قدم المبعوث الأممي إلى ليبيا عبد لله باتيلي إحاطة أمام مجلس الأمن الدولي بشأن ليبيا أعلن خلالها عن إطلاق مبادرة تهدف إلى التمكين من إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية خلال عام 2023.
وأكد باتيلي اعتزامه إنشاء لجنة توجيه رفيعة المستوى في ليبيا قائلا ستعمل الآلية المقترحة على الجمع بين مختلف الأطراف الليبية المعنية بمن فيهم ممثلو المؤسسات السياسية وأبرز الشخصيات السياسية وزعماء القبائل، ومنظمات المجتمع المدني، والأطراف الأمنية الفاعلة، وممثلين عن النساء والشباب. وبالإضافة إلى تيسير اعتماد إطار قانوني وجدول زمني ملزم لإجراء الانتخابات في 2023، فإن اللجنة المقترحة سوف تمنح منصة للدفع قدما بالتوافق حول الأمور ذات الصلة، مثل تأمين الانتخابات، واعتماد ميثاق شرف لجميع المرشحين.
إلى نص الإحاطة:
السيدة الرئيسة،
أعضاء المجلس الأفاضل،
في 17 شباط / فبراير، أحيت ليبيا الذكرى الثانية عشرة لثورة 2011. وقد احتفل بها الليبيون من خلال التأكيد على إصرارهم على تحقيق مستقبل أفضل. كما جددوا مطالبتهم بالسلام والاستقرار المستدام والرخاء.
إلا أن أمد العملية السياسية طال أكثر من اللازم، ولم تعد هذه العملية تلبي تطلعات الليبيين الساعين إلى انتخاب من يقودهم، وإلى بث الروح في مؤسساتهم السياسية. وملخص القول، فإن صبر الليبيين قد نفد، وباتوا اليوم يشككون في إرادة ورغبة الفاعلين السياسيين الانتقاليين في إجراء انتخابات شاملة وشفافة في 2023.
السيدة الرئيسة،
منذ إحاطتي الأخيرة في 17 كانون الأول / ديسمبر 2022، واصلت مشاوراتي المكثفة مع الليبيين من مختلف مناطق البلاد ومن جميع المشارب، وكذا مع الشركاء الإقليميين والدوليين حول السبل الكفيلة بكسر الجمود السياسي الحالي. وشملت مشاوراتي في ليبيا كافة الشخصيات السياسة والأمنية الرئيسة، وممثلي المجتمع المدني، بمن فيهم النساء والشباب، وممثلي المكونات الثقافية، وزعماء القبائل، وكذلك كبار المسؤولين الحكوميين، وأعضاء مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة. كما اطلعت على العديد من المقترحات التي تلقيتها بشكل شفوي أو مكتوب من الليبيين حول سبل معالجة الجمود السياسي. وقبل سفري إلى نيويورك، تواصلت مع رئيس المجلس الرئاسي، ورئيس حكومة الوحدة الوطنية، ورئيس مجلس النواب ورئيس المجلس الأعلى للدولة، وكذلك المشير حفتر.
وسعياً لتوسيع نطاق مشاوراتي، قمت بجولة مكملة للجولة التي قمت بها في ديسمبر الماضي، شملت عواصم المنطقة والقارة الأوروبية، حيث التقيت بالشركاء في كل من الجزائر وتونس وبرازافيل والرباط وروما والقاهرة وباريس ولندن وبرلين وموسكو وواشنطن. كما تشاورت مع نائب الممثل الدائم للصين في الأمم المتحدة. وقد عبرت للجميع عن بواعث قلقي بشأن العملية السياسية في وضعها الحالي، وشددت على ضرورة إنهاء الترتيبات الانتقالية المتكررة، والتي لا تخدم سوى أولئك المستفيدين من الوضع القائم.
وقد حثثت مخاطبيَّ على توحيد كلمتهم مؤكداً لهم على أن الحفاظ على مصالحهم لن يتحقق إلا إذا نعمت ليبيا بالأمن والاستقرار والازدهار. ويسعدني أن أنقل لكم بأن الشركاء الإقليميين والدوليين أجمعوا إلى حد كبير على ضرورة إجراء انتخابات شاملة وشفافة في 2023.
السيدة الرئيسة،
في 8 شباط / فبراير، صادق مجلس النواب على التعديل الثالث عشر على الإعلان الدستوري لعام 2011، وتم نشره في الجريدة الرسمية. ولا يزال هذا التعديل بانتظار مصادقة المجلس الأعلى للدولة عليه. وعلى الرغم من استمرار الحوار بين رئيسي ووفدي مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة بشأن القاعدة الدستورية الناظمة للانتخابات، إلا أن الاختلافات ما تزال قائمة. وما يزال التعديل الجديد محل جدل في أوساط الطبقة السياسية الليبية والمواطنين العاديين. أضف إلى ذلك أن التعديل لا يعالج النقاط الخلافية الأساسية من قبيل شروط الترشح للانتخابات الرئاسية. كما أنه لا يتضمن خارطة طريق واضحة أو جدولا زمنيا ملزما لتنفيذ انتخابات شاملة في 2023. بل إنه يضيف تعقيدات جديدة مثل تمثيل الجهات في مجلس الشيوخ.
