في قاربٍ راسٍ لأشخاص يُعتقد أنهم مهاجرون، وأربع جثث أخرى خارج القارب مصابة بجروح. وأود أن أنوّه هنا إلى أن وزارة الداخلية أعلنت عن فتح تحقيق ينبغي أن يُقدم الجناة إلى العدالة.
أدعو السلطات الليبية إلى اتخاذ تدابير فورية وذات مصداقية لمعالجة الوضع المتردي للمهاجرين واللاجئين وتفكيك شبكات الاتجار بالبشر والشبكات الإجرامية المتصلة بها.
وتُظهر الإحصاءات الرسمية التي تلقتها بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا في 1 تشرين الأول/ أكتوبر أن ما يربو على 11000 شخص، بينهم 55 امرأة، يقضون أحكاماً بالسجن في سجون تديرها الشرطة القضائية. بالإضافة إلى ذلك، هناك ما يقرب من 6000 شخص رهن الاحتجاز بدون محاكمة، بينهم 113 امرأة، كما ويقبع 135 من الأحداث خلف القضبان. ويمثل العدد الإجمالي زيادة بنسبة 40 في المائة عن الإحصاءات الصادرة في آب/ أغسطس 2021. ولا يمتلك الكثير من أولئك المحتجزين دون محاكمات، والذين يمثلون ما نسبته ثلث مجموع النزلاء داخل السجون، أي سبيل للوصول إلى العدالة. ولا تشمل هذه الأرقام ما يقرب من 3243 من المهاجرين المحتجزين تعسفياً في مراكز احتجاز تديرها جهات حكومية.
لذا ينبغي على السلطات الليبية ضمان الإجراءات القانونية الواجبة والمحاكمة العادلة للمحتجزين بتُهم ثابتة، والإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع الأشخاص المحتجزين تعسفياً.
السيد الرئيس،
في 12 تشرين الأول/ أكتوبر، نظمت الرئاسة المشتركة لفريق العمل المعني بالقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان والتابع للجنة المتابعة الدولية المعنية بليبيا، بالتعاون مع المجلس الرئاسي والاتحاد الأفريقي، جلسة إحاطة بشأن المصالحة الوطنية قدمها خبراء عرضوا فيها أفضل الممارسات وغيرها من الخبرات الوطنية في هذا المجال. وسلط الاجتماع الضوء على دور الضحايا في صميم عمليات المصالحة الفعالة القائمة على الحقوق والحاجة إلى إعادة بناء الثقة في مؤسسات الدولة والأهمية القصوى لضمان الشمولية وتمثيل المرأة ومشاركتها بصورة مجدية. كما شدد الخبراء على أهمية ضمان ربط جهود المصالحة بشكل فعال بالعملية السياسية.
وفي 18 تشرين الأول/ أكتوبر، التقيت بوزير خارجية جمهورية الكونغو بصفته ممثلاً لرئيس اللجنة رفيعة المستوى المعنية بليبيا والتابعة للاتحاد الأفريقي، حيث أطلعني على نتائج الاجتماع الذي اختتم للتو والذي ناقش خلاله الاتحاد الأفريقي مع النظراء الليبيين الأعمال التحضيرية لعقد اجتماع للمصالحة الوطنية.
السيد الرئيس،
يستدعي الوضع في ليبيا عملية توافق في الآراء لإعادة شرعية الدولة. يجب تأسيس مؤسسات شرعية قادرة على تلبية الاحتياجات الأساسية للشعب على أساس إرادة سياسية حقيقية. وفي إطار هذه العملية، يأتي إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية كأولوية قصوى. وسوف أكثف المشاورات مع الجهات الفاعلة ذات الصلة لإحراز تقدم في التوصل إلى اتفاق بشأن المعايير اللازمة لتحقيق هذا الهدف، بما في ذلك خلال مؤتمر القمة المقبل لجامعة الدول العربية. وسيكون من المهم لمجلسكم الموقر أن يُنسق توجيه الرسائل وأن يشدد على الجهات الفاعلة الليبية بضرورة العمل معاً بإخلاص والتزام من أجل إجراء الانتخابات. كما أن دعوتكم الموحدة إلى مزيد من التواؤم والتنسيق في عمل الفاعلين الدوليين ستكون أيضاً بالغة الفائدة لمساعي بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا.
أعتزم خلال الأسابيع المقبلة القيام بما يلي:
التعهد بتسهيل عقد اجتماع بين قيادتي مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة لفهم الالتزامات المعلنة في الرباط في 21 تشرين الأول/ أكتوبر والاتفاق على تدابير سياسية ودستورية وقانونية وأمنية للمضي قدماً في التحضير للانتخابات في أقرب وقت ممكن بما يتماشى مع التطلعات التي عبّر عنها بشكل جليّ الشعب الليبي.
كما أنوي السفر إلى مدنية سرت بتاريخ 27 تشرين الأول/ أكتوبر لاستئناف عمل اللجنة العسكرية المشتركة (5+5) وإحياء المسار الأمني. وعلى هذا الأساس، سنعيد أيضاً إنعاش المسارين السياسي والاقتصادي.
وأخيراً، العمل على حشد دعم المجتمع الدولي لضمان التنسيق فيما بيننا جميعاً بما يتفق مع النهج المذكور أعلاه.
شكراً لكم على حُسن استماعكم.