السيدة الرئيسة،
تعيش النخبة السياسية في ليبيا أزمة شرعية حقيقية. ولا يسع المرء إلا القول بأن أغلب مؤسسات الدولة فقدت شرعيتها منذ أعوام. ولا بد أن يتصدر حل أزمة الشرعية هاته أولويات الفاعلين السياسيين الراغبين في تغيير الوضع القائم.
وإلى اليوم، لم ينجح مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة في التوافق على قاعدة دستورية للانتخابات.
بالموازاة مع ما سبق، يتطلب تنفيذ الانتخابات الرئاسية والتشريعية توافقاً وطنياً واسعاً ينطوي على التأييد والمشاركة الفاعلين لطيف أوسع من الأطراف المعنية بما في ذلك المؤسسات الوطنية، والشخصيات السياسية، والأطراف الأمنية، وزعماء القبائل وغيرهم من الفاعلين.
واستنادا إلى المادة 64 من الاتفاق السياسي الليبي لعام 2015، وبناء على الاتفاقات التي توصل إليها الأطراف الليبيون في السابق، قررت إطلاق مبادرة تهدف إلى التمكين من إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية خلال عام 2023. وفي هذا الصدد، أعتزم إنشاء لجنة توجيه رفيعة المستوى في ليبيا.
وستعمل الآلية المقترحة على الجمع بين مختلف الأطراف الليبية المعنية بمن فيهم ممثلو المؤسسات السياسية وأبرز الشخصيات السياسية وزعماء القبائل، ومنظمات المجتمع المدني، والأطراف الأمنية الفاعلة، وممثلين عن النساء والشباب. وبالإضافة إلى تيسير اعتماد إطار قانوني وجدول زمني ملزم لإجراء الانتخابات في 2023، فإن اللجنة المقترحة سوف تمنح منصة للدفع قدما بالتوافق حول الأمور ذات الصلة، مثل تأمين الانتخابات، واعتماد ميثاق شرف لجميع المرشحين.
السيدة الرئيسة،
في الثاني عشر من يناير الماضي، سعدت بالمشاركة في الجلسة الختامية للملتقى التحضيري لمؤتمر المصالحة الوطنية، والمزمع عقدة تحت إشراف الاتحاد الإفريقي والمجلس الرئاسي في وقت لاحق هذا العام. وقد التأم في الاجتماع أزيد من 150 مشاركا بينهم شخصيات سياسية ودينية وقبيلة بارزة بالإضافة إلى ممثلين عن كامل الطيف السياسي في البلاد.
إننى أثني على جهود المجلس الرئاسي والاتحاد الأفريقي، وأؤكد بأن المصالحة عملية طويلة الأمد وينبغي لها أن تكون شاملة، وأن تركز على الضحايا وذوي الحقوق، وتستند إلى مبادئ العدالة الانتقالية. وأحث المجلس الرئاسي، بدعم من الاتحاد الأفريقي، على تنفيذ الخطوات اللازمة لعقد مؤتمر شامل للمصالحة الوطنية بشأن ليبيا، وأؤكد مجدداً دعم الأمم المتحدة للشركاء الليبيين وفي الاتحاد الأفريقي.
السيدة الرئيسة،
تواصل اللجنة العسكرية المشتركة (5+5) تحقيق تقدم في تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار. ويسعدني الإفادة بأن وقف إطلاق النار مستمر وأنه لم يتم تسجيل أية خروق له منذ إحاطتي الأخيرة. ومع ذلك، لا يزال الوضع الأمني هشا.
في 15 و 16 كانون الثاني/ يناير، ترأستُ بمعية اللجنة العسكرية المشتركة (5+5) اجتماعاً لمدة يومين في سرت مع مراقبي وقف إطلاق النار الليبيين والتابعين لبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا. ويسرني الإفادة بأن اللجنة العسكرية المشتركة (5+5) صادقت على الشروط المرجعية لعمل اللجنة الفرعية الفنية المشتركة التابعة لها والمعنية بنزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج، والتي ستُعهد إليها مهمة تصنيف المجموعات المسلحة عملاً بالبند الرابع من اتفاق وقف إطلاق النار.
إلى ذلك، تم اتخاذ خطوات مشجعة لتهيئة الظروف لعملية نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج بمجرد أن تصبح البيئة السياسية مواتية. وقد قررت اللجنة العسكرية المشتركة (5+5) إطلاق حوار مع ممثلي المجموعات المسلحة لمناقشة سبل تأمين بيئة مواتية للانتخابات من بين أمور أخرى.
وتعتزم البعثة، بناءً على طلب اللجنة العسكرية المشتركة (5+5) وبالاشتراك معها، تيسير هذا الحوار مع ممثلي المجموعات المسلحة في الأسابيع المقبلة.
وفي 7 و8 شباط/ فبراير، ترأست اجتماعاً لمدة يومين في القاهرة ضم اللجنة العسكرية المشتركة (5+5) ولجان التواصل في كل من ليبيا والسودان والنيجر. وبدعم من مستشاري البعثة، وضع المشاركون في هذا الاجتماع آلية متكاملة للتنسيق المشترك وتبادل المعلومات بين البلدان الثلاثة لتسهيل عملية انسحاب المرتزقة والمقاتلين الأجانب، وصادقوا عليها. وأعتزم زيارة هذه البلدان المجاورة الثلاثة، بالإضافة إلى تشاد الذي تعذرت عليه المشاركة في الاجتماع الأخير، للتباحث مع سلطاتها وتشجيعها على تعزيز دعمها لتنفيذ خطة العمل لسحب المقاتلين الأجانب والمرتزقة.
السيدة الرئيسة،
فيما يخص المسار الاقتصادي، تظل إدارة موارد البلاد مصدر قلق كبير لجميع الليبيين. لذا من الضروري أن تتم وبشكل كامل معالجة استخدام موارد ليبيا، ولا سيما تحديد أولويات النفقات، ومعالجة الضعف المزمن في الخدمات الأساسية، وغياب المساءلة، فضلا عن مطالب التوزيع العادل للموارد.
أؤكد مجدداً على الأهمية البالغة والحاجة الملحة لوضع آلية، يتملك زمامها الليبيون وتجمع الأطراف المعنية من جميع أنحاء البلاد، للاتفاق على أولويات الإنفاق، وضمان إدارة عائدات النفط والغاز بطريقة شفافة وعادلة بما يتماشى مع قرار مجلس الأمن رقم 2656. كما إن إعادة توحيد المصرف المركزي وإصلاحه يعتبران أمرين ضروريين لتطبيق المساءلة وتعزيز الرفاه الاقتصادي في البلاد.
وتحقيقاً لهذه الغاية، تواصل الرئاسة المشتركة لمجموعة العمل الاقتصادية التابعة للجنة برلين للمتابعة الدولية، الانخراط مع المؤسسات الليبية بهدف إحراز تقدم في المناقشات للاتفاق بشأن الإنفاق المؤقت وآلية الرقابة.
وبغية تحقيق تقدم مستدام، يجب أن يظل النهوض بالمسار الاقتصادي جزءاً لا يتجزأ من الحوار السياسي مع الأطراف الرئيسية الليبية والشعب الليبي.
السيدة الرئيسة،
للأسف، ما يزال الفضاء المدني - الضيق أصلاً في ليبيا - يعاني من مزيد من التقييد. وهو ما يتبين من خلال إسكات أصوات منظمات وناشطي المجتمع المدني.
وينتابني قلق بالغ إزاء موجة الاعتقالات الجديدة لمدافعات عن حقوق الإنسان بـتهمة "الإساءة إلى التقاليد الليبية"، وذلك في أعقاب تفعيل قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية في 17 شباط/ فبراير.
ويصادف شهر شباط/ فبراير أيضاً مرور أكثر من عام على اعتقال أربعة ناشطين في المجتمع المدني واحتجازهم بشكل تعسفي بذريعة حماية "الثقافة والقيم الليبية"، بينما كانوا يمارسون وبشكل سلمي حقهم الأساسي في حرية التعبير. وفي أواخر شهر كانون الأول/ ديسمبر 2022، حُكم على الرجال الأربعة بالسجن ثلاث سنوات.
وهنا، أكرر دعوتي للسلطات الليبية لوضع حد لحملتها ضد المجتمع المدني، وحماية الفضاء المدني وتعزيزه، والتوقف عن التدخل في عمل منظمات المجتمع المدني.
السيدة الرئيسة،
في جميع مشاوراتي مع النساء ومنظمات المجتمع المدني، تتكرر المطالبات بدور أكبر في العملية السياسية وعملية المصالحة الجارية، وبضرورة الاستماع لصوتها وضمان تمثليهن الكامل في جميع المؤسسات.
وأؤكد مرة أخرى على ضرورة أن تحظى المرأة بتمثيل ذي مغزى في العملية السياسية وعملية المصالحة، وينطبق الأمر ذاته على منظمات المجتمع المدني والمكونات الثقافية والشباب والفئات والمجموعات المستضعفة.
وفي بادرة أكثر إيجابية، تم في 6 شباط/ فبراير تقديم مشروع قانون بشأن مكافحة العنف ضد المرأة إلى مجلس النواب بشكل رسمي. وأشيد هنا بالجهود الدؤوبة للخبراء الليبيين الذين وضعوا مشروع القانون هذا والذي يعتبر ضروريا لضمان حق المرأة الأساسي في العيش بمنأى عن العنف.
السيدة الرئيسة،
في الختام، وبينما احتفل الليبيون بالذكرى الثانية عشرة لثورة 17 فبراير، فإن من واجبنا مساعدتهم على تحقيق تطلعاتهم إلى بلد مستقر تقوده سلطات تكرس جهودها لرفاه مواطنيها. لذلك، فإن إجراء انتخابات وطنية شاملة وشفافة خلال هذا العام يعتبر خطوة حاسمة في هذا الاتجاه.
أكرر طلبي للمجلس الأمن من أجل التعبير عن دعمه للطريق التي أقترحها للمضي قدما في تحقيق تطلعات الشعب الليبي.